د. يسر الغريسي حجازي
الدماغ والخوف
ما هو مصدر الخوف عند الانسان؟ من منا لم يشعر بالخوف على الأقل مرة في الاسبوع؟ ما الذي يثير الخوف وكيف يمكننا التغلب عليه؟ يمكن أن يصبح الخوف المفرط مرضيًا، بسبب ان نوبات الهلع غير المبررة يمكن أن تسبب صدمة خطيرة للإنسان. يمكن أن يسيطر علينا الذعر الشديد في المصعد، أو على متن الطائرة، أو بمفردنا في المنزل، أو حتى أثناء السير في الشارع. وذلك يسبب اضطرابات هائلة في الهرمونات الرئيسية في الجسم منها التعرق، صعوبة في التنفس والرجفان. ويهدف هرمون الكورتيزول في تنظيم ضغط الدم، ووظائف القلب والأوعية الدموية والمناعة، وتزويد الدماغ بالطاقة الكافية لإعداد جسم الانسان للتعامل مع الإجهاد. ومع الخوف يرتفع ضغط الدم ومعدل ضربات القلب، والأدرينالين لدينا. كما يمكن للخوف الشديد أن يتسبب في تشنج الانسان، و في الرهاب المرضي وعدم التوازن. وفقًا لنظرية فرويد، يعيّن العقل الباطني عمليات نفسية محددة تختلف عن العمليات الادراكية. ويقول فرويد ان هناك كيانان متميزان: أحدهما واعي يتمتع بذاكرة غير دقيقة، والآخر باطني يتمتع بذاكرة تسجل حقائق وأحداث وجود الانسان. بالنسبة لعالم الأحياء العصبية أنطونيو داماسيو، يتضمن دماغ الانسان جزءًا إدراكيًا عقلانيًا يتجه نحو العالم الخارجي، وجزئا عاطفيًا آخر غير واعٍ متصل بالجسم. وفي القرن التاسع عشر، سلط العالم الشهير داماسيو الضوء على عمل الدماغين. واثبت ان اللوزة الموجودة في الجزء الأمامي من الفص الصدغي، تلعب دورًا في فك شفرة المشاعر، خاصة في لحظة الخوف. كما ترتبط اللوزة بالحصين حيث يتم تخزين الذكريات. يمكن أن ينشأ الخوف من ذكرى واحدة، أو حدث صادم مر به الانسان بالفعل.
على سبيل المثال، الأشخاص الذين خاضوا الحروب من قبل قد يكون لديهم دقات قلب في كل مرة يسمعون فيها كلمة "حرب"، ويتم إرسال رسالة ذعر إلى القلب. لذلك فإن الأحداث المؤلمة لها تأثير صادم، بسبب انها تبقي مخزنة في الدماغ البشري. بالنسبة لداماسيو (1994)، في كتابه "خطأ ديكارت، والعاطفة، والعقل، والدماغ البشري"، يتم تضمين العواطف في عملية صنع القرار، ويعرفها على أنها مساهمة في التجربة الإنسانية في بناء الذات. وذلك يعني ان العواطف جزءًا من البيئة التي تحيط بنا، وتعبر عن السبب الذي يسمح لنا بالتكيف مع المحيط. يوضح داماسيو أن في البيولوجيا العصبية للعقل وخاصة في الأنظمة العصبية، العواطف هي اللاعب المركزي في الإدراك الاجتماعي واتخاذ القرار. يعبر كتاب داماسيو (2003)، "الفرح والحزن والدماغ" عن تكامل الفلسفة مع البيولوجيا العصبية. ويقترح استخلاص الخطوط الرئيسية منه، لتعزيز الأخلاق البشرية ومسألة القيم في ترتيب الوجود والعمل الصالح. سوف يساعد ذلك لوضع المثل العليا التي يجب متابعتها، للحصول على استقلالية الإنسان وصحة جسدية وعقلية سليمة، وحياة عادلة ورغيدة. هذه المبادئ مهمة لتقرير المصير، والاحترام المتبادل وثقافة التهذيب. والأهم ان نغرس في عقل الطفل خلال فترة نموه، قواعد اخلاقية سليمة تساهم في تطوير عقله، لان عكس ذلك يضر حتما بالوظائف المعرفية إذا كانت تفتقر إلى احترام الإنسان. في الواقع، الخوف متأصل في البشر ويجب عليه ان يتعايش معه وان يواجه أي موقف غير مألوف له. ومع ذلك، فإن الأديان مفيدة وتشجع البشر على التغلب على مخاوفهم من خلال الطقوس المفيدة، مثل الانخراط في الأنشطة الخيرية أو الصلاة وممارسة الرياضة. كل هذه الطقوس هي في الواقع وسيلة "للانخراط في احترام الكون وقوته وتقديره الأبدي. في تاريخ علم السلوك، وصف أرسطو (384-322) عادات الحيوانات بجميع الأنواع وانسجامها مع البيئة المحيطة بها. بينما اقترح عالم الطبيعة والأحياء الفرنسي جان بابتيست دي لامارك نظرية "التحول" تتم من خلال قدرة الحيوان على جعل وظائفه تتماشى مع تأثير بيئته. وفقًا لعالم الحفريات البريطاني تشارلز داروين، يجب أن يتغير تطور أنواع الحيوانات والنباتات من أجل البقاء. كان عليهم التكيف مع الاختلافات في بيئتهم.
ومع ذلك، فإن الخوف جزء من حياة الانسان لأنه يعيش في المجهول. كما ان تعقيد الحياة بالعادات والتقاليد الشديدة، يساهم في زرع الخوف والطاقات السلبية والفوبيا في حياة الانسان. كلما زاد عدد المحظورات، كلما زادت صعوبة السيطرة على الخوف.
قال سيغمون فرويد، إن الخوف هو غريزة حيوانية عند الانسان في مواجهة الخطر. بالنسبة للعديد من المحللين النفسيين، ترتبط أصول الخوف بعملية قوة التعلق والانفصال، وبالتالي: ان اول رابط يفسر مخاوفنا من خلال الصدمات أو قلة المودة أثناء الطفولة. وهناك إمكانية قوية أن الطفل الذي يتعرض لصدمة في الطفولة، قد يصاب بالكبت والقلق في وقت لاحق عندما يصبح بالغًا.
من الضروري التحكم في العواطف، وتعلم كيفية إدارتها لاكتساب الثقة بالنفس وإيجاد التوازن. هناك طرق أخرى لاكتساب آليات الدفاع، وذلك من خلال المواجهة والقبول بالحقيقة. من الضروري أن يسمح للطفل في مرحلة الطفولة، بتجربة الخوف والأدرينالين في المغامرات مع الأطفال الاخرين لتعلم اكتشاف وتقدير وحب المجهول الذي تخبئه لنا الحياة. الأشخاص الأقوياء هم أولئك الذين يواجهون الحقائق بدون كذب حتى لو كان فيه إمكانية الم.
1072 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع