د. فاضل البدراني
العراق ما بين التدويل أو قبول الإملاءات
تعودنا في العراق كلما تضطرب الأوضاع السياسية وعبر دورات البرلمان الخمس منذ ٢٠٠٦ وحتى ٢٠٢١ وتصل الأمور بالقوى الحزبية والمكوناتية الى مرحلة الانسداد السياسي، فأن المجال يتاح للشخصيات البارزة سياسيا، لطرح مبادرات في محاولة منها لحلحلة الأوضاع باتجاه الانفراج، بغض النظر عن نجاحها أو فشلها، لكنها تشكل مجالا وموضوعا يشغل حيزا لبعض الوقت، تفضي لتدخلات خارجية.
لقد واجهت القوى السياسية في المدة التي أعقبت اعلان نتائج انتخابات تشرين ٢٠٢١، ومضى عليها ما يقرب من 45 يوما، عقبات كبيرة، وما يزال الجدل يحتدم، ويتفاعل بشكل سلبي مع المعطيات، بل يفرض فجوة واسعة بين المختلفين الذين لا يرغب طرف منهم للاقتراب من خصمه، والوقوف بمنطقة قريبة منه ليسمه ويتحاور معه، وصادفتنا أولى المبادرات التي طرحها زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم الذي أراد اشراك الرابح والخاسر بنتائج الانتخابات بتشكيل الحكومة، ومراعاة الأوزان الانتخابية في الحصة الحكومية، وانهاء التوتر المتفاعل في البيئة السياسية العراقية، ثم أعقبتها مبادرة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر التي جاءت جريئة جدا، بعيدة عن المجاملات، نسفت مضمون مبادرة الحكيم، تضمنت شروطا بقبول الآخرين ( الاطار التنسيقي) بشراكة تياره الفائز بأعلى المقاعد الانتخابية 73 مقعدا في تشكيل الحكومة مقابل حل الفصائل المسلحة، وهذه المبادرة، إما تذهب بالبلد نحو التصعيد الشيعي الشيعي، وإما تذهب نحو صناعة هدوء واستقرار في حال قبولها من الطرف الخصم، وهو من وجهة النظر أمر مستبعد، إذ أن الخيار الأول أقرب للواقع، لذا أصبح الوضع العراقي في غاية الهشاشة بين دعوة الصدر بحل الفصائل التابعة للاطار التنسيقي، وبين رفض الأخير لنتائج الانتخابات.
ومن المنتظر أن تطرح مبادرة للرئيس برهم صالح مع رئيس الحكومة، بحسب المعلومات، وهي ضرورية تنطلق من شرعية دستورية يتمتع بها الرئيس للتحرك، ومعالجة أوضاع البلاد المضطربة كونه حامي الدستور، ويطرح مبادراته بعيدة عن التحيز لطرف على حساب طرف آخر، وايجاد ارضية يقف عليها الجميع بأمان، لحماية البلد والحفاظ عليه من الانزلاق نحو الانفلات لا سمح الله، خاصة إذا ما علمنا بأن السلاح موجود بكثرة خارج المؤسسات العسكرية والأمنية، ومبادرة الرئيس صالح يعّول عليها العراقيون في حال كما يتوقع بعض المختصين بأنها ستتبنى رأيا آخر يختزل الخلافات، وينطلق من مجال وسطي جديد طرفه الأول إصرار الصدر بحكومة أغلبية، ومبادرة الحكيم بحكومة توافقية. وعلينا ألا نغفل مؤشرات دولية تدور في الأفق، بأنه في حال ذهبت الأمور باتجاه التصعيد الداخلي بالعراق دون حلول تحمي الاستقرار، فان مجلس الأمن الدولي بتنسيق مع التحالف الدولي الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأميركية، قد يربط وجود قوات التحالف الدولي المتواجدة بقواعد عسكرية في العراق، والمقرر سحبها في 31 كانون الأول 2021 بمدى استعداد القوى السياسية بحل الفصائل المسلحة، وبالتالي سينتقل البلد من أزمة داخلية الى أزمة دولية.
أن قضية الانتخابات الخامسة وضعت العراق على المحك، وأفرزت فريقين متنافرين بالرأي، فلا الجهات الفائزة بالنتائج تقبل بعملية العد والفرز خوفا من حصول متغيرات جديدة تحرجها، ولا القوى الخاسرة تقبل بإعادتها خوفا من تدويل قضية العراق والذهاب بالبلد الى حكومة تصريف أعمال، لذلك فالعراق سيعود محكوما بإملاءات الخارج دوليا وأقليميا.
كاتب وأكاديمي عراقي
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
1067 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع