عوني القلمجي
اغلبية ام حرس ثوري إيراني بطبعة باهتة
يبدو ان مقتدى الصدر مازال مصرا على المضي في ترويج اكاذيبه، حول تشكيل حكومة اغلبية، او حكومة صدرية، حتى تتمكن، على حد قوله، من نزع سلاح المليشيات المنفلتة وإلغاء نظام المحاصصة الطائفية، والقضاء على الفساد بفتح ملفاته الكبرى ووضع رؤوسه خلف القضبان. والغريب ان مقتدى يعلم أكثر من غيره، ان تشكيل حكومة من هذا النوع حتى شكليا، يدخل في باب المحرمات من قبل المحتل الأمريكي ووصيفه الإيراني. لان ذلك يتعاكس مع الأسس التي بنى عليه المحتل صرح عمليته السياسية. بحيث تكون المحاصصة الطائفية والفساد، هما لحمة العملية السياسية وسداها، بل وديمومتها أيضا. والاغرب من ذلك، نسي مقتدى بان ابسط مواطن في العراق أدرك، بما لا يدع مجالا للشك، بان اخر من يسعى للإصلاح هو مقتدى. فقد اثبت الرجل اخلاصه اللامتناهي لهذه العملية السياسية، وحرصه الشديد على حمايتها من أي خطر يهددها. فهو عاش في ظلها وتمتع بخيارتها ونال السلطة والجاه بفضلها. وخير دليل على ذلك، هو وقوفه بكل الوسائل المتاحة لديه، ضد اية انتفاضة او ثورة شعبية، تستهدف اسقاط العملية السياسية، سواء عن طريق ركوب موجتها وحرف مسيرتها، او مواجهتها بقوة السلاح، كما فعل مع ثوار تشرين، حيث راح ضحية جريمته الشنعاء، العشرات من الشهداء والجرحى على يد مليشيات سرايا السلام التابعة له.
اما الحديث عن الفساد والفاسدين، فقد حاز وزراؤه ومدراؤه في الحكومة، ونوابه في البرلمان، على شهادة بدرجة امتياز في السرقات والصفقات المشبوهة. ناهيك عن تاريخه الأسود في عقد التحالفات مع رؤوس الفساد، مثل هادي العامري وعمار الحكيم ومسعود البرزاني واياد علاوي، لتشكيل الكتلة الأكبر، التي تمكنه من نيل حصة الأسد من العراق الجريح. وإذا لم يكن الامر كذلك، بماذا يفسر لنا مقتدى موقفه المشين ضد كل من يطالب بنزع سلاح المليشيات والقضاء على المحاصصة الطائفية وعلى الفساد والفاسدين، وتشكيل حكومة وطنية تعيد الوطن للعراقيين؟
بالمقابل فان مطالبة مقتدى بنزع سلاح المليشيات وتسليمه الى الحشد الشعبي، ليست سوى محاولة فاشلة، سبق لمقتدى المطالبة بها مرات عديدة. حيث الهدف منها توحيد هذه المليشيات تحت خيمة الحشد، تمهيدا لتحويله الى حرس ثوري عراقي يكون تحت قيادته على غرار الحرس الثوري الإيراني، الامر الذي يشجع إيران وملاليها على الاعتراف به قائدا اوحدا للشيعة في العراق. خاصة وان مرشد الملالي علي خامنئي قد فقد الثقة بقادة المليشيات أمثال هادي العامري وقيس الخزعلي وعلى العسكري والولائي وغيرهم. بل أصبح هؤلاء عبئا ثقيلا على الولي الفقيه، وانه ان الأوان للاعتماد على مقتدى علنا وليس في الخفاء. وهذا ما يفسر الأوامر التي أصدرها ممثل خامنئي إسماعيل قاءاني بعد اجتماعه بقادة المليشيات، وابلاغهم بعدم الدخول في صدام مع مقتدى وتياره. ومعلوم ان خامنئي قد فشل في انجاز مهمة تشكيل الحرس الثوري العراقي على يد الجنرال قاسم سليماني، الذي يعتبره، الطريق الأوحد لتامين الهيمنة الإيرانية على العراق في حال انسحاب القوات الامريكية من العراق، بنفس الطريقة التي انسحبت فيها من أفغانستان، وفي نفس الوقت يعتبره الأداة القوية ضد أي انتفاضة، او ثورة شعبية عراقية، سواء كانت سلمية او مسلحة.
هذه الاكاذيب المعلبة والفاسدة من قبل مقتدى تلقفتها الأحزاب والكتل الطائفية، من أمثال حزب الدعوة وعصائب اهل الحق والفتح والنصر وغيرها، لتصنع منها مادة للصراع، على امل اقناع الناس بان ما يجري هو صراع ديمقراطي من اجل الوطن والمواطن، وليس من اجل السرقات. وكما فشل الصدر في تسويق اكاذيبه، فشل هؤلاء الأشرار في تحقيق ما يصبون اليه. فعموم العراقيين أدركوا، بان هذا الصراع كذبة، وانه امتداد للصراعات التي تجري بين هؤلاء الأشرار بعد ظهور نتائج الانتخابات، وقبيل تشكيل أية حكومة، بهدف الاستحواذ على حصة أكبر من العراق الجريح، سواء فيما يخص الوزارات والمناصب الهامة، أو الصفقات المشبوهة أو سرقة الاموال العامة والخاصة، لتنتهي كما جرت العادة الى مصالحة بينهم، يطلقون عليها المصالحة الوطنية من اجل العراق. هذه هي الحقيقة واي ادعاء غير ذلك، هو ادعاء باطل. فهؤلاء الاشرار لم يجر اختيارهم، لتدمير العراق دولة ومجتمعا فحسب. وانما بيعه بالكامل للمحتل عبر ربطه باتفاقيات مذلة، مثل الاتفاقية التي عقدها رئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي عام 2008، والتي سميت بالاتفاق الاستراتيجي او الاتفاقية الامنية. او الاتفاقية المماثلة التي عقدها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في اول زيارة له لأمريكا بعد تسلمه المنصب.
إذا لم تستح فافعل ما شئت. فبدلا ان يتستر هؤلاء الأشرار على عوراتهم والتظاهر بالوطنية والإخلاص، وكيل المديح لعمليتهم السياسية والانتخابات الفريدة والدستور المثالي، كما كانوا يفعلون سابقا، اخذوا يستهترون اليوم بكل صلافة بمشاعر الناس ويستخفون بمعاناتهم، الى درجة الاعتراف بسجلهم الأسود وبسرقاتهم وبتدميرهم للبلاد والعباد علنا. بل انهالوا بالشتائم على عمليتهم السياسية. ونظام المحاصصة الطائفية وحملوها مسؤولية فشلهم. اما الدستور فقد وصفه أحدهم بالملغوم والاخر بالمشوه والثالث بالمتناقض. في حين نالت الانتخابات القسط الأكبر من الشتائم، حيث قالوا عنها انها مزورة بصناديقها ومفوضيتها والاشراف الدولي عليها. ووصل الامر ببعضهم الى خروج تظاهرات اتخذت طابع العنف والتهديد باقتحام المنطقة الخضراء، طالبت بإلغاء نتائج الانتخابات وتحديد موعد جديد لها يسبقه الغاء قانون الانتخابات الجديد. في حين هدد البعض الاخر، وعلى وجه الخصوص، مليشيات الفتح، التي يتزعمها هادي العامري، بتهديد السلم الأهلي في العراق على حد تعبيره إذا لم تلغ الانتخابات.
على الرغم من سجل هؤلاء الأشرار الأسود، هناك من يرفع، مع الأسف الشديد، سقف التفاؤل بمقتدى وإمكانية تشكيله الحكومة المتخيلة، أي حكومة الأغلبية الوطنية او السياسية، التي تخلص العراق من الحكومة التوافقية التي من شانها ان تعيد العراق الى المربع الأول على حد تعبيراتهم. بل ان بعضهم ذهب ابعد من ذلك، واشاع بين الناس بان الصدر ليس عازما على تشكيل حكومة اغلبية فحسب، وانما عازم على تحقيق برنامجه الإصلاحي. ثم يستمر التفاؤل، حيث يضيف هؤلاء بإمكانية نجاح مقتدى، فيقولون ان خصوم مقتدى من الأحزاب الطائفية الخاسرة في الانتخابات، والتي سمت نفسها بالإطار التنسيقي، او البيت الشيعي، قد تراجعت كثيرا، على الرغم من انضواء جميع الكتل الشيعية تحت لوائه. إضافة الى كتل صغيرة سنية، مثل كتلة الحزم لصاحبها المدعو خميس الخنجر والاتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير الكردية. بل ذهب هؤلاء المتفائلون ابعد من ذلك، فقد اعتبروا ان استجابة أحد فصائل حزب الله العراقي بنزع سلاحه ردا على نزع سلاح احدى ميليشيات الصدر علامة من علامات النجاح. في حين ان نزع الأسلحة المتبادل بين ميليشيتين مسلحتين، ليس سوى مناورة بائسة جدا. وما يجدر التأكيد عليه هنا، ان المتفائلين سريعا سيشعرون بخيبة الامل. فهؤلاء الأشرار قد استحدثوا منذ سنين عديدة ميليشيات فرعية لا تملك سوى اسمها، من اجل الحصول على الأموال من جهة، وتوظيفها للخداع والتضليل في الوقت المناسب من جهة أخرى.
ان اصلاح العملية السياسية من داخلها، وفي ظل الاحتلالين الأمريكي والإيراني ووجود ميليشيات مسلحة تجاوز عددها الستين، يعد ضربا من الخيال والضحك على الذقون والمراوغة ضد فرص التغيير الجدية. وقد اثبتت الوقائع هذه الحقيقة. حيث تبخرت مشاريع الإصلاح مع الريح على مدار سنين الاحتلال العجاف. اما القادمون الجدد الذي يحملون معهم مشروع اصلاح، فانهم سيختفون كما اختفى اسلافهم في زوايا البرلمان، ولن نسمع عنهم شيئا. بل ان بعضهم سيدخل مستنقع هذه العملية السياسية مقابل مكاسب مالية ضخمة. ان اصلاح ما أفسده المحتل لن يتم الا من خلال ثورة تشرين التي تعد العدة لانطلاقة جديدة ونوعية.
بمعنى اخر أكثر وضوحا، إذا لم يتم القضاء على السبب فلا امل في القضاء على نتائجه. فالتدهور الذي لحق بكل مرافق الحياة، سببه الاحتلال وحكوماته المتعاقبة، فمن دون القضاء على المحتل الأمريكي ووصيفه الإيراني وغيره، لا يمكن انهاء معاناة العراقيين. وإذا حدث تغيير، فانه لن يتعدى بعض الاصلاحات الشكلية، التي هي اشبه بالمسكنات التي تخفف عن المريض الامه ولا تقضي عليها.
ان قدرة العراقيين على هزيمة هؤلاء الأشرار ليس حلما، او من نسج خيال كاتب هذه السطور. فالشعب العراقي العظيم قادر على فعل ذلك، وقد فعلها في السابق مرات عديدة. وحدهم اصحاب العقول القاصرة، والتفكير المحدود ينكرون قدرة الشعب العراقي على الانتفاضة السياسية او المسلحة، على العكس مما تؤكده الوقائع على الأرض، فنحن إزاء محتل مجهد جرب كل وسائله تسليحا وأدوات رخيصة وطرقا وسخة وارتالا من المرتزقة. ومع ذلك هو الأدرى، بان المبادرة لم تعد بيده وانه لن ينجو من الثورة العراقية الشاملة، التي تعمل وفق توقيتها لا توقيت الاخرين، وهي على الابواب بهمة العراقيين ودماء الشهداء.
عوني القلمجي
28/11/2021
920 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع