صلاح الأمين
وقفات مع اللواء حسام محمد أمين -رحمه الله-
جمعتنا الأيام مع المرحوم حسام محمد أمين في بدايات حربنا مع العدو النظام الإيراني الدجال، وكنت حينها في لواء مقاومة الطائرات/ الصواريخ في التاجي (لواء 145)، كانت أيام عصيبة في أيامها الأولى حيث كانت الطائرات الإيرانية تغير على بلدنا وعاصمتنا العزيزة وكنا نتراكض لإسقاطها بأسرع وقت عاملين على منظومات صواريخ روسية الصنع اشتراها العراق عام 1972م، وهي من تكنولوجيا الخمسينيات وعملت عليها تطويرات وهي تشبه بطاريات الصواريخ التي استخدمتها مصر بعد حرب 1967م، وما تلاها من معارك وإسقاط الطائرات الصهيونية المعادية على القطر المصري العزيز والتي أطلق على تلك المعارك اسم "حرب الاستنزاف".
عملنا كان التنقل بين بطاريات الصواريخ حول بغداد والتأكد وإصلاح المنظومات لها ونحن طاقم من المهندسين بحدود سبعة يقودهم الرائد المهندس ع. العبيدي وهو نعم الأخ ونعم الصديق وبحق أنه رجل عالي الهمة والأخلاق أطال الله في عمره.
وحيث الحرب تستمر حيث كنا في المعسكرات طول الوقت، حينها كان المرحوم حسام محمد أمين -رحمه الله- مساعد أمر اللواء والذي التقيت به ولفترات قصيرة للسلام في مقر اللواء عند تواجدنا هناك.
وفي يوم رن الهاتف المحوري (هاتف القابلة المحوري (1)- وهو خط ساخن وسري يتم خلاله التحدث بالأمور العسكرية الخاصة). وكان من الغالب والمتبع أن يتكلم عامل البدالة في اللواء ويعطي اسم الطالب ويتم التحويل للمكالمة للشخص المطلوب.
قمت أنا ورفعت سماعة الهاتف، فرد على شخص لم أعرف من هو وأنا بطبعي عصبي المزاج فحدث سوء فهم في الحديث والذي تمنيت ان لا يكون، وإذا بعدها فهمت أن المرحوم حسام محمد أمين هو من كان على الطرف الآخر. بعد فترة قصير تمت مخابرة أخرى من قبل معاون آمر اللواء للشؤون الفينة مقدم ع. الصالحي، وتكلم مع رئيس المجموعة والذي أبلغني أن اذهب إلى اللواء غداً لمقابلة أمر اللواء العقيد ن. الجبوري....
كانت الليلة طويلة وتضاربت الأفكار في مخيلتي ماذا سوف يحدث وأنا ملازم احتياط مهندس في ذلك الوقت، ومضى الليل بطيئاً.
ذهبت بوحدي لي إلى مقر اللواء في اليوم التالي، حيث تتضارب الأفكار في رأسي عما يحدث ووصلت اللواء وعرفت أن المرحوم اشتكاني إلى آمر اللواء وما حدث من سوء تفاهم على الهاتف، لمحت المرحوم وهو يخطوا أمامي ووجهه عصبي وممتعض مني وسرنا ودخلنا إلى مقر آمر اللواء، بالطبع تم الكلام وأعربت عن أسفي وندمي واعتذرت للمرحوم حسام محمد أمين.... وخرجت عائداً لألتحق بمجموعتي.
مرت الأيام ونقل المقدم حسام محمد أمين إلى وحدة أخرى في معسكر أبو غريب وطلبني بالاسم للعمل معه هناك، وطلب مني ترشيح بعض الفنيين ممن يعملون في اللواء لغرض نقلهم للعمل معي في المهمة جديدة. التحقت وكم كانت هي أيام عمل وتحدي حيث كان مكاننا إجراء أعمال الصيانة رقم واحد على محطات الرادار الملحقة ببطاريات الصواريخ، حيث يتم جلب المحطات القديمة والتي تجاوزت ساعات اشتغالها الحد المسموح ويجب أن تجرى لها أعمال الصيانة رقم 1 وكان هناك خبير روسي يعمل معنا. بالطبع كان العمل مستمر وكان المرحوم يتفقدنا بين الحين والآخر ويثني على العاملين من صغيرهم إلى كبيرهم ويسأل إذا كانت الأمور جيدة وهل هناك نقص يؤثر على الإسراع والانتهاء من العمل بأسرع وقت وخصوصا أن الحرب مستمرة.
وحيث أننا ضباط في تلك الوحدة من الواجبات التي نكلف بها بعد انتهاء الدوام أن نكون ضباط خفر من اليل إلى اليوم التالي، وكنت أنا وبعض الإخوان نتناوب عليها. وخلال تكليفي بمسؤولية ضابط الخفر، كان بعض الجنود وبعض النواب الضباط وأغلبهم من كبار السن وأعرفهم من عملي خلال بطاريات الصواريخ من سنوات خدمتي الإلزامية عام 1978م، والتقيتهم خلال التحاقي بخدمة الاحتياط في الحرب العراقية الإيرانية. كانوا يأتي البعض لي عند نهاية الغروب ويطلبون مني أن اسمح لهم للنزول إلى البيت، وكنت أسمح للبعض منهم احتراماً وتكريما لما يقدمونه من عمل خلال اليوم.
في أحد الأيام أرسل لي المرحوم طالباً حضوري إلى مكتبه، حضرت وطلب مني الجلوس وذكر لي بوجهه الباسم، وصل إليه أنني أسمح للبعض من العاملين بالذهاب للبيت ليلاً وأكد أنه من حقي ومن مسؤوليتي ولكن يخاف على من تحمل مسؤولية هذا العمل إذ لا سامح الله حدث ما لا يحمد عقباه وخصوصاً نحن في حال حرب وإنذار دائم، وما أحرجتني في حديث المرحوم حسام ذكره إذا كنت أخجل أن أردهم، قائلاً لي إن المقدم حسام أمرني بهذا... وكم أحرجني بكلامه المهذب والصريح خوفاً على....
مرت الأيام بالعمل معاً وفي يوم جلسنا وتحدث لماذا لم أتطوع في الجيش خصوصا وان خدمتي طالت خمسة سنوات خلال الحرب، وحقيقة جذبني بحديثه وطلبه وهو أخ لي واحترمه كثيراً فوافقت وقدمت طلباً بالتطوع، رغم أن هذا الموضوع طرح على من قبل آمر اللواء قبل سنتين من هذه الحادثة ولم أوافق. وما هي إلا أيام وإذا صدر قرار بتسريح المهندسين الاحتياط ممن تجاوزت خدمتهم الخمس سنوات، ويالها من فرحة في تلك الأيام، فطلبت من المرحوم حسام بترويج معاملة تسريحي من الجيش، وذكرني بقرار التطوع فطلبت منه أنني أرغب التسريح ونزل عند طلبي وروج لي معاملة التسريح.
استمرت علاقتي بالمرحوم إلى أن غادرت العراق خلال الحصار الظالم عام 1994م خرجت من العراق...
لقد كنت أتابع أخباره واسمع واقرأ وفرحت يوم أفرج عليه وكنت على اتصال بين الحين والحين معه بالايميل وكنت أتمنى أن ألتقيه في يوم من الأيام ولكن القدر أخذه مني ومن أحبابه وفقدنا صديقاً وأخا عزيزاً بحق يفخر به العراق وهو فعلاً نعم الرجل الشامخ بأخلاقه وعلاقته وتهذبه، طيّب الله ثراك أخي أبا مهند وأسكنك الله جنان النعيم. لقد خلّفت وراءك إرثا من الوطنية والعلم والتواضع يعزز صمود وانتصار شعبنا على البغاة.
وانا لله وانا اليه راجعون
1103 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع