د يسر االغريسي حجازي
٣-١٢-٢٠٢١
سياسة المد والجزر
ان الاتصال الجيد بين الناس ضروري، من اجل تحسين الأداء وتحقيق تنمية اجتماعية مستدامة. والنجاح في الاتصال، هو بمثابة ترسيخ ثقافة قائمة على الانسجام المجتمعي. ولا يمكن تحقيق السلم الأمني بدون منح الحقوق الأساسية للجميع، كما لا يمكن الوصول الي ازدهار الشعوب بدون تعزيز ثقافة الشفافية والثقة بين الناس. ويقوي الاتصال حينما يكون متماثل من الجهتين
اما في الاتصال الجماهيري، تكون الرسائل مخصصة دائمًا لجمهور كبير. ولهذا السبب، يجب أن تكون الخطابات مركزية ودقيقة.
وفقًا لعالم الاجتماع والمنظر الأمريكي مارشال ماك لوهاني، يتمحور الاتصال حول معيارين أساسيين: التواصل من شخص واحد إلى عدة أشخاص. وعادة الجمهور المتلقي الرسائل لا يتفاعل معها. وتتم صياغة هذه الرسائل وفقًا لغرض المتحدث، ومن خلال عملية معقدة بين فهم محتوي الرسائل في إطار عناصر اخري محيطة بعملية الاتصال. وذلك بسبب الأضواء والضجيج في المكان. ويتميز بحقيقة أن الاتصال أحادي الاتجاه، على أنه يستعين بوسائل الإعلام لحشد التأييد واقناع الجمهور. ويكشف الاتصال الناجح عن مدي قوة المنظومة التعليمية والمدنية والاجتماعية والسياسية والمهنية. إن نظام الاتصال يثير في الواقع، جميع التفاعلات في مختلف المجالات، وينقل المعلومات بعدة الوسائل والتقنيات التي توفر نشرًا جيدًا للمعلومات في الزمان والمكان المطلوب.
ويشمل نظام الاتصال، مجال السيكولوجية الاجتماعية الثنائيًة والثلاثيًة والجماعيًة، بقدر ما يتعلق الامر بالتغيرات العاطفية وغير المدركة لأفراد المجتمع. ونقل المعلومات بين أفراد المجتمع، هو جزء من درجات مختلفة من الاتصال (كيري، 2000).
حيث ان النظام المعلوماتي، يتمحور حول مدي صحة الأداء وملائمته مع البيئة التي يعيشه فيها الانسان. ويتم ذلك وفقًا لتطور الإدراك البشري في نقل المعرفة. اما في طريقة كيري الثلاثية، يثير تعريف النمط بمعنى مصادقة المعلومات من خلال الاستكشاف التحليلي الدقيق.
بينما يعتمد الاتصال على التفاعل بين المرسل والمتلقي، ويتم ذلك في علاقة مباشرة وردود فعل ذاتية ونظامية. ويكون التواصل شمولي، عندما يأخذ بعين الاعتبار جميع احتمالات التداخل البيئي.
بحسب مدرسة بالو ألتو في نظرية النظم والاتصال وعلم النفس الاجتماع، التواصل هو أمر حيوي للبشر الذين لا يستطيعون الاستمرار في العيش بدون تواصل. علينا ان لا ننسى، أن إيماءاتنا ومواقفنا تعبر عن آراءنا. والاتصال يستخدم أيضًا، كشكل من أشكال التلاعب لممارسة التأثير على الآخرين. بشكل عام، نتصل بالآخرين لتمرير رسالة، أو للإعلان عن قرار قد اتخذناه. من ناحية أخرى، فإن الاتصال من مجموعة من الناس إلى مجموعة أخرى، يحدد رسالة تهدف إلى التعريف بمعتقداتهم وقناعاتهم. الإعلان على سبيل المثال، يستهدف المجتمع الاستهلاكي وشخصية المتحدث الذي ينقل الرسالة. ومع ذلك، يربط الاتصال الأشخاص في نشاط جماعي، ويشمل ذلك الجودة بين المعلومات ووصف المنتوج.
وإذا كانت عملية الوصف لا تطابق جودة المنتوج، يمكن ان يسبب ذلك انهيار ويهز بالثقة بين المروج والجمهور. انها حالة تخدم مصالح المروج على حساب المستهلك. في كثير من الأحيان، يمكن للمرء أن يرى نهاية عقود عمل بسبب الخدع في الاتصال بين أحد الطرفين. وهذا يمكن ان يحدث بين الزوجين، والاسرة، والأصدقاء وفي حملات الانتخابات.
وفقا لجي تي كلابر (1960)، لا يعمل "الاتصال الجماهيري عادةً كسبب ضروري وكافٍي لتأثيرات الجمهور، ولكنه يعمل ضمن شبكة من المؤثرات وعوامل الوساطة". ومن خلالها، يتمثل دور جماعة الضغط الانتخابي في تعريف الجمهور بالأحزاب السياسية التي تمثل المرشحين، ووصف محتوي الرسائل المستهدفة.
هناك تركيز على شخصية المرشح وبرنامجه، وما يريد تمريره للجمهور. انه مفهوم سياسي مهيمن، وعملية تسويقية مخيفة. كما تعمل جماعات الضغط وفقًا لمطالب الناخبين، وتنظم الحملات الانتخابية بالتزامن مع الترتيبات الاجتماعية واحتياجات المجتمع.
لما يتحدث السياسي إلى الجمهور، ليس بالضروري ان يكون من الفئة المستهدفة والاهم ان يكون متاح للاستماع إلى الخطاب السياسي. في هذه اللحظة، تتركز عيون الجمهور العريض على شخصية المتحدث. وفي هذه اللحظة، يصبح فيها الجمهور اقل تفكير وفهم ودقة. لما يقل التركيز لدي الانسان فيصبح شبه مخدر. ومع ذلك، فإن الأضواء المنبعثة في كل مكان، وصوت أصداء مكبرات الصوت تثير الحشد على الاستهجان والتصفيق. لا يتطلب الأمر سوى صراخ شخص أو شخصين وسط الحشد، وسيتبعه الآخرون. إذا سألت عددًا معين من الجمهور عما سمعوه بعد الخطاب، سوف تتفاجئي عندما تعلم أن كل شخص سيربط الاحداث بطريقته الخاصة بما سمعه او فهمه. وبذلك يتشوه الخطاب، لدرجة ان الرسائل المستهدفة تفقد معناها. سوف يتذكرون جميعًا أنه كان هناك الكثير من الضوضاء، وأن السياسي الذي ألقى خطابه كان يتحرك مثل الدمية طوال الوقت.
لن يتذكر أي من هؤلاء الأشخاص ما سمعوه بالفعل، وسيكررون جميعا نفس المقتطفات من العبارات لتي سمعوها مثل: "نحن هنا من أجل التغيير، وخلق آلاف الوظائف، وانخفاض الأسعار، والتكافؤ الاجتماعي. ثم التحية للمرشح وحزبه! ومع ذلك، يمكن أن تلعب هذه الحملات دورًا معاكسًا في سياق معين، حيث غالبًا ما يريد المتحدث اقناع الجمهور بانه المرشح الملائم لخدمة المجتمع. بمجرد ابتعاده عن الأضواء، يرجعوا الناس الي ادراكهم ليكشفوا أن الخطاب لم يقنعهم، ناهيك عن المتحدث الذي تسبقه افعاله في عمليات تزوير سابقة ومتعددة. هذه أيضًا هي الطريقة التي تستخدمها الشركات لتسويق منتجاتها في الحشود الجماعية. كلما اجتمع المزيد من البشر، كلما يفكروا ويتصرفوا باللغة الجماعية. كما ان الاتصال يعكس فلسفة القيم وثقافة الأمم، لان الأفعال على ارض الواقع هي التي تكشف المصداقية، والقيم الأخلاقية لنخبة المجتمع التي تم انتخابها. وتصرفات نخبة المجتمع، هي التي تصنع الثقافة. علي سبيل المثال، لا يمكن لنظام سياسي فاسد ان يرسخ ثقافة الثقة المتبادلة، والخير بين الناس.
سوف يسود الشعوب المخدوعة الشك بينهم، والحسد والبغض والكراهية. لهذا السبب، السياسة العادلة تتطلب وعي الشعوب في المطالبة بحقوقهم ونضجهم في عملية الانتخاب. والافضل من ذلك، ان لا يتردد في كشف خداع وفساد النظام القائم. وإذا سكت الشعب امام الفساد، فهو يعتبر شريك في الجريمة.
في كتابه "علم نفس الحشود" (1895)، يعرّف عالم السيكولوجية غوستاف لوبون مفهوم "الكتلة"، عندما يتم الجمع بين الأفراد. ويقول ان الحشود لا تفكر بنفس الطريقة كما لو كانت بمفردها.
يقارن لوبون الحشود بالمجموعة التي تضعف مهاراتها في التفكير، لأنها تحت تأثير عواطف قوية. في حين أنه إذا كان نفس الحشد مشتتًا، فإن الأفراد لا يتخذون طابعًا جماعيًا. وعلي سبيل المثال، إذا غادر أحد المتظاهرين المجموعة ليقوم بأعمال تخريبية، فسيلحقون بهم متظاهرين اخرين. ويتم ذلك بدون تفكير او قيود.
يقول فانس باكارد (1979)، في كتابه "الإقناع في السر" أن علم التلاعب قد ظهر في عام 1957. وهذا يؤكد أن الصورة التي يتقدم بها المتحدث الي الأخرين، هي التي تنعكس على شخصيته. والحقيقة أن دور ومكانة الجماعات الضاغطة محددة جدًا، إذا كان الاتصال ضعيف والمعلومات غير دقيقة. والدقة في العملية المعلوماتية، هي الأساس في تجنب سوء الفهم والخدع والصراعات فما بعد. وذلك ينطبق على عملية التسويق في التجارة، وإذا لا تتوافق صورة العلامة التجارية مع رؤية الشركة سوف يلحق الضرر بسمعتها، ومصداقيتها وثقة عملائها. يحتاج الاتصال الجيد إلى التحضير الكامل، ومن الضروري ان يكون المتحدث صادق وشخصية مؤثرة تتبني الشفافية فيما تقوله وما تفعله. ان التواصل الناجح مع الجمهور يساهم في تسهيل عملية التأثير، سواء كانت في إطار قانوني أو غير ذلك. إن عملية حشد التأييد تأتي في سياق أيديولوجي وثقافي، ولهذا السبب يمكن أن يهدد استقرار الشعوب إذا كانت تحت وطيئة الخداع.
اما التواصل الصادق، هو المكون الأساسي للتنمية الانسانية وسيادة الدول. عندما يتحدث رئيس دولة أو مسؤول سياسي أمام حشد من الناس، يجب أن يعتمد اتصال مبني على المصلحة الجماعية بما يوافق حماية حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية.
1341 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع