بقلم الأستاذ الدكتور
صلاح رشيد الصالجي
تخصص: تاريخ قديم
بغداد 2022
آشور-شار-اوصر (715-705) ق.م الحاكم الآشوري على بلاد كوي (قيليقيا)
خريطة الشرق الأدنى القديم في أواخر النصف الأول من الالفية الأولى ق.م، وتظهر فيها مناطقة قيليقيا (كوي) جنوب تركيا، ومملكة ليديا في غرب الاناضول، ومناطق سيادة دولة بابل الحديثة لغاية سقوط بابل (539) ق.م
تقع قيليقيا (Cilicia) في تركيا الحالية ومن الممكن تقسيمها جغرافيا إلى منطقتين الأولى: تقع في الغرب ضمن سلسلة جبال طوروس، لذا فهي صخرية خشنة، أما الثانية: فهي سهلية تكونت بفعل إرسابات الأنهار، أما في الشمال فتظهر جبال متوسطة الارتفاع هي في حقيقتها امتداد لجبال طوروس يطلق عليها أنتي طوروس، أما في الجنوب فيحتل البحر المتوسط الساحل القيليقي برمته، وتعتبر جزيرة قبرص اقرب الجزر المتوسطية لها، ومع وصول الآشوريين إلى المنطقة في القرن التاسع ق.م أطلقوا على قيليقيا اسم (كوي) (Qué) (يطلق عليها أحيانا أخرى اوريكو Awariku)، وتظم المنطقة الشرقية الخصبة من قيليقيا (المنطقة السهلية)، وجعل الآشوريون مقر حكمهم مدينة أظنه (Adana)، واعيد فرض السيادة عليها في عهد تجلاتبليزر الثالث الملك الاشوري (744-724) ق.م، وعين حاكما آشوريا وجعل مقر إقامته أظنه (Adana)، ولكن المنطقة لم تكن مستقرة، لذا قاد سرجون الآشوري (721-705) ق.م حملة على تلك البقاع فاعاد السيادة الآشورية على (كوي) مرة اخرى، وعين نائبا عنه في ادارة شؤونها يدعى آشور-شار-اوصر (Aššar-šarra-uşur) نائب الملك في حاكم منطقة كوي (Qué) معنى اسمه (الإله آشور يحمي الملك)، وهناك عدة دراسات حول شخصية آشور-شار-اوصر خاصة فيما يتعلق بدوره مع أوريكي (Urikki) ملك كوي من جهة، وميتا / ميداس (Mita/Midas) ملك موشكي (Muski) (فريجياPhrygia شمال تركيا الحالية) من جهة اخرى، وعلى ما يبدو أن الحاكم الاشوري قد مارس دورا مهما على الحدود الغربية للإمبراطورية الآشورية في زمن سرجون الآشوري، فمن المحتمل تم تعيينه حاكما لمنطقة كوي جنبا إلى جنب مع الملك المحلي (أوريكي) وكان ذلك في أعقاب حملة سرجون الاشوري على قيليقيا عام (715) ق.م، وربما كانت هذه الحملة بناء على طلب من (أوريكي) الذي كان يعاني من ضغط الفريجيين، والايونيين (lonians) (غرب الاناضول)، ومن المحتمل شارك أشور-شار-اوصر في الحملة الآشورية ضد منطقة هيلاكو (Hilakku) (المنطقة الغربية الصخرية من قيليقيا) وبيت- بوروتاش (Bit-Burutash) (منطقة تابال Tabal في تركيا) عام (713) ق.م، ثم كان له دورا حاسما في إقامة العلاقات الدبلوماسية بين ميداس (Midas) حاكم موشكي والملك سرجون الاشوري، وفقا للرسالة التي كتبها الملك إليه في عام (709) ق.م، ومن المرجح أن دور هذا الحاكم توقف عام (705) ق.م بعد مقتل سرجون في معركة في منطقة تابال (Tabal)، وقد أدت هذه الهزيمة إلى إضعاف مؤقت للسيادة الآشورية في جميع أنحاء غرب الإمبراطورية، ومن المحتمل أن يكون الحاكم آشور-شار-اوصر قد قتل إلى جانب سرجون في تلك المعركة.
كانت اتصالات نائب الملك الاشوري في كوي تجري بشكل مباشر مع الملك الاشوري الذي عينه بهذا المنصب، اما الملك أوريكي (Urikki)، فقد ذكر في نقش فينيقي (Phoenician) مجزأ عثر علية في موقع حسن بيلي (Hassan-Beyli) (على ساحل البحر المتوسط في تركيا)، كما ذكر في النقوش الفينيقية-اللوفيتية في موقع كاراتبة (Karatépé) (قلعة حثية تقع في جنوب تركيا وعلى بعد حوالي 23 كم من مركز منطقة Kadirli في جبال طوروس)، ويمكننا أيضا أن نقترح أن هناك اثرين ساميين من الشمال الغربي تعود للحاكم الآشوري لمقاطعة كوي عليهما كتابات ارامية قصيرة وهما اثنان من الصولجانات مثبتة بالحديد من خورسباد (دور شروكين عاصمة سرجون الاشوري): الأول: مجزأ وهو محفوظ في متحف اللوفر في باريس، والثاني: صولجان كامل، تم الحصول عليها مؤخرا من قبل المتحف العراقي في بغداد، وعند المقارنة بين القطعتين وما عليهما من نقوش فأنهما متطابقتان عمليا ومن المرجح أن الصولجانين ينتميان إلى نفس شخصية الحاكم الاشوري (آشور-شار(را)-اوصر) نائب الملك في ادارة منطقة كوي، ومن المعروف جيدا ان النقوش من هذا النوع عثر عليها بعد تنقيبات كالخو (موقع نمرود) والتي تشمل من بين الاثار المكتشفة صولجان منقوش عليه اسم (ماتي’إل) (Mati’el) ملك ارفاد (Arpad) (مملكة قوية في شمال سوريا) ويؤرخ إلى منتصف القرن الثامن ق.م، وهناك نقوش لمسلات حجرية (Sfiré) التي توضع في معبد الإله اشور ومنها معاهدة اشور-نيراري الخامس (Ašur-nirâri)، وحوليات تجلاتبليزر الثالث (Tiglat-Phalazar)، كما عثر على ثلاثة صولجانات منقوشة تعود إلى القرن الثامن ق.م، يبدو أن هذا النوع من الصولجانات قد تم حمله كإشارة قيادة من قبل الملوك الآشوريين وكبار الشخصيات على حد سواء، وتشير الكتابة القديمة للنقشين على الصولجانين إلى تاريخ قريب من نهاية القرن الثامن ق.م، وبالتالي، فإن وظيفة وتاريخ وأصل هذين الاثريين المدرجين تجعل من المحتمل أنهما ينتميان إلى (آشور-شار-اوصر) حاكم مقاطعة كوي حوالي (715-705) ق.م .
بعد مقتل سرجون الاشوري في (تابال في جنوب تركيا)، أعاد الملك أسرحدون احتلال كوي (Que) ومنطقة هيلاكو (Hilakku) الجبلية الصعبة على الرغم من أن الآشوريين لم يهتموا بالمنطقة الجبلية لأنها تضم قبائل فقيرة متخلفة ولأن إدارتها تتطلب جهودا صعبة ومكلفة ماديا وعسكريا، أما في فترة حكم آشوربانيبال الملك الاشوري، فقد قاد حملة ضد القبائل الساكنة في هيلاكو، وبذلك عادت المنطقة إلى التبعية الآشورية مرة ثانية، ومع انهيار آشور (612) ق.م على يد التحالف الثلاثي الميدي-البابلي-الإسكيثي، حل البابليين في حكم قيليقيا كورثة للآشوريين، واعتقد أن القيليقيين لم يعرفوا بالتغير السياسي في بلاد الرافدين اللهم إلا تغير مقر الحاكم من (أظنة) إلى (طرسوس)، ويظهر أن وجود البابليين في تلك الأصقاع جعلهم وسطاء بين قوتين تسعيان للسيطرة على غرب بلاد الأناضول، فالبابليين في حقيقتهم تجار يجيدون لعبة الواسطة بين الخصوم بعكس الآشوريين الذين اتخذوا الطابع العسكري مبدأ سياسيا في تعاملاتهم مع الشعوب التابعة والمجاورة لهم، وقد ذكر المؤرخ هيرودوتس اليوناني رواية تعود إلى عام (585) ق.م عندما قاد أحد البابليين ويدعى لابينتوس (Labynetus) محتمل الحاكم البابلي في طرسوس (بعض المصادر تشير إلى نبونائيد (Nabonidus) الذي أصبح ملكاً على بابل فيما بعد)، أو يعتقد أن نبوخذنصر الملك البابلي ارسل أحد رجالاته المتنفذين من محتمل (نبونائيد) لتسوية النزاع ما بين الميديين (تقع ميديا شمال غرب إيران) وبين مملكة ليديا (Lydia) في غرب آسيا الصغرى، وكان الوسيط يعمل على عقد معاهدة بين الياتيس(Alyattes) ملك ليديا، وكي أخسار ((Cyaxares ملك ميديا (Media) من أجل ترسيم الحدود بينهما في بلاد الأناضول، وكذلك أورد المؤرخ هيرودوتس أن أول سينيس (Syeenesis) (لقب ملوك قيليقيا) حكم منطقة قيليقيا! كان في القرن الخامس ق.م واشترك في الوساطة مع الحاكم البابلي، وإذا كان ذلك صحيحا، فإن قيليقيا كانت دولة مستقلة ولم تعد خاضعة لإمبراطورية نبوخذ نصر الكلدية، ولكن مع هذا بالإمكان أن نجد صيغة مقبولة حول أول (سينيس) بأنه حكم منطقة قيليقيا الجبلية الوعرة التي سبق للآشوريين وأن عانوا من تمردها وكلفتهم المال والرجال لإخضاعها ولو جزئيا، ثم آمن البابليين بنفس الفكرة بترك تلك المنطقة يديرها حاكم محلي يدين بنوع من العلاقة مع بابل ولو اسمياً، ومع هذا وبدون نصوص أثرية فإن الفكرة السابقة تصبح افتراضا يصعب إثباته، ثم ذكر المؤرخ هيرودوتس بأن (سينيس) آخر قاوم جيشا بابليا كان تحت قيادة (نركال- شار- آوصر) (Nergal-shar-usur) معنى اسمه (الإله نركال يحمي الملك) في أعوام (558– 557) ق.م ، وأن المنطقة تم غزوها من قبل الفرس فأصبحت تحت الحماية الميدية.
2972 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع