ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
وزارة نوري السعيد الحادية عشرة مالها وما عليها
في مثل هذا اليوم العاشر من تموز سنة 1952 استقالت حكومة نوري السعيد الحادية عشرة بعد ان بقيت في دست الحكم سنتين تقريبا .ونوري السعيد احد ابرز رجالات العراق في العهد الملكي 1921- 1958 شمل (14) وزارة او حكومة . كان رئيس وزراء مزمن ، وحتى الوزارات التي شكلها بعد وفاة الملك فيصل الاول (1921-1933) مؤسس الدولة العراقية الحديثة سنة 1933 ، كان هو من يحركها من وراء ستار .كان رجل العراق الاول ، وكان يعتقد انه صمام الامان في بقاء الدولة العراقية ، وديمومتها وظلت هذه الفكرة مسيطرة عليه حتى وقعت ثورة 14 تموز 1958 ، وقلبت نظام الحكم من ملكي الى جمهوري .
يقول المؤرخ الكبير السيد عبد الرزاق الحسني ، وهو من ارخ للعراق الملكي في كتابه (تاريخ الوزارات العراقية ) ان نوري السعيد ، قد اعتاد ان يؤلف وزارته في الاوقات الصعبة التي تحتاج للقيام بعمل مهم ، واجراءات سريعة .
ونوري السعيد شكل كل وزاراته ال(14) وسط ظروف كان العراق في مفترق طرق ، فوزراته الاولى ووزارته الثانية 1930-1932 على سبيل المثال ، كان العراق مقبلا على عقد جديد مع الانكليز ، واقصد انتهاء الانتداب البريطاني ودخول العراق (عصبة الامم) دولة مستقلة . وهكذا في وزاراته الاخرى كلها ارتبطت بأحداث خطيرة ان كان ذلك على مستوى العراق ، أم على المستوى الاقليمي ، أم على المستوى الدولي لذلك كلف نوري السعيد في 15 ايلول سنة 1950 بتشكيل الوزارة الحادية عشرة ، وكان من كلفه هو الامير زيد وكيل الوصي على عرش العراق الامير عبد الاله .
ظروف تكليفه ، كانت ظروف مزدحمة بالأحداث المحلية والعربية والاقليمية والدولية .كان الدكتور مصدق قد أمم نفط ايران وكان الشعب في العراق يريد من الحكومة ان تفعل مثلما فعل الدكتور مصدق .الشارع العراقي ممثلا بالأحزاب القومية ، والوطنية الديموقراطية فضلا عن الاحزاب الايديولوجية الثورية ومنها الحزب الشيوعي ، كلهم كانوا يرون ان الشركات الاحتكارية النفطية تغتصب حقوق العراق ، لهذا دعت الاحزاب الى تأميم النفط وكان محمد حديد يكتب المقالات في هذا الاتجاه والف كراسا بعنوان ( تأميم النفط) ورأى نوري السعيد ان لابد من المواجهة او التوصل الى حل وسط مع الشركات النفطية الاحتكارية فكانت اتفاقية المناصفة المعروفة .
وزارة نوري السعيد الحادية عشرة ، تشكلت يوم 16 ايلول 1950 واستقالت يوم 10 تموز 1952 وخلال هذه المدة شهدت البلاد احداثا جمة وقبل ان اتحدث عن هذه الاحداث اقول انها كانت وزارة قليلة العدد اذ لم يكن عدد اعضائها مع رئيس الوزراء يتجاوز ال (7) وزراء وقد حدثت حركة تعديلات لها ، وكان نوري السعيد قد احتفظ بمنصب وزير الداخلية وكالة مع ان صالح جبر اراد هذه الحقيبة او لنقل الامير عبد الاله الوصي على العرش هو من اراد ان يتولى صالح جبر وزارة الداخلية ، لكن نوري السعيد كان يعرف ما سوف تواجهه البلاد من مخاطر وتحركات شعبية ، وخاف ان يحدث ما حدث خلال وثبة كانون الثاني 1948 ، واضطرار صالح جبر الى الاستقالة آنذاك ..عين ماجد مصطفى ممثلا عن الاكراد في وزارته ، ومنحه حقيبة الشؤون الاجتماعية وجاء بنسيبه خليل كنة وزيرا للمعارف وعين شاكر الوادي لوزارة الدفاع وكلفه بإدارة وزارة الخارجية وعين ضياء جعفر وزيرا للاقتصاد وعبد الوهاب مرجان وزيرا للمواصلات والاشغال ووكيلا لوزارة المالية ومعنى هذا انه تولى بنفسه مسؤولية رئاسة الوزارة ووزارة الداخلية ، ومنح عبد الوهاب مرجان وزارتان يديرهما وكذلك فعل مع شاكر الوادي مع ان كان هو نفسه الرجل الاول في الوزارة او الحكومة كانت وزارة قوية ومنسجمة معه .
كان نوري السعيد يدرك حجم المسؤولية التي القيت على كاهله لذلك اكد في كلمته اثناء حفل استيزاره انها مهمة صعبة في ظروف دقيقة ، وقد اكد على الجانب الاقتصادي وقال انه يريد النهوض بالوضع الاقتصادي ، ولخص منهاج حكومة بأمرين هما البدء بالإعمار، والتقرب من المواطنين ، ومعالجة البطالة ، ، وصرف الاموال ، وكسب ثقتهم فضلا عن الرغبة في توحيد الصفوف مؤكدا ان العراق لايزال فتيا ، لكنه يحترز على رجال اكفاء .
كان تعديل امتيازات النفط ابرز ما انجزته حكومة السعيد هذه وادخلت تعديلات على قانون الانتخابات ، وهذا التعديل هو الذي كان سببا في تقديم استقالتها ؛ فنوري السعيد كان يعرف ان مجلس النواب قد اتم دورته وان الانتخابات لابد منها وان من مصلحة البلاد بعد الذي جرى في البلد والمنطقة يتطلب ، كما قال ، تعاونا وثيقا بين رجالات البلد واحزاب البلد وطبقات البلد لضمان الاستقرار الذي لا تستطيع اية حكومة تحقيقه الا بتقديم الخدمات ، وفتح صفحة جديدة في تاريخ البلد .
في عهد حكومة نوري السعيد الحادية عشرة وقعت احداث مهمة منها وفاة الملكة عالية يوم 21 كانون الاول 1950 وهي ام الملك فيصل الثاني وكان شابا تسلم سلطاته الدستورية بعد ثلاث سنوات من وفاة والدته . كما شهدت ايضا اصداء مقتل الملك عبد الله بن الحسين في 20 تموز 1951 بسبب موقفه من محنة فلسطين ونكبتها وظهرت دعاوى توحيد العراق والاردن .
ايضا القوى السياسية وابرزها حزب الاستقلال والحزب الوطني الديموقراطي اخذت تطالب بإجراء الانتخابات مباشرة وليس على درجتين .كما واجهت الحكومة مسألة سفر يهود العراق الى اسرائيل ، وتبعات قانون اسقاط الجنسية عنهم وتجميد اموالهم .كما واجهت قضية نضال المغاربة ، ووقوف القوى السياسية العراقية معهم .كانت حكومة نوري السعيد هذه تؤكد دوما في بياناتها على انها تريد تقوية الجيش ، ودعم النضال التحرري العربي ، ورفع مستوى معيشة العراقيين ، وتثبيت دعائم الاستقرار للبدء بالإعمار ، وفي عهدها اتسعت نشاطات الاحزاب السياسية السرية والعلنية وتعاظم نفوذها وازداد عدد من زُج بالسجون وخاصة سجن نقرة السلمان من الشيوعيين والقوميين والوطنيين وما كانوا يعانونه في هذا السجن الصحراوي .
بريطانيا ادركت حجم الصعوبات التي يواجهها رجلها الاول في العراق نوري السعيد ، فوافقت على زيادة رصيد العراق من الاسترليني وكما هو معروف كان العراق جزءا من الكتلة الاسترلينية ، وخرج منها بعد ثورة 14 تموز 1958 ولا ننسى ايضا ان حكومة السعيد هذه واجت مشاكل عشائرية منها ما كان يتعلق بالمنازعات بين العشائر وخاصة في لواء المنتفك (محافظة ذي قار) ، وما يتعلق بهذه المنازعات من مشاكل الاراضي وقد استحدثت وزارة السعيد آنذاك قوة جديدة من الشرطة سميت ( قوة الشرطة السيارة ) .وحاول نوري السعيد منع الوزراء من ممارسة التجارة من خلال عدم منحهم اجازات الاستيراد وقد دعا نوري السعيد متصرفية لواء الموصل للوقوف بحزم ضد عصيان اليزيدية في سنجار فاستسلم عدد من قادتهم للحكومة دون ان تراق نقطة دم .
وفي عهد حكومة نوري السعيد افتتح الوصي الامير عبد الاله (مهرجان ابن سينا) في 20 اذار سنة 1952 وكان مهرجانا ثقافيا رائعا حضرته وفود من جميع انحاء العالم وقدمت فيه خطب وبحوث ودراسات وقصائد عبرت عن وجه العراق تعبيرا صادقا .
اخيرا لابد ان اقول ان حكومة نوري السعيد الحادية عشرة فعلت قانون مجلس الاعمار رقم (23) لسنة 1950 ، واعطته دوره في الاعمار وتحسين مستوى المعيشة ، ومواجهة البطالة وعقدت الحكومة مع شركات النفط الاتفاقية المؤرخة في 3 من شباط 1952 التي قدرت بموجبها ايرادات النفط بما لا يقل عن (50) مليون دينار في كل سنة وهكذا توفرت السيولة النقدية للقيام بالمشاريع وخصص (70% ) من صافي ما تقبضه الحكومة من الواردات من شركات النفط لميزانية وزارة الاعمار كما وضعت قانونا آخر خصصت بموجبه المبالغ لتنفيذ المنهاج العام لمجلس الاعمار خلال السنوات 1951و1952 وحتى سنة 1956 .
وكان منهاج الاعمار لست سنوات يتضمن القيام بأعمال ري جبارة من قبيل مشروع الثرثار ، وخزانات دربندي خان ، ودوكان وتبليط طرق، وانشاء مستشفيات وجسور ودور سكن للموظفين والمستخدمين وجسور ومبان عامة للحكومة ومخافر للشرطة وثكنات للجيش وغير ذلك من المشروعات المهمة .
لقد شرع مجلس الاعمار بعمله ، وتغيرت الصورة بعد تسلم الدولة حصصها من اموال النفط ، وسرعان ما اصبح البلد جاذبا للشركات الاستثمارية العالمية ودخلت تلك الشركات في مشاريع وتعهدات مالية مع مجلس الاعمار لإنشاء السدود والجسور ، وتعبيد الطرق وتنظيم امور الري واقامة المنشآت الكثيرة التي امتصت البطالة وتحسن مستوى المعيشة وكثرت حركة البناء وظهر ذلك واضحا في بغداد والمدن العراقية الاخرى .وهذا كله مما سجل في صالح حكومة نوري السعيد الحادية عشرة .
2970 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع