أدب الرحلات

                                                  

                         عائشة سلطان

أدب الرحلات

تغيرت الأفكار حول تناولنا ونظرتنا لكل شيء تقريباً، هذا ليس من باب المقولات الدارجة أو المتكررة، فلقد تغير كل شيء حولنا، تغير المنظور الذي نطل من خلاله على العالم من حولنا، في ما يخص علاقاتنا، اهتماماتنا، ومحيطنا.. إلخ.

إن شيئاً شديد الوضوح قد تغير بشكل نهائي، لا رجعة فيه، هذا التغيير له علاقة بثورة المعرفة والمعلوماتية، ووسائل التواصل الحديثة، إضافة لجائحة «كورونا»، بطبيعة الحال. إن هذا التغيير في الحقيقة ليس سهلاً، لكنه يحتاج إلى حكمة وشجاعة لقبوله والتعايش معه، دون وقوع في الرفض أو الحنين الفائض للماضي.

عندما كتبت عن انطباعاتي خلال الأسفار والرحلات التي قمت بها خلال أكثر من عشرين عاماً، سألني قارئ فاضل: لماذا لم تكتبي تفاصيل المدن التي قمتِ بزيارتها، جغرافياتها، مناخاتها، عادات أهلها، غرائب ما فيها، ما صادفك من المواقف والمآزق… وغير ذلك؟ وبينما هو يسأل، كان عقلي يجري مقارنات واستعادات معقدة، مرت بذاكرتي سريعاً عناوين لا تحصى، وشخصيات مشهورة في أدب الرحلة، منذ الرحلة الخرافية للإيطالي ماركو بولو، إلى قارة آسيا وبلاد الصين في القرون الوسطى، إلى رحلات ابن بطوطة والمسعودي والمقدسي وغيرهم، ممن أسسوا لأدب أو علم الرحلات.

لقد تغير أدب الرحلة تماماً، لم يعد مقبولاً أن تذهب إلى الهند، لتعود بكتاب تقول فيه بأنك شاهدت شعوباً تؤمن بمئات الأديان، وتتحدث آلاف اللغات واللهجات، وأنهم يرتدون ثياباً بالكيفية الفلانية، ويرقصون بالطريقة الغرائبية، وأن أشهر مأكولاتهم كذا، وأكبر معابدهم وقصورهم تقع في مناطق كذا، لقد أعفتك التكنولوجيا من كل ذلك، أنت ككاتب أدب رحلات، لست ابن بطوطة المعني بنقل المعلومات، ولست الإدريسي المنشغل برسم الخرائط، لقد تطور أدب الرحلة إلى علاقة متشابكة مع الذات، وعلاقتك بالآخر، ونظرتك لثقافته، وتفاعلك مع ما تتقاطع معه، ومقدار صمودك وثبات هويتك أمام تشظي الهويات والثقافات التي تراها وتتعامل معها، وتمر بها.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1157 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع