الحرب الأوكرانية وفضائح الغرب الأخلاقية

                                                    

                           د. فاضل البدراني


الحرب الأوكرانية وفضائح الغرب الأخلاقية

العمى ‬السياسي ‬والاجتماعي ‬من ‬أخطر ‬الأمراض ‬النفسية ‬التي ‬إذا ‬ما ‬أصابت ‬طرفا ‬ما ‬فإنها ‬تفترس ‬عقله ‬وثقافته ‬وتجعله ‬يفكر ‬بطريقة ‬متطرفة ‬ومنحازة، ‬وبعيدة ‬كل ‬البعد ‬عن ‬الحيادية ‬أو ‬المنطقية ‬والوسطية، ‬وقد ‬يصادفنا ‬شخص ‬أو ‬مجموعة ‬أشخاص ‬مصابين ‬بالعمى ‬الفكري ‬والانحراف ‬النفسي، ‬أو ‬فقدان ‬البصيرة ‬والوعي، ‬والإنصاف ‬في ‬التعامل ‬مع ‬الآخرين، ‬لكن ‬ما ‬يجعل ‬الحالة ‬في ‬المستوى ‬الخطر ‬هي ‬عندما ‬تصاب ‬منظومة ‬اجتماعية ‬وسياسية ‬على ‬مستوى ‬قارة ‬أو ‬أكثر ‬ليكون ‬منهج ‬حياة.‬

كلنا ‬يتابع ‬الحرب ‬الروسية ‬الأوكرانية ‬التي ‬ضربت ‬عمق ‬المجتمع ‬الغربي، ‬وجعلته ‬في ‬مهب ‬العاصفة ‬والتدهور ‬على ‬صعيد ‬الجوانب ‬الأمنية ‬والاجتماعية ‬والثقافية ‬والاقتصادية، ‬وأظهرت ‬هذه ‬الحرب ‬عيوبا، ‬لتلك ‬الشخصيات ‬السياسية ‬والزعامات ‬الغربية ‬من ‬بينها ‬الانحياز ‬والعمى ‬السياسي، ‬لتعطي ‬المتلقي ‬صورة ‬دقيقة ‬على ‬أن ‬تلك ‬الصفة ‬تمثل ‬المجتمع ‬السياسي ‬الغربي ‬خاصة.‬
فكنا ‬نقول ‬إن ‬الغربيين ‬يتعالون ‬ويتطاولون ‬على ‬الشرقيين، ‬على ‬مستوى ‬الشكل ‬واللغة ‬واللون ‬والجنسية، ‬وعلى ‬الرغم ‬من ‬أن ‬الغرب ‬أكثر ‬ما ‬يشغل ‬به ‬المؤسسات ‬الفكرية ‬والأكاديميات ‬ومراكز ‬الأبحاث ‬عالميا ‬تبنيه ‬شعارات ‬تنمية ‬الإنسان ‬وتجاوز ‬أزمة ‬التطرف ‬والتحيز ‬والكراهية، ‬ومحاولة ‬وضع ‬الإنسان ‬ضمن ‬قالب ‬التفكير ‬المتوازن ‬غير ‬المنحاز ‬بغية ‬تحقيق ‬العدالة، ‬ويقابل ‬ذلك ‬أن ‬أكاديميات ‬ومراكز ‬أبحاث ‬ومؤسسات ‬تنمية ‬الفكر ‬في ‬الشرق ‬تتهم ‬الغرب ‬على ‬أنه ‬يمارس ‬بخلاف ‬ما ‬يدعيه ‬في ‬شعاراته ‬الجميلة ‬البراقة، ‬تلك ‬هي ‬شعارات ‬يخفي ‬خلفها ‬سموما ‬قاتلة. ‬
ودائما ‬الأحداث ‬عندما ‬تعصف ‬بطرف ‬فإنها ‬تضعه ‬في ‬الخانة ‬التي ‬يكون ‬فيها ‬حقيقة، ‬فالحرب ‬بين ‬روسيا ‬وأوكرانيا ‬أفرزت ‬للجميع، ‬ولبلدان ‬الشرق ‬على ‬وجه ‬التحديد، ‬كيف ‬يفكر ‬الغرب ‬بانحيازية ‬وسوداوية ‬فكر ‬ظلامي ‬إزاءهم، ‬ومثال ‬ذلك ‬ما ‬قاله ‬الرئيس ‬الأوكراني ‬فلاديمير ‬زيلينسكي ‬مخاطبا ‬الروس ‬«‬لا ‬تتعاملوا ‬معنا ‬كدولة ‬من ‬دول ‬العالم ‬الثالث»‬ ‬وهو ‬بالطبع ‬يقصد ‬ضحايا ‬الغرب ‬في ‬بلدان ‬الشرق ‬وشمال ‬إفريقيا ‬التي ‬افتتنوها ‬بحروب ‬مدمرة ‬عبر ‬عقود ‬من ‬الزمن، ‬ومثل ‬هذا ‬التصريح ‬الذي ‬يندرج ‬ضمن ‬ما ‬نسميه ‬بزلات ‬اللسان، ‬إنما ‬جاء ‬نتيجة ‬حدث ‬عنيف ‬أظهر ‬الحقيقة ‬على ‬السطح، ‬وبالعادة ‬الفعل ‬العنيف ‬يخلق ‬عصفا ‬ذهنيا ‬يفرز ‬حقيقة ‬اتجاه ‬بوصلة ‬تفكير ‬من ‬يتحدث ‬حيال ‬الآخر، ‬ومن ‬ذلك ‬أيضا ‬ما ‬تحدث ‬به ‬أيضا ‬مراسل ‬لشبكة (‬سي ‬بي ‬اس) ‬الأمريكية، ‬وهو ‬من ‬أصحاب ‬البشرة ‬الشقراء ‬والعيون ‬الزرقاء ‬عندما ‬كان ‬يغطي ‬أحداث ‬تلك ‬الحرب ‬الواقعة ‬في ‬شرق ‬أوروبا ‬«‬إن ‬أوكرانيا ‬متحضرة ‬نسبيا ‬وأوروبية ‬نسبيا، ‬مقارنة ‬بدول ‬مثل ‬العراق ‬وأفغانستان»‬، ‬وقد ‬أثارت ‬تصريحاته ‬سخطًا ‬واستياء ‬لدى ‬جمهور ‬مواقع ‬التواصل ‬الاجتماعي ‬ولا ‬سيما ‬في ‬بلدان ‬الشرق ‬باعتبارها ‬عنصرية ‬ومخزية.‬
إن ‬حالة ‬التحيز ‬هذه ‬تكررت ‬كثيرا ‬في ‬بداية ‬تلك ‬الحرب ‬التي ‬غابت ‬عن ‬أراضي ‬أوروبا ‬زمنا ‬طويلا ‬بعد ‬أن ‬نجح ‬قادة ‬تلك ‬البلدان، ‬ وعلى ‬مدى ‬عقود ‬من ‬الزمن ‬في ‬نقل ‬الحروب ‬إلى ‬ساحة ‬شمال ‬إفريقيا ‬والشرق ‬الأوسط، ‬أو ‬دول ‬الجنوب، ‬إذ ‬ظهرت ‬سلوكيات ‬مخجلة ‬بحق ‬الإنسانية ‬تلك ‬التي ‬رصدتها ‬إذاعة ‬الـbbc ‬في ‬أحد ‬تقاريرها ‬الشهيرة ‬مع ‬بداية ‬نزوح ‬الشعب ‬الأوكراني ‬من ‬بلاده ‬إلى ‬بلدان ‬مجاورة ‬مثل ‬بولندا ‬ورومانيا ‬والمجر، ‬وقد ‬رصدت ‬هذه ‬الإذاعة ‬العريقة ‬مشاهد ‬بلسان ‬مواطنين ‬يتحدثون ‬اللغة ‬العربية ‬من ‬سوء ‬تعامل ‬الجيش ‬الأوكراني ‬مع ‬أصحاب ‬السحنة ‬السمراء، ‬والحنطية ‬من ‬العرب ‬والشرقيين ‬بعنصرية ‬في ‬عملية ‬الإجلاء ‬بالمطارات، ‬بحيث ‬فضلوا ‬أصحاب ‬البشرة ‬الشقراء ‬والعيون ‬الزرقاء ‬في ‬ركوب ‬القطارات ‬والسيارات ‬أو ‬الدخول ‬إلى ‬المخيمات ‬المقامة ‬على ‬الطرقات، ‬أساليب ‬مخجلة ‬تكشف ‬زيف ‬شعارات ‬الجهات ‬الغربية ‬المنادية ‬بحقوق ‬الإنسان ‬بعيدا ‬عن ‬اللون ‬والعرق ‬والديانة، ‬بل ‬أظهرت ‬هذه ‬الممارسات ‬عورة ‬النظام ‬الغربي ‬الذي ‬يخفي ‬حقيقته ‬للملأ ‬وينجح ‬في ‬التزويق ‬المزيف ‬للآخرين، ‬ولتعزيز ‬ما ‬نتحدث ‬به، ‬تلك ‬التصريحات ‬التي ‬تحدث ‬بها ‬مسؤولون ‬غربيون ‬مخاطبين ‬الرئيس ‬الروسي ‬بوتين ‬«‬يجب ‬أن ‬تفهم ‬أنك ‬تحارب ‬أصحاب ‬العيون ‬الزرقاء ‬والبشرة ‬الشقراء»‬ ‬إن ‬الغرب ‬تسكنه ‬الغطرسة ‬والتعالي، ‬ولكننا ‬قد ‬نصادف ‬من ‬يبرر ‬لهم ‬بأن ‬هذه ‬التصريحات ‬تمثل ‬زلات ‬لسان ‬عابرة ‬لشخصيات ‬لا ‬تمثل ‬سياقا ‬عاما ‬للغرب، ‬لكن ‬أن ‬يأتينا ‬تصريح ‬للأمير ‬ويليام ‬وهو ‬ابن ‬عمق ‬الغرب، ‬ومن ‬سلالة ‬أسرة ‬ملكية ‬عريقة ‬تحكم ‬أقدم ‬بلد ‬في ‬الغرب ‬رفع ‬شعار ‬حقوق ‬الإنسان ‬وهو ‬يقول ‬«‬من ‬الطبيعي ‬رؤية ‬الحرب ‬وسفك ‬الدماء ‬في ‬آسيا ‬وإفريقيا، ‬لكن ‬ليس ‬في ‬أوروبا»‬، ‬فهذا ‬الشاهد ‬الذي ‬لم ‬يبق ‬لنا ‬أي ‬مبرر ‬بأن ‬الغرب ‬ليس ‬سوى ‬منظومة ‬لصناعة ‬الكراهية ‬والتعالي ‬وغمط ‬حقوق ‬الإنسان. ‬وإذا ‬اتفقنا ‬مع ‬رأي ‬الأمير ‬ويليام، ‬فمن ‬حقنا ‬نطرح ‬عليه ‬سؤالا: ‬إذا ‬كان ‬الآسيويون ‬والأفارقة ‬بما ‬تصف، ‬أليس ‬من ‬الواجب ‬على ‬المتحضرين ‬أن ‬يساعدوا ‬في ‬وأد ‬تلك ‬الحروب؟ ‬وفي ‬إطار ‬لغة ‬ما ‬يتحدث ‬بها ‬الغربيون، ‬نخاطبهم ‬هل ‬حرب ‬روسيا ‬وأوكرانيا ‬هي ‬انعكاس ‬لجهل ‬الغرب؟
مشكلة ‬الغرب ‬أنهم ‬يجيدون ‬صناعة ‬الكذب، ‬ويؤمنون ‬به ‬ويعتبرون ‬في ‬وقته ‬منطق ‬لديمومة ‬الحياة، ‬وهو ‬منهج ‬عمل ‬لهم ‬في ‬السياسة ‬والتعامل ‬ولا ‬سيما ‬مع ‬الشرقيين، ‬لكنهم ‬بعد ‬حين ‬من ‬الوقت ‬يعترفون ‬أنهم ‬أخطأوا، ‬ومثلا ‬رئيس ‬وزراء ‬بريطانيا ‬الأسبق ‬توني ‬بلير ‬يقول ‬في ‬مذكراته: ‬«‬ربما ‬كنت ‬مخطئا ‬بقرار ‬غزو ‬العراق ‬وتدميره ‬عام ‬2003 ‬واتبعت ‬غريزتي»‬ ‬حقا ‬الغرب ‬مصاب ‬بالعمى، ‬وأرى ‬أن ‬حرب ‬روسيا ‬وأوكرانيا ‬هي ‬بداية ‬الانهيارات ‬التي ‬ستواجه ‬مؤسساتهم ‬ودولهم، ‬وقد ‬تكون ‬درسا ‬لإفاقتهم ‬من ‬ذلك ‬العمى ‬الإنساني ‬والفوقية، ‬ولكني ‬أتفق ‬معهم ‬بجزئية ‬واحدة ‬هي ‬أن ‬بعض ‬القادة ‬الشرقيين ‬أخطأوا ‬عندما ‬سمحوا ‬بأن ‬يكونوا ‬جنود ‬شطرنج ‬بأيدي ‬الغربيين، ‬وسمحوا ‬باقتتال ‬شعوبهم ‬من ‬أجل ‬أهداف ‬ضحلة.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

981 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع