17 تموز 1968 بداية التدمير المنظم
بقلم- فؤاد حسين علي
عام
من السمات الرئيسيه لحزب البعث العربي الاشتراكي ،ديمومة السعي للوصول الى السلطه،بأية وسيلة بينها الأستخدام المفرط للقوه،وبصددها تؤشر الأحداث التي مرت على العراق منذ العام 1963 حتى العام 2003 ،أن قادته لايقتنعون بغير الحكم سبيلا لتحقيق الاهداف،التي وضعوها منتصف اربعينات القرن الماضي لوحدة الأمة العربيه وأشتراكيتها ، حتى أنهم وأن أدركوا الفشل الحاصل،بتجربتهم الاولى للحكم عام 1963 على سبيل المثال ،وأعترفوا بحصوله، وأستوعبوا الأنشقاقات التي حصلت في أواخر حكمهم ذلك العام ،فقد أعادوا لملمة الشتات جناحين الاول الى ميشيل عفلق ،ويتصل الثاني بسوريا حافظ الاسد .
سارا كلاهما بأتجاه عمل أنقلاب على حكم الرئيس عبدالرحمن عارف التي أمتدت من 17 نيسان 1966 ولغاية 17 تموز 1968 الذي ورثه عن أخيه عبدالسلام عارف .
ومن سمات أعضاءه ،عسكريين ومدنيين ،عدم الاقتناع بأية نتيجه في عوائد السياسه ، لاتأتي عن طريقهم .هدفهم أن يكونوا أعلى السلطه ،يوهمون ذواتهم ومؤيديهم أنها الطريقه الوحيده لتحقيق أهداف الأمه..
وفي الجهة المقابله لهم في تلك الحقبه الزمنيه ، كانت سمات حكم الرئيس عبدالرحمن عارف ،الضعف،الى مستوى تجاوزه التقارير والتحاليل الاستخباريه في التعامل مع المتربصين له،واللجوء بدلا عن التحقيق بصحتها،الى طلب القسم بالقرآن الكريم سبيلا لتبيان الحقيقه .فكانت سمات خاصه ،وضعف قيادي،وظروف سياسيه ساذجه ،ومواقف دوليه مناسبه،وخيانة وطنيه وأخلاقيه،وضعت جميعها البعثيين على سكة الانقلاب .
التحرك البعثي لتنفيذ الانقلاب
كان جناح البعث لميشيل عفلق هو الاقوى في ساحة التآمر والانقلاب، وكانت الساحه الداخلية ملائمه ،حيث الاقرار بضرورة التغيير ،من قبل القاده المعنيين بحماية الرئيس عارف ،تلافيا لأحتمالات ضياع المكاسب المتحققه ،وكان الجناح البعثي اليساري ،الممتد الى حافظ الاسد لايقوى على السير في طريق الانقلاب،لعدم أمتلاكه رموز عسكريه قياديه يعتقد بها ، ولاقاعدة ضباط أعوان ،ضباط صف ،يمكن التأسيس على وجودها في التخطيط والتنفيذ لعمل مضمون بأقل ما يمكن من الخسائر.وكان الشيوعيين يأنون من جراح الأباده لتنظيمهم العسكري والمدني بعد مجازر 1963 ومع أنينهم هذا أشهر الغرب البطاقة الحمراء التي لايسمح بتحركهم لعمل انقلاب بأي حال من الاحوال . وكان القوميون واهنون، بعد تكرار عدة محاولات فاشله للقيام بفعل الانقلاب ،وهم مثل الشيوعيين يعانون من الانحياز الدولي في غير صالح تقربهم من الحكم في العراق .أما الاسلاميين فأن دورهم لم يحن بعد لأدارة حكم في المنطقه ،وقواعدهم الحزبيه المنظمه في الجيش تكاد تكون معدومه.
من هذه الساحة الملائمه تحرك البعثيون ، الاقوى تنظيما ،والاكثر قبولا في الساحة الدوليه، فوجدوا في تحركهم جهة آخرى تتحرك بنفس الاتجاه هي كتلة اللواء الركن أبراهيم عبدالرحمن الداود آمر لواء الحرس الجمهوري ،والمقدم الركن عبالرزاق النايف وكيل مدير الاستخبارات العسكريه ،الكتله الاقدر على كتمان التحرك ،وضمان نجاح التنفيذ ،لأن شخوصها الكبار معنيين بأمن وحماية الدوله ونظامها،مقربين من الرئيس –عشائريا ومناطقيا- فتحالفوا معهم طرفين ...
مثل البعث على المستوى القيادي العسكري الاعلى فيه كل من أحمد حسن البكر وصالح مهدي عماش والطرف المقابل لهم – مستقل – بالاضافه الى الضابطين المذكورين – اللواء ابراهيم الداود والمقدم الركن عبدالرزاق النايف - كل من العميد حماد شهاب آمر اللواء المدرع العاشر ،والمقدم سعدون غيدان آمر كتيبة دبابات لواء الحرس الجمهوري وأن انتظما في صفوف الحزب لاحقا.
لقد تم الاتفاق بين الطرفين ،ونفذا الخطه ،التي نجحت في قلب نظام الحكم يوم 17 تموز 1968 ودارت حولها الكثير من الاقاويل التي لم يصل المؤرخين والباحثين الى صحتها ، فأبقوها عائمه يتم تداولها تبعا للقرب والبعد من أطرافها ، وتبعا لأستعراضات القوة في مجالها ، فكانت المقاومه من غير البعثيين ،تبين أن الضابطين والمقربين من رئيس الجمهوريه عبدالرحمن عارف –الداود والنايف-....
وبعد فترة قليله من حكمه ، أخذوا يتكلمون في مجالسهم الخاصه عن الضعف الملموس للرئيس عبدالرحمن عارف ، وعن خشيتهما حصول أنقلاب من قبل الناصريين أو الشيوعيين أو غيرهم ،مما دفعهم الى التخطيط لأستباق الانقلاب المحتمل بأنقلاب فعلي .ولأفتقارهما البعد السياسي أدخلوا البعثيين على الخط وتحالفوا معهم لتحقيق الغايه .
كانت الرواية البعثيه التي وردت بتعميمات رسميه للحزب بعد الانقلاب على الداود والنايف في 30تموز 1968 مباشرة ،على العكس من الرواية اعلاه ،مؤكدة على أنهم من قام بالتخطيط للأنقلاب ، وانهم من بادر بالاتصال بالداود عن طريق شقيقه البعثي لتأمين النجاح ،وأنهم عندما كانوا في أحد الاجتماعات الخاصه بالتخطيط للانقلاب ، فأجئهم المقدم الركن عبدالرزاق النايف بالدخول الى المكان ،وساومهم على قبوله طرفا رئيسيا أو أفشاء سرهم ، متهمين الداود باخباره بالمخطط .
أنها روايات متناقضه ،تدحضها رواية ثالثه ، تتأسس على وجود عراب لتحالف مصلحي حتمي بين الطرفين المذكورين الساعيين فعلا لعمل أنقلاب ، لايمكن لأي منهما ضمان نجاحه في حالة تنفيذه على أنفراد ..
والعراب هو اللواء الركن الطيار حردان عبدالغفار التكريتي ، الذي كلفه البعثيون بالاتصال بالطرف المقابل،الذي يرصدون نواياه ، وكان التكليف قد جاء على المعرفه التامه بقدرة اللواء الطيار حردان عبدالغفار العالية على التأثير ، وخبرته الواسعه في عمل الانقلابات ، وقد نجح في مهمته بتقريب وجهات النظر وعقد صفقة بينهما ،عد بسببها لولب الانقلاب ومهندسه الحقيقي ، ولولاه لم ينجح الفعل المطلوب، ولتبعثر أو أنكشف الجهد قبل التنفيذ.
أن الروايات الثلاثه متناقضه ، وتحتاج الى سند لدعم صحتها ، بقي وسيبقى مفقودا في ظروف وشخصيات لم تخرج من عباءة الذاتيه ، حتى في التعامل مع وقائع التاريخ ، وأن كانت الرواية الاخيره ذات الصلة بجهود اللواء حردان عبدالغفار هي الاقرب للواقع ، أذ أن من غير المعقول أن يجازف البعثيون ، ويتصلوا بالداود دون مقدمات مسبقه، وهو المعني بحماية النظام ومن غير المعقول أن يفاجئ المقدم الركن عبدالرزاق النايف المجتمعين البعثيين ويساومهم في أجتماعاتهم على المشاركة ،وتحديد المنصب الذي يريده وهو مديرا للاستخبارات العسكريه بالوكاله ومحسوبا على الرئيس عبدالرحمن عارف .كما أن نهاية حردان عبدالغفار بالاغتيال ، ونهاية عبدالرزاق النايف بنفس الطريقه ونفي عبدالرحمن الداود ترجح صحة هذه الروايه وترجح أن كليهما قد فضل التعاون مع غريم له على وفق صفقة لتقاسم المناصب ، وأبقاء المستقبل مفتوحا للتحرك على وفق حركة الطرف المقابل، وهذا أستنتاج تؤكد صحته أحداث الثلاث عشر يوما التي اعقبت الانقلاب، وقول الرئيس أحمد حسن البكر في نهايتها أنه أصيب بمرض السكري من فرط التفكير بالطرف المقابل ، وقول أكده وزير الصحه علوش ،من أن البكر فعلا قد أصيب بالسكري خلال هذه الفترة القصيره .
لقد تأسست الخطه على قيام المقدم سعدون غيدان آمر كتيبة دبابات الحرس بفتح الباب الرئيسيه للقصر الجمهوري ،صبيحة اليوم المتفق عليه 17 تموز 1968 بأعتباره آمر الكتيبه المعنيه بحراسة المداخل، ومن ثم تسهيل تسلل البعثيين عسكريين ومدنيين ،يستقلون سيارات حمل عسكريه ، يحملون رتب ضباط ،لأحتلال القصر الجمهوري ، وقد تم لهم هذا ، وأطلقوا حال دخولهم باحة القصر الجمهوري أطلاقة مدفع دبابه ، كتحذير للرئيس عبدالرحمن عارف ،الذي سلم على الفور ، وسفر الى تركيا بنفس اليوم ،ليعيش هناك معزولا فترة طويله ،عاد بعدها الى العراق راضيا بوضعه كمتقاعد معزول ..
لقد نجحت الخطه ، وتشكل مجلس قيادة الثوره من عسكريين هم اللواء أحمد حسن البكر، واللواء الطيار حردان عبدالغفار ،والفريق صالح مهدي عماش ،واللواء عبدالرحمن الداود والعميد حماد شهاب والمقدم الركن عبدالرزاق النايف والمقدم سعدون غيدان .وتشكلت وزاره من 25 وزيرا فيها عشرة وزراء بعثيين رأسها عبدالرزاق النايف ،ووزير الدفاع الداود...
ووزير الداخليه صالح عماش ورئيس الاركان حردان عبدالغفار . معادلة في توزيع المناصب تتفوق فيها كتلة الداود والنايف عدديا ، في ميزان يتفوق فيه البعثيون بالخبرة ، وفن أدارة الازمات ، وتنظيم الانفعال والحشد الجماهيري ،والتطرف الثوري ، لم يرضى عن طبيعتها البعثيون ، الذين لم يطمئنوا للطرف المقابل ، فتحركوا سريعا للأنقلاب على جناج الداود ، وقضوا عليه بحركة سريعه في 30 تموز 1968 بسيناريو بسيطه ، يتأسس على قيام الرئيس أحمد حسن البكر بأيفاد الداود وزير دفاعه الى الاردن لتفقد القوات العراقيه المنفتحه لأغراض الدفاع عن الارض الاردنيه ، وفور وصول الداود الى الاردن تم أستدعاء عبدالرزاق النايف من قبل الرئيس أحمد حسن البكر للتشاور وتناول الغذاء ،أنقض عليه صدام وجماعته في المكتب ، وهددوه بالموت أو السفر خارج العراق على الفور ،وبنفس الوقت قصد ضباط بعثيين من الوحدات الموجوده في الاردن الداود وعرضوا عليه نفس العرض مع تعينه كسفير، وأنهو حقبتهم بالسيطره التامه على باقي منافذ السلطه ، وعزل كل المؤيدين وتم أعادة تشكيل الحكومه والقياده العامه للقوات المسلحه ، لتكون من البعثيين حصرا ، وبصدد أعتقال الداود قيل أن قائد القوات العراقيه الموجوده في الاردن اللواء الركن حسن النقيب ،قد أمتنع عن تنفيذ أمر اعتقال الداود الذي استلمه هاتفيا من رئاسة الجمهوريه ، وبدلا من ذلك زاره في مقر أقامته وهمس في أذنه بضرورة العوده الى بغداد بالطائره تجنبا لعمل قد لايرضاه ، علما أن اللواء الركن حسن النقيب قد أنشق عن الحكومه بعد حوالي ثلاث سنوات من ذلك التاريخ وعمل معارضا فاعلا بالضد منها حتى أنتهائها عام 2003.
لقد أمتدت تأثيرات الانقلاب 35 عاما كانت مليئة بالاحداث ومحاولات التآمر والانقلابات ،كان أشهرها وأكثرها تأثيرا على العراق بشكل عام وعلى القوات المسلحه بشكل خاص هو أنقلاب صدام حسين ..على أحمد حسن البكر عام 1979 على وفق سيناريو مرتب لتنازل البكر لصدام بدعوى المرض ، ومنح صدام نفسه رتبة مهيب ركن وأعاد تشكيل القياده العامه للقوات المسلحه ،من مكتب تنسيقي الى تشكيل قيادي تنفيذي ،ودخل بها حروب خرج منها خاسرا ،بمستوى حطم أعمدة القوات المسلحه باضطرابات في مجال الضبط والمعنويات والأداء والمهنيه لم تشف منها حتى آخر معركه مع التحالف الدولي أنهتها تماما..........
751 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع