د. مؤيد عبد الستار
تسارعت الضربات التي قادتها حركة تمرد في مصر لتسحق الاخوان المسلمين الذين تسلموا الحكم اثر سقوط مبارك و بعد ان حكموا نحو عام واحد قادوا البلاد فيها الى ازمات عديدة .
لم يكن سقوط حكم الاخوان صدفة ، فقد دخلت البلاد تحت حكمهم دهاليز الظلام ، وصدرت القوانين التي تكبل حرية المواطنين ، وتخلفت الخدمات وحرم المواطن من حقوق كان قد اكتسبها تحت سلطة الانظمة السابقة رغم ما فيها من استبداد وفردية ودكتاتورية .
ان حكومة مرسي صمّت آذانها عن سماع اي احتجاج ، وحاولت التفرد بالحكم واقصاء القوى السياسية الاخرى ، والادعاء انها تحكم باسم الدين وانها تستمد سلطتها من الله والاسلام ، وبذلك سدت الطريق امام النقد والاصلاح واختزلت الحريات التي لابد منها في المجتمعات الحديثة والتي لا يمكن لاية دولة او مجتمع التعايش مع العالم دون توفر الحد الادنى منها ، اضافة الى استيلائها على المواقع والمناصب وتوزيعها على غير الاكفاء من اتباعها على اساس انها غنيمة بغض النظر عن مصلحة الشعب والبلاد.
ان التغيير الذي طالبت به الجماهير وختمه الجيش بازاحة الرئيس مرسي وحكومته كان لامفر منه في ظل الاقبال الجماهيري الكبير على الاحتجاج والاقامة في الشوارع والاحاطة بمقرات الحكومة الحساسة ، رغم عدم رغبة العديد من المراكز الدولية التي تدين لها مصر بالمساعدات والهبات في تعريض مصر الى هزات غير محسوبة قد تؤدي بالامن القومي والسلم الاجتماعي الى التشظي والانهيار وفي هذا السياق علينا ان لاننسى المساعدات التي تتلقاها مصر من الولايات المتحدة الامريكية والتي تعد هراوة مسلطة فوق رأسها تستطيع امريكا قطعها وقتما تشاء وتعريض الوضع السياسي والاقتصادي الى ازمة كبيرة في حال عدم قناعتها بالتغيير وضمان مصالح الدول الكبرى المختلفة اضافة الى امن اسرائيل .
وفي ظل الصراع الاقليمي في المنطقة وتنازع الدور الريادي العربي بين قطر والسعودية، تبرز قطر في سعيها الحثيث لاحتواء الاخوان المسلمين واستغلال ضعف الاقتصاد المصري للهيمنة على مفاصل الاقتصاد والاستثمار واستلام زمام المبادرة في توجيه دفة الصراع العربي الاسرائيلي الآفل من خلال وضع مصر تحت عباءتها المزينة بمليارات الدولارات النفطية والغازية .
وفي محاولة لسرقة الاضواء من السعودية التي استشعرت خطر ضياع مصر وانسلالها من تحت عباءتها ، سارعت السعودية الى وضع خطة استعادة مصر مبارك ، وكسب ود القوى الساخطة على الاخوان ، فقدمت الدعم المباشر وغير المباشر للجيش والداخلية لتشجيعهم على التخلي عن مرسي وتسليم ملف الحكومة الى قوى قديمة / جديدة على امل اعادة الحصان المصري الجامح الذي انطلق في 25 يناير الى ساحة التفاهم العربي المعتدل البعيد بعض الشيء عن طروحات الاخوان التي بدأت تفوح منها رائحة التطرف الديني بشدة .
بين هذا وذاك يبقى المسار المتعرج للمخاض المصري يتسم بصعوبة الحركة بين شعاب الفقر والتكاثر السكاني وتهديد حرب المياه في افريقيا والاقتصاد المتعثر الذي ينهش المواطن المصري الذي لا يجد
غير الاحتجاج وسيلة يحاول من خلالها تحقيق مطامحه في حياة كريمة تضمن الحد الادنى من العيش الكريم ويبقى السؤال : هل يضمن الاحتجاج السلمي تحقيق آمال الشعب المصري !؟
لا مجال لخداع النفس فالمؤشرات تدل بقوة على اندلاع لهيب العنف والعنف المضاد ، فالقوى المتصارعة في الساحة السياسية المصرية بحاجة الى نضوج من نوع اخر كي تستطيع ممارسة الحوار الديمقراطي واجراء التغيير من خلال صناديق الاقتراع ، وسيبقى الجهل والتعصب والدماء مفردات متسلطة على المشهد لسنوات قادمة اخرى مثلما جرى في العراق، ولن تتمكن معظم دول ومجتمعات العالم العربي والاسلامي من تجاوز محنتها في التخلف دون مساعدة جادة ونزيهة من الغرب والمجتمعات المتقدمة ، فهل ستبخل بها مجتمعات و دول العالم المتقدم !؟
884 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع