يونس شلاكة وزيراً للعدل

                                             

                        بقلم : عصام اكرم الفيلي


الرجال مواقف ، وحين تُذكر الرجولة فلا مناص من المرور على بعض الشخصيات التي تركت بصمة ما في موقف ما ، ولكن ماذا سيكون الحال لو كان لرجل ما موقفين مع اعتى سلطة في اصعب زمن ؟ بعض الرجال دخلت اسماؤهم التاريخ ، وبعضهم طواه النسيان ،

وامام رجال من الصنف الثاني المغيب لابد من وقفة نُزيل خلالها المتراكم من غبار السنين ، لنكشف عن جوهرة ثمينة من بلادنا ، جوهرة لم يسبق لي ان التقيتها وبصراحة لم اسمع بأسمها حتى ، ولكن عدم معرفتي تلك تعني بالتأكيد قصوراً مني وقصوراً من الصحافة الحرة التي من واجبها تسليط الضوء على الشخصيات التي لم ترضخ يوماً لعبودية السلطان مهما كان جائراً بل مرعباً ، ولكن ان يأتي الخبر متأخراً خير من الا يأتي .

الفلاش باك سوف يأخذنا الى مدينة الناصرية ويعود بنا ربع قرن الى الوراء ، احد ابناء المدينة يتفق مع مومس لقضاء بعض الوقت فيأخذها بسيارته الى طريق الناصرية – بغداد وتتوقف السيارة خلف احدى الكثبان ، يسمعون من بعيد صوت اطلاق نار فيهربون من المكان ، في طريق هروبهم يكتشفون ان السيطرة العسكرية في اطراف المدينة هي التي تعرضت الى اطلاق النار وان عدداً من افرادها قتلوا ، يشكرهم ضابط الشرطة الذين هرعوا اليه ليبلغوه بالحادث ، يصل خبر الهجوم على السيطرة الى وطبان ابراهيم الحسن كونه وزير الداخلية حينئذ ، ومنه الى صدام حسين فيأمر بالقبض على الفاعلين واعدامهم في موقع السيطرة خلال اربعة وعشرين ساعة !! لا يجد مدير الشرطة مخرجاً من هذه الورطة التي اوقع نفسه فيها سوى كتابة اعترافات لا يجد حرجاً في انتزاعها بالقوة ممن ابلغ عن الحادث ، يُعرَض المُبَلغان ( المتهمان ) على القاضي ويخبراه بالحقيقة فيطلق سراحهما ، مدير الشرطة يهرع الى المحافظ ( نوري فيصل شاهر ) فيرسل حماياته لــ ( سحل ) القاضي واحضاره مقيداً فوراً ، يقف القاضي امام المحافظ وعضو القيادة رافضاً التلاعب بالقانون والانصياع لرغبات اصحاب السلطة ، رغم ما يعنيه هذا من ويل وثبور وعظائم من الامور تحيق بمن يقف هذه الوقفة الرجولية ، ولم يشفع له الا كونه ابن شيخ عام وزعيم قبلي معروف فيعود الى عمله وسط امتعاض الجلاوزة الشديد .

فلاش باك مرة اخرى ، مدينة الناصرية سنة 1992 ، الجزار علي كيمياوي يزور المدينة فيتعرض لمحاولة اغتيال ، في لمح البصر تقوم حماياته بتطويق المنطقة والقاء القبض على كل الموجودين ، يحالون الى القاضي مع أمر واضح وصريح بتصديق الاعترافات التي ( سوف ) تنتزع والحكم باعدامهم !! ، وهنا تظهر المعادن الحقيقية للرجال الذين لا تأخذهم في الحق لومة لائم ، لعدم كفاية الادلة يأمر القاضي باطلاق سراحهم جميعاً ويقدم استقالته .


انه القاضي يونس ابن الشيخ المرحوم شلاكة مزعل الحميدة الركابي شيخ عام قبيلة بني ركاب التغلبية العريقة ، اكمل دراسة القانون عام 1972 فعمل محققاً عدلياً وتدرج في الوظائف القضائية الى ان استقال سنة 1992 في الحادثة التي ذكرناها قبل قليل ، وعمل بعدها بالمحاماة الى سنة 2004 ليعود الى الوظيفة كقاضي ، وآخر ما استطعت الحصول عليه من معلومات هو عمله كقاضي بداءة الناصرية لغاية 2010 .


في حضرة هكذا نمط من الرجال الذين يفتخر بهم سلك القضاء العراقي بل العراقيون أجمعهم ، اقف متحيراً حزيناً وانا ارى بلدي يسرق ، وخيراته تنهب ، وسيادة القانون فيه تنتهك ، وجراحاته الدامية ينكأها الارهاب في كل ساعة ، ، واتساءل ، هذا الرجل الشجاع نبيل المحتد صاحب خبرة الاحدى واربعين سنة في سلك القضاء ، لماذا لا يكون وزيراً للعدل أو رئيساً لمجلس القضاء الاعلى في دولة يرفع رئيس وزرائها شعار ( دولة القانون ) !؟

عصام اكرم الفيلي

9 تموز 2013


  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

889 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع