هدى رؤوف
تراجع المواليد وزيادة الشيخوخة تحديان جديدان لإيران
تلقي المخاوف بشأن تضاؤل عدد السكان بظلالها على إيران التي تبنّت سياسات مختلفة لتنظيم الأسرة، فخلال حكم الشاه محمد رضا بهلوي، أدارت الدولة برنامجاً مدعوماً من الولايات المتحدة، لم يكُن له، في نهاية المطاف، تأثير كبير في السلوك الإنجابي للمواطنين، وخلال الثورة الإيرانية عام 1979، كان عدد السكان نحو 37 مليون نسمة وكان تنظيم الأسرة هو القاعدة.
وفي الثمانينيات، كان لدى النساء في المتوسط ستة أطفال، وهو رد فعل على دعوات المرشد الإيراني الخميني، خلال الحرب مع العراق لتكوين جيش قوامه 20 مليون جندي، فرُفضت سياسات تنظيم الأسرة باعتبارها غير متوافقة مع الإسلام، فضلاً عن التصور بضرورة وجود دولة قوية ذات كثافة سكانية، ويهيمن عليها الشيعة في الشرق الأوسط، لذا خلال الحرب الطويلة ضد العراق في الثمانينيات، شجّعت السلطات الإيرانية النساء على إنجاب الأطفال.
وبعد حرب الخليج الأولى التي استمرت نحو ثمانية أعوام، وفي مواجهة الاقتصاد المنهك والتحدي المتمثل في تزايد عدد الشباب بعد الحرب، غيّرت البلاد مسارها في ظل الرئيسين أكبر هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي. وتبنّت الدولة برامج تنظيم الأسرة، ليصبح معدل طفلين لكل أسرة هو المفضل.
وعام 1988، مهّدت المحكمة العليا الطريق لبرنامج حديث لتعزيز تنظيم الأسرة عندما أعلنت أن هذه الممارسة متوافقة تماماً مع الإسلام. وتوقع البرنامج الجديد وجود عائلات بمتوسط ثلاثة أطفال. وروّجت الحكومة لتوزيع وسائل منع الحمل الحديثة، وقدمت المشورة والتعليم والتوعية في جميع أنحاء إيران.
وعام 2005، خلال رئاسة محمود أحمدي نجاد، أُعلن أن إنجاب عدد كبير من الأطفال مرة أخرى نعمة، وتم تجاهل تنظيم الأسرة باعتباره استراتيجية غربية لإضعاف إيران. وبحلول عام 2010، انخفض متوسط عدد المواليد لكل امرأة من 5.1 إلى 1.7، وهو رقم ظل ثابتاً بشكل أساسي حتى اليوم.
ويُلاحظ أن عدد الولادات السنوية انخفض بشكل مطّرد في الأعوام الأخيرة، إذ سُجلت نحو 1.48 مليون ولادة بين مارس (آذار) 2016 ومارس 2017، و1.36 مليون في العام التالي، و1.2 مليون في العام الذي يليه، بتراجع بنحو مئة ألف ولادة كل سنة.
وانتقد المرشد الإيراني علي خامنئي انخفاض معدل المواليد، فهناك رغبة بأن ينمو عدد السكان من 85 مليون شخص إلى 150 مليوناً، وحدثت تحولات في سياسات الأسرة، فقُطع التمويل عن البرامج وخدمات منع الحمل، ثم أعلن خامنئي أن زيادة معدل المواليد هدف استراتيجي.
ومنذ ذلك الحين، اتخذت إيران عدداً من التدابير الصديقة للأسرة، بما في ذلك تمديد إجازة الأمومة لمدة تسعة أشهر، وأن يكون للمرأة الحامل الحرية في أخذ إجازة مرضية عند الضرورة بشهادة طبية بسيطة وتسهيل الحصول على القروض والوظائف للأسر التي لديها أطفال.
وفي الآونة الأخيرة، حذر خامنئي في رسالة إلى المركز القومي للسكان، من مخاطر انخفاض معدل المواليد، واعتبر أن زيادة المعدل ووجود عدد أصغر سناً من السكان ودعم الأسر من أهم واجبات المسؤولين الحكوميين، مؤكداً أن سياسات زيادة السكان حيوية بالنسبة إلى إيران على المدى الطويل. وأكد أهمية المساعي الثقافية والتوعوية لتشجيع النمو السكاني.
حديث خامنئي يسلط الضوء على مشكلة تراجع معدل المواليد في البلاد وتزايد شريحة كبار السن في الوقت ذاته، فوفقاً للمركز الإحصائي الإيراني، يبلغ معدل الخصوبة حالياً 1.71 طفل لكل امرأة في العام. وهناك تخوف من أن يتسبب تراجع معدل المواليد في مشكلات مختلفة للبلد، تحديداً تقلص القوة العاملة التي يجب أن تعتني بعدد أكبر من السكان الأكبر سناً، كما يمكن أن تؤدي العواقب إلى انخفاض دخل الفرد بما له من تأثير اقتصادي وخيم. ومن ثم فقد سنّ البرلمان الإيراني تشريعات لمساعدة العائلات، مثل علاج العقم وخدمات للنساء العاملات.
وترافقت الإجراءات مع جهود دعائية واسعة النطاق في وسائل الإعلام والمؤسسات الحكومية، بما في ذلك الجامعات. ومع ذلك، لم تكُن كافية لإقناع الشباب بتغيير رأيهم.
ويمكن القول إن التحديات كبيرة أمام زيادة معدلات المواليد، فلا يستطيع الشباب تحمل مصاريف عدد كبير من الأطفال، في ظل أوضاع اقتصادية متدهورة تشهدها البلاد وجرّت معها احتجاجات منذ 2017 وحتى اليوم.
ومع معاناة الإيرانيين من النزوح الجماعي إلى المدن المكتظة بالفعل واستمرار العقوبات الاقتصادية الأميركية والجفاف المستمر منذ 30 عاماً، لا يمكن تصور رغبتهم بجلب مزيد من الأطفال إلى العالم.
858 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع