قصة قصيرة - الحاجز

                                                          

                         عبد الرزاق نعمة الأسدي

قصة قصيرة -الحاجز

اولى خطواتنا في الكلية . غمرتنا السعادة و جعلتنا نعيش في عالم آخر نعانق أحلامنا وتزهو أيامنا. معي في المرحلة صديق تعرفت عليه. كان متميزاً بحديثه الممتع وهدوئه الرائع. ينتقي كلماته التي تدخل السرور الى الفؤاد،اما ملامحه فكان وسيما جداً . وكانت طلعته تسر الناظرين وابتسامته تدخل القلب بلا استئذان. أما أدبه وثقافته فيشدانك اليهِ فهو ينحدرمن عائلة متواضعة، نلتقي في نادي الجامعة. نحتسي الشاي وربما قطع البسكويت الهش . كانت القناعة تملأ كيانهُ وكان يعيش بلا تذمرٍ او شكوى ولا ينظر للآخرين بغيرة او حسد في دراسته . اجل كان حاد الذكاء كثير القراءة ، وكان له حضوره وآراؤه السديدة لاسيما حين يتدفق مناقشا اساتذته حتى كسب ثقتهم واحترامهم . كان ينال أعلى الدرجات في الاختبارات فيبتسم نصف ابتسامة ويغادر دونما ضجيج رغم ان الكثيرين يتقافزون أمام لوحة النتائج . ولطالما دأب يبحث عني فنذهب سويةً لنناقش الإجابات بفرح غامر.

هدى طالبهٌ متميزة بكل شيء.. ثيابها الباذخة الأنيقة .. عطرها .. طولها الفارع وقوامها الممشوق وحديثها الهادئ كما لو كان همسا فيسحر السامعين متلذذين بحديثها الممتع .تجتمع الطالبات حولها ينظرن بانبهارٍ لها ويسألنها عن كل شيء فتجيب بدلال ورِقة. كان الغنى الفاحش يتمثل واقعاً يكشف مرارة حياة البعض. لاحظ الجميع ان عينيها لا تغادران ياسر صاحبي . لعل وسامته المميزة هي التي تسللت الى قلبها، صارت تسأل عنه كلما توارى عن الأنظار. لم تكن تتنردد اذ تقول له : "ياسر انا احسدك لانك تمشي كثيراً اما انا فلا اعرف المشي تأخذني السيارة من باب بيتنا الى باب العبارة حيث تقلنا الى الضفة الاخرى لتكون سيارات الجامعة في انتظارنا . حتى في حديقه منزلنا الواسعة قليلا ما اعتدت على المشي بئؤدة
.. ماذا عنك ياياسر ؟
ــ اسير كل يوم ثلاث ساعات او اكثركيما اقضّي مشاوير للبيت اوالمكتبة ..
ــ اين تسكن ؟
ــ في المشراق القديم ..
ــ هل يعمل والدك في التجارة ؟
ــ كلا ..
ــ اذن ماذا يعمل؟
ــ هو بستاني .. فلّاح ..
ــ فلّاح ؟ !
ــ اجل انه فلاح .. يعشق الأرض وتعشقه ..
كما لو ان صاعقهً أصابتها. اصفر وجهها وبانت حيرتها وقالت بتلعثمٍ واضح :
ــ لابد انك تمزح ..
ــ لقد ذكرت لكِ الحقيقة فأبي فلاحٌ بسيطٌ افتخر به فهو من اخذ بيدي وبذل كل مافي وسعه حتى اوصلني الى هذا المكان .
تغيرت نبرة صوتُها ثم بادرت للقول :
ــ تذكرت مشواراً ينبغي علي ان انجز شأنا ..
ثم غادرت المكان .
لم تعد تجلس معه وانقطعت عن السؤال عنه، ولم يفاجأ ياسر.. تابع حياته وكان يعلم انه لا ينتمي لعالمها وان حاجزاً شاهقاً يفصل بينهما . ذلك الحاجز مزق أشرعة اللقاء !ٍ

   

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

694 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع