د. سعد ناجي جواد*
الشرق الاوسط على كف عفريت. لماذا من كان ينتقد المقاومة ويطالب بنزع سلاحها بدا يطالبها الان بالذهاب الى الحرب؟
في الشرق الاوسط، وفي منطقة المشرق العربي بالذات، كل ما يجري يوحي بان مواجهة عسكرية طاحنة على الابواب، مواجهة ليس كسابقاتها، ولن تستثني اي دولة محيطة بفلسطين المحتلة. والشواهد على ذلك كثيرة:
اولها الاستعدادات الاسرائيلية والمناورات والتدريبات التي اجرتها قوات من الجيش الاسرائيلي تحاكي عملية مواجهة مع حزب الله والمقاومة الفلسطينية وايران، ولا يمكن لكل متابع ان يعتبر ما يجري ببعيد عن مخططات الولايات المتحدة التي تشعر ان الوقت مناسب لتوجيه ضربات لروسيا في مناطق مختلفة من العالم، وشعورها بان سوريا هي المنطقة الاكثر رخاوة في صراعها مع موسكو.
هذا الامر شجع اسرائيل، وبصورة مفاجئة على التصعيد. طبعا هي لا تقول انها تفعل ذلك وفق تواطؤ مع الولايات المتحدة، وانما تدعي انها مطالبة بالقيام بعملية عسكرية واسعة (لدرء المخاطر) التي اصبحت تحيط بها من كل جانب ولمنع وصول اسلحة متطورة لحزب الله او لمنع ايران من امتلاك سلاح نووي. ناهيك عن قلق القيادات الاسرائيلية من الكم الهائل من صواريخ المقاومة التي يمكن ان تمطر عليها، كل ذلك جعل الصقور فيها يفكرون ويعدون العدة للعملية العسكرية. وبما ان الزمن الذي كانت فيه اسرائيل تفعل ما تشاء وفي اي وقت تشاء وفي اي مكان تشاء قد ولى الى غير رجعة بسبب ردع المقاومة، يضاف اليه تصاعد نقد المجتمع الدولي لسياساتها التوسعية والاستيطانية واصرارها على احتلال اراضي 1967، كلها ذلك يجعلها مرة ثانية تتبع اسلوب اثارة الاطراف المحيطة المختلفة لكي تقوم برد ستقول عنه انه مبرر لانه جاء حماية (لامنها القومي). دلالات ماهو قادم يمكن ان يبنى على:
ـ أولا: التصعيد في عمليات اغتيال العلماء او العاملين في المجال النووي الايراني، وكذلك اغتيالات لقيادات في الحرس الثوري الايراني، والاعلان عن مسؤوليتها عن قسم منها بدون تردد، وابلاغ الولايات المتحدة بذلك، مما يعني بان الاخيرة موافقة على هذه السياسات.
ـ ثانيا: قصف مطار دمشق بطريقة ادت الى تعطيل عمل المطار واغلاقه امام الرحلات الجوية، وهذا تصعيد خطير لم يحدث منذ زمن طويل، (الهجوم دمر مدرجين رئيسين في المطار ومنشئات حيوية اخرى)، وهذا العمل الكبير والمفاجيء بالذات لا يمكن ان يحدث بدون ضوء اخضر امريكي.
ـ ثالثا: العنف المنظم الذي يطال فلسطيني الداخل واراضيهم، واعلان قادة اسرائيل بانهم غير ابهين بتهديدات المقاومة الفلسطينية، التي قيل ان مصر قد لعبت دورا صعبا في منعها (المقاومة) من الرد بقصف صاروخي. واخيرا وليس اخرا اثارة الداخل اللبناني ضد حزب الله، ونتائج الانتخابات الاخيرة دليل على ذلك.
ومع كل محاولات التهدئة من قبل اطراف خارجية، الا ان اسرائيل زادت من تصعيدها واستفزازاتها، مما يوكد ان الكيان الغاصب مصر على اثارة المقاومة لجرها لمواجهة عسكرية شاملة. ورابعا وبالتزامن مع هذا التصعيد جلبت اسرائيل منصة استخراج الغاز اليونانية الى المنطقة المتنازع عليها مع لبنان، او بالاحرى التي تقع ضمن المياه الاقليمية اللبنانية، على اساس ان تبدا بانتاج وتصدير الغاز لصالحها. واصلا فان هذا امر استفزازي اخر هي ليست بحاجة له الا اذا كانت لديها اهدافا عدوانية اخرى، خاصة (هناك من يقول ان هذه المنصة ليست معدة لاستخراج الغاز!!) ولانها (اسرائيل) تستخرج الغاز من البحر المتوسط بكميات لا باس بها، في وقت يمنع فيه لبنان من استثمار ثرواته في هذه المنطقة.
ويمكن القول ان الحكومة الاسرائيلية تشعر بان الوقت موات للقيام بهكذا عملية عسكرية وذلك لسببين، الاول انشغال روسيا بالحرب الاوكرانية، الامر الذي يترك سوريا بدون دعم روسي. والثاني شعورها بان الاتفاقات التي وقعتها مع بعض الدول العربية، وخاصة مع دولتي الامارات والبحرين والتي قيل انها تكللت بالاتفاق على نصب منصات صواريخ اسرائيلية مقابل الشواطيء والاراضي الايرانية، ستحجم من قدرة ايران على دعم سوريا والمقاومة في لبنان وفلسطين. بكلمة اوضح فان اسرائيل تعتقد انها تستطيع ان تستفرد بسوريا والمقاومتين اللبنانية والفلسطينية بدون ان تخشى رد فعل روسي او الاهم ايراني. هذا الشعور قد يبدو خياليا للبعض، ولكن من يستمع الى تصريحات حكومة العدو الصهيوني يستطيع ان يتاكد من هذه الافكار المترسخة في ذهن القيادات الاسرائيلية، وخاصة تلك التي توكد فيها على انها قادرة على تدمير لبنان وغزة ومدن في سوريا بالكامل.
الامر الاخطر في هذا الجو الخانق هو تصعيد الاطراف المعادية للمقاومة لهجتها الاستفزازية، وخاصة اللبنانية، تارة مطالبة حزب الله بالرد على وصول منصة الغاز اليونانية، وتارة متحدية المقاومة متهمة اياها بالتصعيد الكلامي فقط. وفي الوقت التي كانت تلك الاطراف تنتقد حزب الله على تصعيده للموقف على اساس ان ذلك سيودي الى الحاق دمار كبير بلبنان، نجد الان نفس الاصوات تطالب وتستفز المقاومة لكي تنجر الى هكذا مواجهة. السيناريو الاخطر في هذا الامر هو احتمال مشاركة هذه الاطراف اللبنانية في طعن المقاومة من الخلف اذا ما اندلعت الحرب، وفتح جبهة قتال داخلية ضد حزب الله لاجباره على القتال على اكثر من جبهة على امل ان تنجح هذه العملية في نزع سلاح المقاومة، هذا الهدف الذي فشلوا فيه لحد الان.
من ناحية اخرى فان اسرائيل التي كانت قد شعرت (بعد حرب 2006 ومعركة سيف القدس 2021) بانها يجب ان تتفادى اي مواجهة عسكرية شاملة خشية من نتائجها الكارثية على الداخل الاسرائيلي، نجدها اليوم تصعد بطريقة غير مسبوقة وتتجاوز كل الخطوط الحمراء، مما يعني ان لديها ضمانات امريكية، وربما غربية ايضا، بحماية لاجوائها ومدنها من الصواريخ التي قد تطلق عليها. ولا يستبعد في هذا السياق ان تتدخل طائرات حلف الاطلسي المنتشرة في المنطقة في ضرب مواقع المقاومة.
وزيادة في التصعيد انضمت دولا عربية الى مخططات استفزاز ايران وحتى سوريا، في وقت كانت هذه الدول وحتى وقت قريب تحاول التقرب من ايران وسوريا لتخفيف التوتر في المنطقة، ولكن يبدو ان الضغوط والاغراءات الامريكية والاسرائيلية قد نجحت في ان تغير مواقفهم.
من ناحيتها فان المقاومة بدات تشعر انه لا جدوى من بقاء الحال على ما هو عليه، وان تزايد نسبة الفقر والمشاكل الاقتصادية والحصارات الخانقة المفروضة عليها وعلى بلدانها لم تعد محتملة، وانه لا يوجد في الافق ما يشير الى ان الولايات المتحدة واسرائيل ستسمحان بتحسين الوضع الاقتصادي، سواء بفك الحصار عن غزة والضفة الغربية، او رفع العقوبات عن لبنان، ولا حتى السماح له باستثمار ثرواته الطبيعية في البحر المتوسط اسوة باسرائيل، والدور الامريكي في هذا السياق اكبر من واضح.
ومن هذا المنطلق فان المقاومة تشعر بانه على الرغم من كمية التدمير الذي ستلحقه الضربات الجوية والصاروخية الاسرائيلية، فانها بالمقابل تستطيع هي ايضا ان تلحق اضرارا مماثلة ان لم تكن اكبر في داخل الاراضي والمدن المحتلة الكبرى وفي التجمعات التي احتلت منذ عام 1948. وفي الوقت الذي يوكد فيه قادة المقاومة انهم لن يخسروا اكثر مما يخسرونه يوميا بسبب العقوبات والحصار القاتل، فانهم على يقين بان مقاومتهم قادرة على جعل الطرف الاسرائيلي يعيش في جو مرعب ودمار مشابه، وان اسرائيل ستشهد ما لم تشهده من قبل.
كما تشعر المقاومة بانها اكثر من مستعدة لهكذا مواجهة. وخير دليل على ذلك تصريحات السيد يحيى السونار وبقية قادة المقاومة الفلسطينية بعد اقتحامات المستوطنين للمسجد الاقصى، والاهم الكلمة التي القاها السيد حسن نصر الله فبل ايام اثر الاعلان عن وصول منصة استخراج الغاز اليونانية الى المياه التي يشعر لبنان انها جزءا من مياهه الاقليمية. كلمة السيد حسن نصر الله بالاضافة الى انها اتسمت بالهدوء الواضح الا انها كانت اوضح في لفت الانتباه الى ان ادامة الازمة الاقتصادية الخانقة، وحرمان لبنان من الاستفادة من ثرواته الطبيعية، (بقرار امريكي ومشاركة اطراف اقليمية عربية)، لم يعد امرا مقبولا، وان الولايات المتحدة تعاقب كل لبنان واللبنانين بسبب وجود وقوة حزب الله، وانها تريد ان تنزع سلاح الحزب باي صورة من الصور، وفي هذه المرة اعتمادا على الاطراف اللبنانية الداخلية المناهضة للحزب. وحتى ان لم تنجح الولايات المتحدة في ذلك فانها قد تنجح في اثارة حرب اهلية جديدة في لبنان. وبهذا تامن اسرائيل من تصعيدات حزب الله ضدها. وفي هذا الجو الملتهب فليس من المستبعد ان يتم استهداف ايران بدعوى انها وصلت اعتاب انتاج سلاح نووي، في حين ان الهدف الحقيقي هو لايقاف دعمها لسوريا وللمقاومين الفلسطينية واللبنانية.
ويبقى السوال هو الى اي مدى ستكون روسيا مستعدة للتدخل لافشال هذه المخططات للحفاظ على سوريا وموقعها فيه؟ ونفس الشيء يمكن ان يقال على ايران. وما هي ستراتيحيات المقاومة لمواجهة هذه التحديات، وهل ستنجر الى مواجهة تخطط لها اسرائيل بدعم امريكي، ام ان المقاومة لديها من الخطط ماهو كفيل بافشال مخططات الطرف المقابل؟
هذه كلها سيناريوهات قد تحدث في اية لحظة، ومن الصعب تلافيها كلها، والشيء شبه المؤكد ان المنطقة تعيش الان ولاسابيع قادمة على كف عفريت وان الولايات المتحدة واسرائيل تصران على اشعال حرب في المنطقة يعتقدان انها ستحسن من وضعهما الاقليمي والدولي. من ناحيتها فان المقاومة تقول، واثبتت ذلك في المواجهات السابقة، انها اكثر من جاهزة لافشال اي عدوان، وان نتائج الحرب قد تكون مدمرة على لبنان وسوريا وغزة، ولكنها بالتاكيد وبالمقابل ستكون كارثية على اسرائيل وبصورة اكبر بكثير. حمى الله المقاومة والشعب العربي في كل مكان (وان ينصركم الله فلا غالب لكم).
*كاتب واكاديمي عراقي
1516 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع