محمد حسين الداغستاني
شعب يتوق إلى التغيير- الانتخابات (المبكرة ) هل هي الحل ؟
في بيئة مشحونة بالغضب على سوء الأوضاع الحياتية والنقمة الشعبية العارمة على الطبقة السياسية الحاكمة في البلاد منذ العام 2003 م نتيجة إخفاقها الذريع في إدارة ملفات الإعمار والخدمات والتنمية ، وفشل الإيفاء بالوعود السخية الوردية والتي تحولت الى مجرد حلم مستحيل على ضوء الإنتهاكات التي تطال حريات المواطن ، وإستباحة مقدساته ، وإشاعة الفساد في جميع مفاصل الدولة ، إندلعت ما عرف بـ (ثورة تشرين) بعدما خرجت الملايين في العاصمة بغداد وبعض محافظات الوسط والجنوب في 1 /10 / 2019 ، وإكتسحت أمامها العوائق والموانع وواجهت ببطولة مشهودة الرصاص الحي والهراوات والعنف المفرط لتطالب بإزاحة الطبقة السياسية الحاكمة والتي كتمت على أنفاس المواطن العراقي طيلة الأعوام السابقة متبرقعة بالدين والطائفة لتحقيق مصالح شخصية بحتة على حساب جوعه ومعاناته وفقره ، وكان من ضمن مطاليب الثورة حل البرلمان الحالي وإجراء إنتخابات مبكرة ، نزيهة وحرّة وصولاً الى برلمان جديد يعبر عن مصالح وإرادة الشعب ويضع تحقيق هدف الرخاء والأمن والإستقرار للعراقي أمام نصب عينيه .
هل الإنتخابات (مبكرة ) فعلاً ؟
ولأن الثورة الداعية الى التغيير الجذري في المنظومة السياسية للبلاد تحولت الى حقيقة فعلية لا يمكن تجاهلها بأي حال من الأحوال خاصة بعد سقوط مئات الشهداء وفشل محاولات الترويض والتهديد والترويع ، بادر رئيس مجلس الوزراء في بيان متلفز يوم 31/ 7/ 2020 في محاولة لإمتصاص غضب الشارع الى تحديد يوم 6/6 /2021 موعداً لإجراء الإنتخابات (المبكرة) بعد أن يتم إكمال النقص في هيكلية المحكمة الإتحادية العليا التي عليها المصادقة على نتائج الإنتخابات لتمنحها الشرعية الدستورية ، وحل مجلس النواب الحالي ، إلاّ أن الحكومة تراجعت عن وعدها وحددت يوم العاشر من تشرين الأول المقبل موعداً جديداً لإجراء الانتخابات زاعمة أن هذا القرار ناتج عن مقترح للمفوضية العليا للإنتخابات لأسباب فنية من شأنها أن تخل بنزاهة الأنتخابات وعدالتها ! ، لكننا وبتدقيق الموعد الجديد نجد أن إجراء الإنتخابات لا يبعد سوى نحو ستة أشهر لا غير عن موعد الإنتخابات الطبيعي وبذلك فإن إطلاق صفة (المبكرة) على الإنتخابات قد لا تكون واقعية أو دقيقة، كما أن الكثير من الناشطين في الحراك الإحتجاجي يرون بأن الإشكال لا يكمن في تأجيل موعد الإنتخابات مع أهمية الإلتزام به ، وإنما يتعلق بالتحدي الحقيقي في قدرة الحكومة الحالية على تأمين الأجواء الملائمة المتعلقة بالأمن الإنتخابي ومعالجة مشاكل إنفلات السلاح في الشارع وحصره بيد الدولة ، ولجم السلوكيات العنيفة والعدائية ضد شباب الثورة وكيفية ضمان نزاهة الإنتخابات .
أزمة الديمقراطية
وبالعودة الى مدى حرص العراقيين على أن الإنتخابات (المبكرة) ستضمن ضمن أجنداتها الديمقراطية للبلاد ، نجد بأن الهمّ الشعبي تتصدره قضايا أولويات الحياة من أمن وإقتصاد ومعالجة سريعة لتداعيات الخراب الإقتصادي والصناعي والزراعي على حياة المواطن والتأكيد على توفر الحصانة القانونية وتحقيق المساواة بين المواطنين بغض النظر عن الدين أو الطائفة أو القومية وبالتالي فإن الإنتخابات ستتحول الى منصة لممارسة الديمقراطية ، وفرصة أكيدة لتغيير النظام السياسي القائم ، قد يكون حلماً بعيد التحقق ، ولعل من أهم الدوافع التي تبعد جلّ العراقيين عن توقهم للتحول الديمقراطي هو عدم ثقتهم بالنظام السياسي القائم ، وصعوبة أن يكون حامياً للديمقراطية بعد أن وجد الناس أنه بالتطبيق الميداني الفعلي لم يكن سوى أداة للقمع والقتل وترهيب الناشطين .
والواقع أن محاولات القوى الإقليمية والدولية أيضاً وفرض نفوذها منذ العام 2003 م ، أسهمت الى حد بعيد في عرقلة المسار الديمقراطي في العراق ، وتعزيز الشعور باليأس من إمكانية إجراء تغيير ديمقراطي جذري ونزيه وضروري ، ومع كل هذا فإن هذه التداعيات لا تحول دون المطالبة الدؤوبة بإجراء الإنتخابات كونها مطلباً أساسياً للمنتفضين وللشعب كله .. إنتخابات خالية من التزوير ومحاولات تزييف إرادة الناخب وضرورة أن تنهض المفوضية العليا للإنتخابات بمسؤوليتها القانونية والأخلاقية والوطنية لإجرائها بمهنية وإستقلالية وعدم الرضوخ لتأثير المال السياسي لشراء الذمم ، ومنع التدخل الخارجي في فرض النتائج التي تتعارض مع إرادة الناخب في الصناديق ، وحرمان التشكيلات المسلحة من المشاركة في العملية الإنتخابية ومنعها من وضع العراقيل أمام إجرائها من منطلق البقاء لفترات أطول في البرلمان والخشية من فقدان المقاعد وإضعاف دورها المؤثر على القرار السياسي للبلاد ، وتجاهل حالة الغليان الشعبي
السؤال الملح
وفي النهاية فإن هناك من يؤمن بأن توفر الشروط الموضوعية والنزاهة لتحقيق الهدف الإستراتيجي في التغيير ، والإنتقال بالبلاد الى وضع سياسي جديد يبعدها عن هيمنة القوى الشعاراتية والتباكي على حقوق وحريات المواطن الموجوع قد يكون ممكناً . إلاّ أن السؤال الملح الذي يجول في العقل العراقي : هل الإنتخابات القادمة ستوفر للشعب طموحه المشروع نحوالتغيير المنشود فعلاً ؟
2186 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع