المحامي المستشار
محي الدين محمد يونس
ليلة من العمر
لقد عوضني الله سبحانه وتعالى عن الخلل في بعض حواسي بذاكرة قوية فهي وقادّة وشغالة و بالباكيت حسب التعبير العراقي الا انني ورغم ذلك اتوجس في بعض الاحيان بانها على حافة النضوب في تذكر الاحداث التي مرت بي وكنت طرفا فيها او شاهدتها او سمعتها واشعر بان خزين ذاكرتي ينبهني الى احتمال ان يعلن بانه على وشك ان يوشل (ينضب) من ما مخزون فيه ولكنني لن استسلم بهذه السهولة ولابد ان استحضر قصة او حكاية بعد عصر هذا الخزين ووقع اختياري على قصة صديق عزيز على قلبي حيث قبل في بعثة دراسية على حساب الدولة في نهاية السبعينات من القرن الماضي لدراسة الطب في الاتحاد السوفيتي السابق و في جامعة موسكو قبل انهيار المعسكر الاشتراكي.
العاصمة الروسية موسكو
وكان صديقي وحاله كحال كل شاب شرقي وهو يتوجه الى احدى الدول الاوروبية يفكر بمسالتين اولها ان يثابر ويصرف جهوده في سبيل نيل شهادة التخرج ويضمن مستقبله على احسن وجه والمسالة الثانية التي تشغل باله هي كيفية ايجاد علاقات رومانسية مع الفتيات الاوروبيات بعيدا عن المجتمع المنغلق في وطنه وهو يرسم ويتخيل جمالهن الساحر ذوات الشعر الاصفر والبشرة البيضاء والعيون الزرقاء في هذه البلدان وفعلا استطاع تشكيل علاقة مع امرأة شقراء جميلة احبته واحبها الا ان الطبيعة الشرقية لزوجها المتزمت والمنغلق كان يحول في كثير من الاحيان الى تحقيق مرادها في اللقاء به وقضاء الوقت سوية وكانت المفاجأة حين اتصلت هذه المرأة بصديقي وهي فرحة وتبشره بان زوجها قد سافر الى مدينة اخرى وعليه الاسراع في المجيء بعد ان يجلب معه لوازم قضاء هذه الليلة ليست الحمراء فقط بل ليجعلها بمختلف الالوان.
الفتيات الروسيات
سارع صديقي لاقتناء أنواع المأكل والمشرب وتوجه إلى شقة حبيبته والتي كانت تقع في الطابق السابع عشر من احدى العمارات في قلب العاصمة موسكو وكان فرحا من هذه الفرصة التي تحققت وجمعته بخليلته بهذا الشكل المريح والهادئ والان اتركه يحدثنا عن هذه الليلة وقبلها ارجو من القراء الأعزاء الانسجام معه وتخيل وقائع وتفاصيل الحكاية بدقة عندما يرويها حيث يقول: "لقد أنستني كل هموم ومشاغل الحياة وتعب وارهاق الدراسة والتفكير بالبعد عن أهلي ووطني وأوضاعهم وأصبحت لا أفكر إلا باللحظات السعيدة التي انا فيها مع حبيبتي والعن الأيام التي قضيتها في حياتي يباسي.
قامت مضيفتي بكامل مستلزمات الضيافة وهي بكامل أناقتها وجمالها و يفوح منها عطرها الطبيعي مختلطاً برائحة اشهر واغلى العطور كنت قد أهديته لها، قامت صاحبتي بتهيئة أنواع الطعام الروسي وبعض الطعام الشرقي حيث راعت رغباتي بالإضافة الى انواع المقبلات ونسمع الاغاني والالحان الروسية الجميلة وتعقبها اغاني عراقية من البستات التي كانت تصدح بها حنجرة أبو يعقوب (يوسف عمر) في أغنيته المشهورة (داري انا داري بهوى الأسمر) بعد ان كنت اردد الاغنية واستبدل كلمة الاسمر بالأشقر لا اود ان اطيل عليكم الحديث وانتم تشاركوني و تتخيلون الأجواء الساحرة التي اصورها لكم وتشد اذهانكم الى مختلف جوانب هذا اللقاء الرومانسي لقد استمرت سهرتنا لوجه الصبح وبعدها خلدنا الى الراحة في السرير من غير هدوم كما يقول الفنان (عادل إمام) ولم يكن يخطر ببالي بأن سعادتي لن تستمر وتتحول الأجواء الى ليلة سوداء مصحوبة بالزوابع الرعدية مع بداية انتشار ضوء الصباح واذا بزوج خليلتي يفتح باب الشقة بواسطة المفتاح الذي يحمله معه ويدخل الى الشقة دون ان ندري، لقد هاله ما شاهده من منظر حرك واستفز كل مشاعره وتحول الى غضب جامح وهو يشاهد شاب صغير ضعيف البنية نائم بجانب زوجته (جفي) ايقظ زوجته بيده و بهدوء طالباً منها بلغة الاشارة السكوت والتنحي جانباً لان حسابها العسير سيتم لاحقا، نهضت وتركت السرير وهي بحالة من الفزع والخوف على مصيرها في هذا الموقف الذي لم تكن تتوقعه حيث عاد زوجها مبكراً، بعدها تفرغ الزوج الغاضب للتصرف معي انا الضيف الطارئ ثقيل الدم وخفيف الوزن ليلقنني درساً سأنساه مع نهاية حياتي المقررة في تلك اللحظات كنت اغط في نوم عميق واذا به يطبق قبضة يده اليمنى باحكام حول رقبتي وكأنها (منكنه) حيث كان رياضياً ويمتلك جسماً ضخماً ورفعني من السرير الى الاعلى وانا احرك سيقاني كالخروف المقبل على الذبح، توجه بي وانا على هذا الوضع صوب الشباك حيث فتحه واخرجني لغرض إلقائي منه وكنت اشاهد السيارات في الشارع بحجم علبة الكبريت.
علبة الكبريت
وعندما اصبح نصف جسمي خارج الشقة بدأت بالصراخ والعويل بكل قوتي وأقول له .. يا اخي حرام عليك لا ترميني امنحني فرصه لكي اوضح لك.. العن الشيطان و هدئ أعصابك، اعادني الى داخل الشقة وانا ارتجف من البرد والخوف.. ما الذي تريد قوله تكلم بسرعة.. فقلت له أخي لماذا تتصرف هكذا وتضيع مستقبلك ومستقبل عائلتك بسبب انسان تافه مثلي العن ساعة الشيطان وتجنب الفضيحة وعالجني بكم دفرة وراجدي وجلاق افضل لك، لقد راقت النصيحة له ووجدها أكثر جدوى وطبقها في الحال وهو يوجه لي عدة ضربات موجعة ومتلاحقة (غسل ولبس) مستعملاً كافة اطرافه العليا والسفلى وحمدت الله من انه لم يكن عراقياً لاستعمل رأسه (كله) دفعني نحو باب الشقة بقوة بعد فتحه ودفرة اخيرة قوية الى خارج الشقة ولولا تمسكي بأطراف المشبك الحديدي للسلم لكانت نتيجتي لا تختلف عن النتيجة الاولى وأغلق باب الشقة بكل قوة، انشغلت بعد ذلك وانا انظر لنفسي واتسائل كيف اخرج من هذه العمارة وانا بهذه الصورة، عدت الى باب الشقة وطرقته ومن ثم تراجعت الى الخلف و بعد أن فتح الزوج الباب اخذت اتوسل به ان يعيد لي ملابسي، عاد وهو يحمل ملابسي ورماها بكل قوة خارج الشقة، حيث تناثرت على مدرجات الطوابق واغلق الباب، ركزت في البحث عن لباسي الداخلي اولاً وفرحت عندما وجدته بالقرب مني فارتديته وانا فرح من هذا الانجاز الذي سترني وتابعت البحث عن القطع الاخرى تباعاً ولحسن حظي كانت مشتملات العمارة (الدرج والمصعد) خالية من الناس بسبب الوقت المبكر، عدت الى محل سكني وانا العن حظي ونصيبي في هذه الليلة التي لقنني فيها هذا الزوج الروسي درساً لن أنساه وأصبحت ليلة من العمر في المتعة والفزع".
وبهذا اكون قد انهيت حكاية صديقي وما حل به عسى ان تكون قد راقت للقراء الاعزاء وان يبعد عنهم مثل هذه المواقف ودمتم بخير.
2391 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع