د .يسر الغريسي حجازي
الاعتراف والولاء
ان الإنكار للوالدين هو بمثابة إنكار لطبيعة الكون. الحب الأبوي هو المبدأ الطبيعي للبقاء. الأبوة هي حاجة عاطفية لتعليم الأجيال القادمة حب بعضهم البعض، واحترام بعضهم البعض من أجل العيش معًا في مجد الشعوب. إن الاعتراف بالوالدين هو واجب الحكمة، من اجل وصول إلى شكر الله.
الامتنان هي كلمة التقدير، بالإضافة إلى الشعور العميق بالعاطفة تجاه أولئك الذين غرسوا فينا وصايا لإيجاد طريقة الحياة، وذلك من اجل ان يكون لدينا قيم وخيارات تتماشى مع ضمائرنا. كيف يجب أن نكون شاكرين لوالدينا ولماذا؟ ما هو هدف الأسرة ولماذا هي رابطة مقدسة؟ نحن نتحدث هنا عن ثلاث مجالات ضرورية لتربية الوالدين وللتعاليم التي بدأنا فيها: هناك المجال النفسي، والمجال العاطفي والمجال المعرفي. ثم هناك أيضًا العادة والوعي، لكل الاشياء التي نتعلمها أثناء الطفولة. كل شيء يتعلمه الاطفال، يساهم في تحديد الشخصية والإدراك البشري.
إن حقيقة تأسيس الأسرة لها رسائل عديدة منها: الدور في تكاثر المجتمع، ورأس المال البشري. بالإضافة إلى هذه الوظيفة البيولوجية، تضمن الأسرة نظام التنشئة الاجتماعية، وخلافة التراث في حماية المرافق الاجتماعية والتضامن للجميع. من اللحظة التي يتلقى فيها الطفل تعليمات من والديه، فهذا يعني أنه مستعد لتولي مسؤولية نفسه وإيجاد طريقة حياته وسعادته.
في الواقع، نحن نبدأ بتدريب العقل البشري، ليصبح مدركًا لكل ما يحدث من حوله والسماح له بالتكيف البيئي والاجتماعي. فالأسرة ليست فقط مسكن للأطفال، بل هي بيت القيم والمبادئ، ووسيلة لبناء التراث الإنساني والاجتماعي. هناك الطابع الاجتماعي للإنسان، وأيضًا الحاجة النفسية للتعرف على الاخرين. ويعني الاعتراف في اللغة اليونانية، العملية المعرفية التي من خلالها يتعرف المرء على كائن أو أي شخص كان.
وفقًا لأرسطو: "الرجل غير القادر على أن يكون عضوًا في المجتمع، أو الذي لا يشعر بالحاجة إلى القيام بذلك لأنه مكتفٍ ذاتيًا، ليس بأي حال من الأحوال جزءًا من المواطنة. وبالتالي فهو إما غاشمة
أو إله". (العلوم الإنسانية، 2002-10). لذلك، فقد اعترف الفلاسفة منذ فترة طويلة بالطابع الاجتماعي للبشر. لكن الثورة التي قادها جان جاك روسو، هي اعتبار أن الإنسان يحتاج حقًا إلى وجود الآخرين. الآخرون ليسوا فقط بيئة طبيعية للفرد، لكنهم ضروريون له للوصول إلى حالة الإنسان. "الهمجي يعيش داخل نفسه، الرجل الاجتماعي دائمًا في حالة ثوران، و يعرف كيف يعيش حسب رأي الآخرين ، وإذا جاز التعبير، فمن خلال حكمهم وحده يستمد الشعور بوجوده".
العيش مع العائلة امتياز، لأن الأسرة تمثل الكوخ الذي نشعر فيه كطفل بالأمان العاطفي والانتماء.
ذلك يضمن الرعاية الأسرية والمشاركة في كل سبل الحياة. والحياة تطيح لنا جميعًا، الفرص لتجربة لحظات خاصة مع الاسرة. كما يشعر الانسان ببساطة أنه ليس لوحده، بل انه محاط بالطمأنينة والهدوء، وانه شريك منسجم ومتناغم مع الحياة. ببساطة يساعد هذا الشعور على تقوية العلاقات بين البشر وذلك يبدا بالقواعد العائلية.
هناك بالتأكيد أوقات صعبة، وألم، واستياء تجاه الآباء غالب الأوقات بسبب اتخاذ القرارات لأبنائهم لأنهم يعتقدون أنهم يفعلون الشيء الصحيح لهم. وهم متأكدون انهم يعرفون دائمًا ما يناسبهم بشكل أفضل. يجب ألا ننسى أن هناك العديد من اللحظات السحرية التي تضيء حياتنا، والذكريات التي تجعلنا سعداء لأنها ترمز إلى حب الوالدين لنا، وفخرهم بالأبناء، ولكن أيضًا الخوف عليهم من إمكانية إيذائهم من الخارج. تجسد قيم الأسرة الاحترام والحب المتبادل والحق في الحرية والسعادة والعدالة والتسامح والمسؤولية والولاء. وفي داخل الأسرة، يتعلم الأطفال التواصل، والاستقلالية، وتحمل المسؤولية،
والمساهمة لاحقًا في التراث الإنساني. وتتغير البيئة الاجتماعية بطريقة دورية، وتتطور اما المراجع الأخلاقية، فهي تترسخ وتصبح التزام. لكن مع ذلك، تتعزز الالفة والمحبة بين البشر لتأكيد أن الحياة لا يمكن أن تجعل البشر سعداء دون الشعور بالعدالة والاحترام والحب. كما يحتاج الآباء إلى إنجاب الأطفال، للمساهمة في تطوير المجتمع، وبناء المواطنة، والنمو الاجتماعي. لا يمكننا الحديث عن التنمية البشرية، دون الربط بين أساس المجتمع والتاريخ الذي سيسرد القيم التي شكلت الانسجام بين الشعوب. بدون عائلة، لن يكون هناك مواهب، ولا واجبات، ولا قيم، ولا تضامن حتى.
من الضروري معرفة أن الأسرة جزء من الفضائل الإلهية للكون، لأنها يمكن أن توفر بهجة الحياة والتنظيم الاجتماعي والوحدة الكوكبية. الولاء للوالدين علامة اخلاص، وشرف، وموروث اجتماعي يمنح الأجيال القادمة تثمين الأطفال والأسر وتقدير المعرفة والخبرة الواسعة والمتنوعة. وهكذا، يشكل الآباء هوية أبنائهم التي تعكس صورة والديهم وقيمهم. ان عملية الامتنان الوالدين، تمنع الأبناء الأمان العاطفي والاجتماعي وثقافة التعاون.
في قواعد الأبوة والأمومة، ينقل الآباء والامهات إلى أبنائهم حب الذات، واحترام الآخرين، وكذلك التكامل الاسري والاجتماعي.
1172 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع