سيف شمس
معضلة كركوك
على بعد 65 كيلو متر من مركز محافظة كركوك حدث هجوم إرهابي تابع لمنظمة داعش في الخامس من ايلول من هذا العام 2021. وقد أسفر هذا الهجوم على العديد من الضحايا.
لكن هذا الهجوم ليس ككل الهجمات التي تحدث في أنحاء العراق، فله أهداف أخرى وأبعاد يمكن تسليط الضوء عليها لو أمعنا النظر والتحليل لهذه المنطقة الاستراتيجية التي تحتل مكاناً مهماً في العراق، وهي محور نزاع بين أطراف عديدة تريد السيطرة عليها.
تصل نسبة عدد سكان كركوك المليون، وهي من أغنى مناطق العراق النفطية. وكذلك تحتل ثراء تاريخياً، ولا نريد الخوض منذ القدم لكن ما يعنينا تاريخها منذ القرن السادس عشر حيث بدأت تظهر تضاريس الدول الأخرى وإبراز خرائط العديد من القوميات واندماجها ضمن مناطق تخضع تحت ادارتها.
فعندما احتل العثمانيون المنطقة في عام 1554 تركوا تلك المنطقة تحت حكم الأكراد ولم يتم دمجها مباشرة تحت النظام الإدارة العثماني، وقد كانت تسمى تلك الولاية بـ(إيالة شهرزوز). وقد عرفوا بتلك المنطقة بصراعهم الكبير ضد الدولة الصفوية.
وكركوك تمثل حلقة جغرافية مهمة وحساسة، فهي مرتبطة بالسليمانية واربيل وصلاح الدين والموصل، وهي امتداد جغرافي وثقافي وانساني للمناطق التي ذُكِرت، وكذلك للحويجة والجزيرة والانبار. بالإضافة إلى التواجد الكردي الثفيل والتركماني المهم وكذلك العربي.
وعلى الصعيد المذهبي فهي تمثل أغلبية سنية مع اقلية شيعية، وأن هذه الفئة قد تحول البعض منها إلى جيب النفوذ الإيراني تحت امرة الحرس الثوري. هذا من جانب.
من جانب آخر، فأن النجاحات الكبيرة التي يحققها الجانب الكردي على الصعيد الصناعي والزراعي والتجاري والعمران، وكذلك تحقيق الاستقرار الأمني والمعنوي واحتواء أطياف المجتمع، تحديداً في أربيل التي نمت بشكل كبير خلال العشر سنوات الماضي، هذا ما يقلق دول الجوار. كتركيا على سبيل المثال.
فتركيا قلقة من هذا النمو الذي ذُكِر سلفاً، ولا نستثني قلق إيران والحكومة العراقية القابعة في الخضراء التي تمثل أحزاباً إسلامية وتدخلات أجنبية.
نعود إلى كركوك تلك النقطة الحساسة، فانطلاق شارة اشتعال كركوك سيكون بدعم من الحرس الثوري الإيراني، وكذلك من تركيا ولا نستثني الحكومة العراقية. فمن مصلحة إيران أن يكون لها موطئ قدم في كركوك لكي تمارس عملية الضغط على تركيا على الصعيد النفوذ السياسي والاستراتيجي وكذلك على حكومة أربيل، وإعطاء شرعية لها كما حدث في آمرلي. ومن مصلحة الحكومة العراقية أن تكون كركوك ملتهبة لأبعاد النظر عن فشلها الذي بات واضحاً وجلياً، وحجة جديدة للتحشيد فيما يسمى بالمؤامرات الإقليمية، وهذا ما سيؤدي إلى التصعيد ونفوذ الأحزاب الإسلامية. وهذا التصعيد سيهدد بقطع الشريان المتين بين إقليم كوردستان وبقية العراق. ولا نستبعد من اغتنام التحالف الدولي تلك الاضطرابات مما يبرر تواجده بتلك الساحة المهمة.
كركوك ستكون الموصل الثانية عند الحديث عن داعش، فستستفحل تلك المنظمة الإرهابية فيها، وهذا ما يفسر تواجدها.
أن نجاح السيد مسرور بارزاني بإدارة حكومته، ولزم زمام دفة النمو الاقتصادي والعمراني والتعليمي، وكذلك الحال للسيد مسعود بارزاني الذي أصبح شخصية لا يمكن الاستغناء عنها عراقياً واقليمياً ودولياً. في الحقيقة هو لم يعد يمثل حزباً فحسب، بل يمثل وزناً استراتيجياً مهماً يقلق دول الجوار التي تخشى النمو الكوردي. بالتالي فهو ليست شخصية جدلية بقدر ما هو قائد قومي كوردي يخشاه الجميع، ولا يريدونه بهذه القوة. يدفع كل ما ذُكِر إلى اشعال كركوك لكي يتمكنوا من إطفاء شعلة التقدم التي يقودها إقليم كوردستان، خاصة وأن الشارع العراقي بات ينظر إلى إقليم كوردستان وحكومته كنموذج ناجح وتمنيه أن تكون له حكومة كتلك وأن يعيش بنفس ما يعيشه المواطن الكوردي.
سيف شمس/ بروكسل
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
1038 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع