طارق احمد السلطاني - بغداد
الدور في المجتمع الانساني الدولي اذا لم يكن الكاتب حليفاً للمظلومين فلن يكون إلا شريكاً للظالمين
يتفق الكثير من الباحثين والمفكرين على أن أهم تطور في حياة العالم خلال النصف الثاني من القرن العشرين هو أن العالم صار((صغيرا))... بفعل الطاقة والتقدم العلمي والتكنولوجي , وفي حقول كثيرة أخرى كالبريد والبرق واللاسلكي والصحف والإذاعة والتلفزيون وغيرها خاصة النقل والانتقال والانترنيت.ونضيف إلى كل ما يقوله الباحثين والمفكرين في هذه المسألة:أن كل زيادة في حجم العلاقات الإنسانية فيما بين الدول والشعوب على أسس المساواة والعدالة واحترام حرية وحقوق الإنسان يجعل العالم ((صغيرا)).
ويتغير وجه حياة الإنسان فوق الأرض نحو الأفضل.وهذا ما يسعى أليه الكثير من المفكرين الخيرين في العالم.
للبحث والنظر في الواقع وتلمس مشكلاته ,تحت سماء التأريخ. وان الإنسان هو قلب التأريخ.وان اهتمام الإنسان _الرجل والمرأة_ في الماضي بإنشاء الأسرة, يعني تكوين الخلية الأولى للمجتمع, أو بالأحرى أول صورة من صور التجمع الإنساني,أو بعبارة ثالثة هي أول واصغر مجتمع بشري.وان مجموع الأسر هو احد العناصر الثلاثة الرئيسية التي تتكون فيها الدولة التي هي: الإقليم والشعب والحكومة المتمتعة بالاستقلال في أمورها الخارجية عن سواها من الوحدات الدولية ,وهذا ما يعبر عنه أحيانا بعنصر السيادة.
لاشك أن أعظم ملوك بابل وأخلدهم في التأريخ هو((حمورابي)) الذي سن أول مجموعة قانونية عرفها تأريخ الحضارة وأقدمها فوق الأرض هي شرائع العراق , الأرض ما بين النهرين – قانون حمورابي- وواضع هذا القانون هو الملك العظيم((حمورابي)) الذي حكم الدولة البابلية منذ سنة 2123 إلى سنة 2080 قبل الميلاد.
وقد اكتشفت هذا القانون بعثة فرنسية في أواخر شهر كانون الأول(ديسمبر) سنة1901م وترجم هذا القانون من اللغة البابلية إلى الفرنسية العالم الفرنسي شيل. ثم ترجم الى عدد من لغات العالم كالألمانية والانكليزية.
أن اكتشاف هذا القانون يعد انتصارا عظيما ليس في عالم الحفريات وحقل التأريخ حسب, بل وفي عالم القانون أيضا.أن هذا الاكتشاف اخرج للوجود أعظم قانون عرفه التأريخ القديم وكان لاكتشافه تأثيرا كبيرا على النظريات القانونية التي كانت سائدة بين فقهاء المدرسة التأريخية خاصة.
بل انه كان دليلا قاطعا على بطلان التعميم الخاطئ الذي وضعه الفقيه الانكليزي((السير هنري مين)) حول المقارنة بين قوانين الشرق والغرب.وقد أدت البحوث الكثيرة في قانون حمورابي, وموازنته بالأصول القانونية السابقة لعهده إلى القول بأن مصادر شرعية حمورابي تتألف من جميع القوانين ألسمرية و الأكدية السابقة لعهده , مع نزعة للتوفيق بين النظامين ألسمري والاكدي , هذا مضافا إلى إصلاحات الملك العديدة , وتغيراته الواسعة المستمدة من أحكام القضاة وأقضيتهم . وتفسيراتهم لنصوص الأحكام القديمة.
وتعد شريعة حمورابي بالقياس إلى ما سبقها من الشرائع العراقية- بل والشرائع العالمية بصورة مطلقة - أنظم وأكمل شريعة في تأريخ الحضارات القديمة . وهو منقوش على مسلة حجرية كبيرة من الرخام الأسود, وتوجد المسلة بذاتها(إلى اليوم) في متحف اللوفر بباريس – فرنسا وكما توجد مسلة أخرى مقلدة لها في المتحف البريطاني بلندن .
* * *
لعبت التجمعات البشرية منذ البداية , دورا هاما في تطوير العلاقات الودية بين القبائل والجماعات المختلفة , وذلك بالعمل على نبذ التشاحن والحروب والدعوة إلى المفاوضات وعقد الصلح والاحتفال بإرساء قواعد السلم وليس أدل على تحقيق هذه النزعة عند العرب في الجاهلية , ومن اتخاذهم سوق عكاظ ميدانا للمصالحة وفض المنازعات التي تقوم بسبب المنافسات والمغالات في العزة والانفة , وعند التسابق على حماية ((اللطائم)) وهي القوافل التجارية بين العراق والحجاز انذاك. فيجتمع الناس من مختلف القبائل في عكاظ . يتحاورون ويتصالحون , أو يتواعدون على الالتقاء في مكان وزمان معين , او يتفقون على هدر دماء الطرفين , او تقع الحرب , ثم يتفاوضون ويعقدون الصلح ولعل اقرب الأمثلة إلى الذهن حول ما قامت به التجمعات القديمة من جهود العالم اتخذت من تدمير الحضارات وتخريب المدن الصناعية , لا تعرف غيرها من الصناعات ... أدت في الماضي إلى وقوع مآسي لا حصر لها , وفي بقاع متعددة من الأرض . أن إشعال نيران الحروب !!
تلك الحروب الطاحنة , الشائكة , المعقدة , المريرة , لم يحقق أية مكاسب , سوى أنها تؤدي إلى الموت والدمار والقهر, وإنهاء حضارة الإنسان .
وعلي المفكرين الخيرين في العالم ان يدركوا هذه الحقائق المريرة, والتي تعتبر جرائم ضد الانسانية, وتشكل مأساة عالمية. وكما يقول المفكر الفلسفي جان بول سارتر- مهما اختلف تفكيرنا عنه... ان السؤال الذي واجه المفكرين قديماً هو العلاقة بين الظاهرة والحقيق ة , ومدى الالتقاء او الصراع بينهما, هناك وجودان انا وهي حقيقة والاخرون, وهم حقيقة ايضاً. ولكن بين الوجودين لونا في الاختلاف.
((أنا)) أو ((الكائن من اجل ذاته)) وهو ديناميكي, مبدع, طبيعته التبدل والتغير, والتبديل والتغيير, انه يحمل بين اطوائه الحاضر الذي يزول, والمستقبل الذي يصبوا اليه, انه يحمل العدم والكينونة في الوقت نفسه, انه ليس ثابتاً ثبات الكينونة الدائمة انه ((لايكون)). اذا فالموجود من اجل ذاته ليست طبيعته ما هو عليه في الوقت الحاضر, بل ما يريد ان يكون عليه, سواء تحقق ذلك ام لم يتحقق, انه في الحقيقة ((مشروع)) لشيء لم يوجد بعد وقد لايوجد هذا ((المشروع)) نقطة هامة في رأي سارتر, فطبيعته وجود وعدم في الوقت نفسه, وليس من حق كائن ان يسلبه طبيعته, ان يسلبه هذا المشروع الذي ربما لا يتحقق, ان يجعل من مشروع الاخر مشروعاً له. وان هذه الطبيعة وهذا المشروع يعرف بظواهره, (بالمواقف) الذي يتخذها الفرد رضى عنها الاخرون ام سخطوا, ذلك انه خالق القيم لذاته, مبدع المصير لنفسه... ولكن وجود ((الاخر)) حقيقة في ذاته, اننا ذاتان , كل منهما تواجه الاخرى وهنا المشكلة, هذه المشكلة التي حلها سارتر بعالم ((ما بين الذوات)) او بالوسط الاجتماعي كما نسميه الان, فمادمنا ذاتين حرتين منفصلتين, فالعلاقة التي بيننا ليست علاقة التبعية ولا القهر والخضوع, ولكنها (( الالتزام)) وهو التزام تبادل, يقوم على قاعدة الحرية.
ان الكلمة في رأية ((فعل)) والكاتب الملتزم يعرف ان كل كلمة يقولها هدفها التعبير والكشف. وهدف الكاتب من كتابته ان يكشف العالم, والانسان على الاخص, للاخرين, ان يعريه, حتى يتحمل الاخرون مسؤوليتهم الكاملة تجاه هذا الموضوع الذي وضع عارياً امامهم, انه لا يستطيع ان يسكت, مستحيل ان يسكت , بل ان سكونه قول, بصورة سلبية, ان الكاتب دائماً هو في ((موقف)) في عصره... اذا فالاديب لا يكتب لذاته فلا وجود للفن الا من اجل الغير, وعن طريق الغير.
اهو بعيد في قوله هذا عن فلسفته عن الحريه, والالتزام, والمشروع والموقف. لا ان نظرته للادب تنبع منها. فالاديب حر. وملتزم في الوقت ذاته. وهو في حاجة ماسة الى الحرية حوله. يقول سارتر:- فن النثر متضامن مع النظام الوحيد الذي لا معنى للنثر بدونه, مع الديمقراطية. ماءِذا هددت الديمقراطية هدد هو ايضاً, واضطر القلم يوما ما الى التوقف, ووجب على الكاتب ان يحمل السلاح.
ليس الادب من اجل الادب, ولا الفن من اجل الفن, و الاديب مسؤول مسؤوليتة كاملة عما حوله : ((وهو اذا لم يكن حليفاً للمظلومين فلن يكون الا شريكا للظالمين)).
961 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع