آرا دمبكجيان
كثُرت الأنباء في الآونة الأخيرة عن الأعتصاماتِ في ساحة تقسيم في أسطنبول و المظاهرات القائمة فيها مما دفعني أن أبحثَ عن تاريخ هذه المنطقة. وجدتُ مقالاً عنها في جريدة "آزتاك" الأرمنية الصادرة في بيروت، و هذه ترجمته مع بعض الإضافات من جانبي.
من المفيد أن نذكرَ أن المالك الشرعي لأراضي ساحة تقسيم والمناطق المحيطة بها هو البطريركية الأرمنية في أسطنبول .
في سنة 1930 تم هدم المقبرة الأرمنية القائمة هناك منذ مئات السنين في قاطع بنكالتي Pangalti من قبل بلدية المدينة. في الوقت نفسه باعت البلدية شواهد القبور المصنوعة من المرمر للإستفادة من الأموال و إخفاء أي أثر يدُلُ على تلك الجريمة.
أما الأرض التي فرغت من ساكنيها الأموات فتم إنشاء حديقة إينونو جيزي مع الفنادق المختلفة مثل هيلتون و إنتركونتيننتال و ديوان و محطة إذاعة و تلفزيون تي آر تي التي أُقيمت جميعها على الأراضي الأرمنية المستولاة عليها من قِبل البلدية. و من غرائب الصدف نزلتُ في فندق أسطنبول مرمرة أوتيل في زيارتي الى المدينة و لم أدرِ في حينها إنني على أرض مقبرة تابعة للأرمن....
يعتبر قاطع بنكالتي، الذي هو جزء من مقبرة القديس يعقوب الأرمنية، أكبر مقبرة غير أسلامية في أسطنبول. بُنيَت المقبرة في 1560 بعد أن وَهَبَ السلطان سليمان القانوني برسم (و لا تقل مرسوم) همايوني تلك الأرض الى الأرمن، و في تلك السنة بالذات، و عندما أصاب الطاعون المدينة، بدأ الأرمن بدفن موتاهم خارج المدينة عبر مصَحَّة (مشفى) القديس يعقوب و التي أصبحت تدعى بعدئذٍ مقبرة القديس يعقوب. و في 1780 تم توسيع المقبرة التي سُيِّجَت بالكامل في 1853.
في 1919 بُني نصبٌ تذكاري تخليداً لضحايا الإبادة الجماعية للأرمن في 1915 و التي راح ضحيتها أكثر من 1.5 مليون من الشعب الأرمني ، و هذا موضوع آخر سآتي الى ذكرِهِ في تحقيق خاص به.
في 1933 أقامت بلدية أسطنبول دعوى قضائية للإستيلاء على أرض المقبرة الأرمنية. تحدّى البطريرك الأرمني بدعوى مضادّة و لكن المحكمة التركية (النزيهة جداً) أجَّلَت النظر فيها الى أن قرَّرَت وزارة الداخلية الأستيلاء على تلك الأرض الممتدة على مساحة 850 ألف متر مربع ... و سَلَّمَتْها الى البلدية، و في الوقت نفسهِ
(تَفَضَّلَت) بترك ستة ألاف متر مربع الى البطريركية الأرمنية صاحبة الأرض. و أكْمَلَت (النزاهة التركية) عملها و أجبَرَت المحكمةُ البطريركيةَ أن تدفع 3,000 ليرة تركية تغطية لنفقات الجلسات. و بعد الأستيلاء على الأرض باعتها البلدية الى المستثمرين.
أستمَرَّت عمليات الأستيلاء بين سنوات 1931-1939 و راحت ضحيتها كنيسة القديس يعقوب التي هُدِمَت و أُزيلَت و أُقيمَت في مكانها حديقة جيزي و ساحة تقسيم. كان تهديم تلك الكنيسة، التي عَمَّرَت لمئات السنين، بمثابة المسمار الأخير في نعش الوجود الأرمني في تلك البقعة من المدينة. و لم تكتفِ الحكومة التركية بذلك بل أستَخْدَمَت الحجارة الناتجة من تدمير الكنيسة و المقبرة في بناء الحديقة و الساحة و بيع مرمر شواهد القبور للمستثمرين.
كان الأستيلاء غير الشرعي و تدمير و تهديم المباني ضمن سياسة الحكومة التركية في تتريك أو تصفية القوميات غير التركية بدءاً من عملية الإبادة الجماعية للأرمن في 1915.
في سنة 2006 أوفدتني الشركة التي أعمل فيها الى تركيا لقضاء أعمالها في أسطنبول و أسكي شهر و إزمير. أستأجرتُ سيارة أجرة من مطار أسطنبول لتنقلني مع زوجتي الى فندق "أسطنبول مرمرة أوتيل". في الطريق، كنتُ أقرأ اسماء الشوارع و المحلات المكتوبة باللغة التركية مستخدماً النزر اليسير من معرفتي بها و أشرح معانيها لزوجتي التي تجهل التركية. أنتبه السائق الى حُسْنِ تلفُّظي للكلمات باللهجة الأسطنبولية، فسألني من أي بلد جئنا. أجَبْتُهُ من أمريكا. فقال أن اللغة التي نتكلم بها ليست (أمريكية). قلتُ بأننا أرمن و نتكلم باللغتين الأرمنية و (الأمريكية).
ردَّ عليَّ و قال بالتركية الأسطنبولية أن هذا الشارع (الأستقلال) و ساحة تقسيم كانتا مليئتين بالأرمن قبل عدة عقود و أن تلك المحلات و الأحياء كانت لهم. لم أُدِرْ بالاً لكلامه لجهلي في تاريخ المنطقة. أمّا الآن، تذكَّرْتُ كلمات الرجل كأن الحدثَ كان في الأمس القريب.
سؤالٌ واحدٌ سألتُ نفسي دائماُ: هل إسلام الترك يختلف عن إسلام العرب؟ و كان جوابي دائماً بالإيجاب.
أودُّ أنْ أذكرَ الى قراء "الگاردينيا" الأعزاء أن نظام التعليقات الجديد لا يتوافق مع نظام التشغيل في جهازي و لا أتمكّن من التعليق بين آنٍ و آخر لسبب أجهله. لذا أرجو المعذرة مسبقاً إنْ لم أرد على بعض التعليقات في حينها. مع الشكر و التقدير.
835 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع