د.منار الشوربجي
المسألة العِرقية فى قاعات المحاكم الأمريكية
من يتابع ما يجرى بالمحاكم الأمريكية هذه الأيام يدرك أن الولايات المتحدة مقدمة، على الأرجح، على مرحلة جديدة من الاحتقان العِرقى قد يؤدى لاندلاع تظاهرات جديدة. ففى ولايتى كانزاس وجورجيا يحاكم أربعة من البيض بتهم مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالمسألة العرقية.
ففى ولاية كنزاس، يحاكم الفتى الأبيض كايل ريتنهاوس بعدما أطلق الرصاص عام 2020، فقتل اثنين وأصاب ثالثًا بجروح خطيرة. ففى ذلك العام، وبعدما قتل رجال الشرطة البيض رجلًا أسود، اندلعت المظاهرات المناهضة للعنصرية بمدينة كينوشا بالولاية؛ عندئذ، سافر الفتى ريتنهاوس، الذى يقطن فى ولاية إلينوى المجاورة، إلى المدينة حاملًا بندقية شبه آلية بدعوى «حماية الممتلكات» وقت التظاهرات، كما زعم دفاعه.
وفى ولاية جورجيا، يحاكم ثلاثة رجال من البيض كانوا فى العام نفسه، قتلوا شابًا أسود لا يتعدى عمره الخامسة والعشرين، جريمته أنه كان يمارس رياضة الجرى فى حديقة عامة، فلاحقه الرجال الثلاثة بسياراتهم بدعوى أنهم اشتبهوا فى اقتحامه منازل بالحى وأردوه قتيلًا. وقصة حمل البيض للسلاح والعمل بديلًا عن الشرطة خصوصًا ضد السود، قصة قديمة قِدم التجربة الأمريكية ذاتها، وهى استخدمت دومًا بدعوى أن الضحية يمثل «تهديدًا» للمجتمع، الذى هو عندهم مجتمع البيض طبعًا.
والقضيتان مرشحتان لتأجيج الاحتقان العِرقى بسبب ما يجرى فى المحاكمتين. ففى قضية ريتنهاوس، الذى قتل متظاهرَين مناهضَين للعنصرية، كليهما من البيض بالمناسبة، وجرح ثالثًا، اتخذ القاضى مواقف علنية وضعت حياديته موضع شكوك كبيرة. فالقاضى، الذى أطلق نكات تنضح بالعنصرية، كان أيضًا قد رفض أن يشار للضحايا الثلاثة بتعبير «ضحايا»، زاعمًا أنه تعبير يحمل إيحاءات بعينها تؤثر على المحلفين، وأصر على ضرورة الإشارة لهم باعتبارهم «من مثيرى الشغب وناهبى الممتلكات ومضرمى الحرائق»، وكأن تلك التعبيرات ليست موحية، ودون أن يثبُت فى حق أحد منهم أى من ذلك!. أما محامى المتهم، فقد بنى دفاعه على اعتبار ريتنهاوس، الذى كان يحمل سلاحًا شبه آلى، «ضحية».
ودفع بالفتى للمنصة ليقدم شهادته العلنية بالمحكمة، فبكى الأخير بصورة استعراضية مؤكدا أنه كان فى حالة «دفاع عن النفس». ولأن القانونيين يقولون إن الادعاء وقع فى أخطاء فادحة، فإن سياق القضية قد يؤدى لتبرئة الفتى، فيمثل الحكم إدانة للحركة المناهضة للعنصرية، مما يفتح الباب أمام احتقان جديد يعم البلاد مثل ذلك الذى شهدناه طوال العام الماضى.
أما القضية الثانية التى يحاكم فيها قتلة آربرى، فقد قدمت فيها سلطة المقاطعة سرًا معلومات للمحلفين، كانت قد تم حظرها تتعلق بصحة آربرى النفسية، الهدف منها تقديم الضحية بصورة سلبية، فمحامى البيض الثلاثة يبنى دفاعه على أن ثلاثتهم كانوا «يسعون لحماية المجتمع من مجرم مختل نفسيًا»، وهى معلومات غير صحيحة، فالقاضى حين حظرها كان قد قال إنه لا يوجد دليل واحد على أن آربرى كان يعانى مرضا نفسيا.
ولم تسفر المحاكمة حتى الآن عن بروز ما يشير إلى أن الضحية، الأعزل، مثّل تهديدًا للأمن وللمجتمع. وبينما تشير وثائق القضية إلى أن أحد الجناة كان قد سجل، بدم بارد، عملية مقتل الشاب، فإن محامى الدفاع كان قد طلب بصفاقة ألا يحضر فى قاعة المحكمة «رجال الدين السود»!. وتبرئة المتهمين الثلاثة قد تفتح الباب على مصراعيه للمزيد من الاحتقان.
وبغض النظر عما ستسفر عنه المحاكمة فى القضيتين، فإن مجريات كل منهما تكشف عن أزمة النظام القضائى الجنائى باعتباره تجسيدًا حيًا للمقصود بالعنصرية المؤسسية.
852 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع