بسام شكري
هدنة ام تسوية
أحد عشر يوما ونصف هي فترة الحرب التي دارت رحاها في الأراضي الفلسطينية المحتلة بين إسرائيل والفلسطينيين والتي بدأت عندما منع الجيش الإسرائيلي شباب مدينة القدس من الجلوس على مدرجات في مدينة القدس ثم قام المستوطنين بهجوم على حي الشيخ جراح لاحتلال منازلهم بحجج واهية ثم دارت اشتباكات عنيفة في مدينة القدس وفي المسجد الأقصى بين المصلين وجيش الاحتلال ثم دخلت غزة على الخط واخذت الصواريخ تنهال على المدن الإسرائيلية حيث بلغت أربعة الاف صاروخ حسب بيانات الجيش الإسرائيلي وبالمقابل ردت إسرائيل بضربات جوية وقصف مدفعي أوقعت خسائر غير متعادلة بين الطرفين , وحسب الأمم المتحدة فقد تم تدمير 450 مبنى في غزة ونزوح 52 الف فلسطيني من منازلهم وتجاوز شهداء غزة 372 شهيد واكثر من أربعة الاف جريح ومعوق وقامت إسرائيل باعتقال 1960 فلسطيني نصفهم من عرب الداخل واما إسرائيل فخسائرها اثنى عشر قتيلا وخمسين جريحا لكن لماذا وقفت الحرب ولماذا اعتبر الفلسطينيين انهم انتصروا وماذا حققت حرب غزة ؟
ما حققته حرب غزة كثير واكثر من ما توقعته إسرائيل وكافة الأطراف الفلسطينية وهو ببساطة - لفت انتباه العالم الى القضية الفلسطينية بشكل كبير والى جرائم إسرائيل بحق المدنيين الامنين وإيقاف اقتحامات المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح وتلاحم فلسطينيي الداخل مع بقية الشعب الفلسطيني وخروج مظاهرات وتصادم مع قوات الاحتلال واشتباكات في داخل إسرائيل بين العرب واليهود والوعي الدولي لقضية الشعب الفلسطيني عندما شاهد الأوروبيين على شاشات التلفزيون التلاحم الإسلامي المسيحي ومشاركة رجال الدين المسيحيين في كافة اعمال التظاهرات والاسعافات والمقاومة وهذا سبب ضغطا شعبيا هائلا على الدول الأوروبية بان إسرائيل تحارب العرب مسلمين ومسيحيين ونتيجة للحرب كذلك تم اغلاق مطار بن غوريون وتعطل الاف المسافرين مما اثار ضجة عالمية ضد إسرائيل , ونجاح اول واكبر اضراب فلسطيني موحد تمت الدعوة اليه من قبل شباب القدس على الفيس بوك بطريقة لم يتوقعون تلك الاستجابة من قبل كافة الأراضي الفلسطينية , لكن الحرب لم تنتهي بعد وليس هناك أي اتفاق او تسوية بين الطرفين والهدنة تعني إيقاف الحرب لأجل مسمى , في البداية إسرائيل حققت نصرا إعلاميا ساحقا في الاعلام الأوروبي وتأييد معظم الحكومات الأوروبية وذلك خلال الأسبوع الأول من الحرب لكن الموضوع سرعان ما انقلب راسا على عقب , فالإعلام الأوروبي ومنذ اللحظة الأولى لاندلاع شرارة الحرب اخذ يمجد في إسرائيل وتحول الى لفت انظار الأوروبيين الى عظمة إسرائيل واخذت كل برامج التلفزيون والراديو تذكر اسم إسرائيل فحتى برامج الطبخ والأطفال اخذت تبث قصص عن إسرائيل وجمالها وتاريخها وتذكر اسمها بمناسبة وبدون مناسبة وقد صادف مسابقات الأغاني الأوروبية يوروفيشن في بداية العدوان وكانت الكاميرا طول وقت البرنامج موجهة على وفد إسرائيل وعلى اعلام إسرائيل حتى تم اختيار مذيع إسرائيلي من بين المذيعين الأربعة المقدمين للبرنامج , لكن بعد الأسبوع انقلبت الحالة وتراجعت ماكنة الدعاية الكاذبة وتوقف المنافقين والمضحك ان الحلقة الثانية من برنامج مسابقات الأغاني الأوروبية لم يظهر علم إسرائيل طوال ساعتين من البث واعلاميا فقد توقف الدعم الرسمي الأوروبي لإسرائيل واخذت وسائل الاعلام تنشر اخبار الحرب الحقيقية وصور الضحايا المدنيين وفي اول عطلة نهاية أسبوع خلال الحرب انطلقت تظاهرات عارمة في جميع دول أوروبا و أمريكا وكندا وكانت صدمة كبيرة لألمانيا التي تحتضن اربع ملايين لاجئ قد تحولوا الى كتلة من الغضب على جرائم إسرائيل هزت الراي العالم الألماني وقد تعاطف مع السبعة ملايين لاجئ عربي في أوروبا اضعاف عددهم من المواطنين الأوروبيين وقد انعكست تلك التظاهرات على القرارات الأوروبية الرسمية وخصوصا موقف فرنسا مما دعا لاتحاد الأوروبي للضغط على إسرائيل لإيقاف المجازر.
ما هي الدروس المستنبطة من حرب غزة؟
الدرس الأول ان السلطة الفلسطينية وكافة الفصائل العاملة معها قد اثبتت فعليا انها أصبحت خلف المرحلة واخذت تلهث وراء الجماهير بدلا من ان تقودها وقد فقدت مصداقيتها لعجزها ولكمية الفساد الإداري والمالي الذي خلفته وأثبتت فشلها في التعاطي مع الموضوع، لذلك يتوجب عليها التنحي وفسح المجال للشباب الحي ليقود بلده في مرحلة أصبح العقل هو السلاح الأقوى في معركة الحياة.
الدرس الثاني ان حماس يفترض ان تتعامل مع الواقع الحالي على ان النصر هو نصر للشعب الفلسطيني وللعرب ولمصر التي بذلك كل الجهود لإيقاف العدوان وليس نصرا لحلفائها وعليها ان تتخذ سياسة مستقلة عن تأثيراتهم وان تسعى بالفعل وليس بالقول لتوحيد الفلسطينيين بدلا من ان يطلق قادتها على المسيحيين الفلسطينيين مثلا تسمية جالية والمسيحيين هم جزء أساسي من الشعب الفلسطيني وهم الشوكة التي في عين إسرائيل والقوة الفاضحة لإسرائيل امام العالم المسيحي وحتى اليهود المؤيدين للحق الفلسطيني كالسامريين مثلا والقوى اليسارية وغيرهم فهناك يهود من مختلف طبقات المجتمع الإسرائيلي مع الحق الفلسطيني وهذا ما لمسناه من تظاهرات اليهود في القدس الغربية اول أيام العدوان ورفع اليهود العلم الفلسطيني وهذا يحدث لأول مرة في تاريخ إسرائيل , لذلك على حماس اذا اردت ان تكون ضمن معادلة المستقبل الفلسطيني عليها استقطاب الجميع للوصول الى هدف تحرير فلسطين وفي حال استمرار حماس بنفس سياسة الاقصاء وبث خطاب الكراهية والفرقة بين أبناء الشعب الواحد فان مستقبلها سيكون كمستقبل السلطة الفلسطينية فعندما تكون في القيادة عليك ان لا تتصرف وكأنك في المعارضة وبالخلاصة فان حماس كحركة اذا ارادت الاستمرار فعليها ان تتخلى عن الفكر المتطرف للإخوان المسلمين .
الدرس الثالث الان وقد صار للعرب ملايين المناصرين من اللاجئين في اوروبا وامريكا وأصبح لديهم ورقة ضغط ستؤثر على القرار الأوروبي عشر سنوات قادمة على الأقل لذلك يجب توثيق الروابط مع اللاجئين من جانب والعمل على توحيدهم في منظمات مجتمع مدني تدافع على حقوقهم من جانب اخر
الدرس الرابع ان غزة كدولة مستقلة منذ خمسة عشر عاما كانت تتلقى مساعدات من تركيا وإيران طوال تلك السنوات لم تؤدي الى انتاج صواريخ بالحجم والقدرة المؤثرة والتي تخترق القبة الحديدية الإسرائيلية وان أربعة الاف صاروخ أطلقته حماس على إسرائيل لم تؤدي سوى الى أثني عشر ضحية مع خمسين جريح، والسؤال الجوهري هو لماذا لم تقوم إيران بتزويد حماس بطائرات مسيرة لقصف مدن إسرائيل مثلما تزود الحوثيين لقصف مكة والمدينة ومواني ومصافي البترول في السعودية إذا كانت إيران فعليا تريد المساعدة؟ ونفس السؤال موجه كذلك الى تركيا التي تقوم بتصنيع الطائرات المسيرة في أراضيها بترخيص كندي وتستعملها في حروبها في ليبيا وأذربيجان؟ علما بان القبة الحديدية لا يمكنها اعتراض الطائرات المسيرة لأنها غير حرارية وبأحجام مختلفة ويمكنها الطيران بارتفاعات منخفضة، وأخيرا لماذا اعطينا كل تلك الضحايا ولم يكن لدينا قبة حديدية او يكون لدينا طريقة لتقليل هذا الكم المهول من الضحايا؟
خلاصة القول ان التغيير على الموقف الدولي لصالح الشعب الفلسطيني له عدة أسباب لم يكن للسلطة الفلسطينية وللتنظيمات الفلسطينية كافة اي دور في التأثير على الموقف الدولي وهناك أسباب عديدة منها التوازنات الدولية الجديدة وانتهاء عصر الكاوبوي الأمريكي بانتهاء فترة الرئيس الامريكي ترامب ومن اسبابه كذلك وجود ملايين اللاجئين العرب في أوروبا وامريكا وكندا وقد اصبح معظمهم مواطنين في تلك الدول و أصبحوا جزءا من تلك المجتمعات ويمثلون الان قوة ضغط عربية مؤثرة على القرار السياسي الأوروبي والامريكي لذلك يجب استثمار تلك الحالة والتوقف عن خطاب العنتريات فقد قارعنا عدونا سبعين عاما ولم نؤثر على القرار الدولي مثلما حصل الان , وعلى العرب اجبار الفلسطينيين بكل الوسائل على توحيد صفوفهم واجراء انتخابات جديدة لاختيار شباب طموح يقود المجتمع الفلسطيني ويصحح أخطاء وملابسات اتفاقيات السلام مع اسرائيل. ولتعلم السلطة الفلسطينية وكل التنظيمات الفلسطينية الموجودة حاليا على الأرض ان القرار قريبا سيكون للشعب الفلسطيني بعيدا عن مزايداتها وصراعاتها وفشلها المتكرر وذلك لان العالم قد تغير وستنبثق من الشعب أحزاب وتنظيمات جديدة تضع الجميع في خانة الماضي.
لقد كنت صريحا مع الجميع من اجل مصلحة الشعب الفلسطيني واتشرف لو ان من انتقدته يقوم بتصحيح مساره ولا يهمني إذا ما زعل البعض الاخر فان المصلحة العليا فوق الجميع واتشرف لو تمت الاستفادة فلسطينيا وعربيا من الأفكار التي طرحتها.
بسام شكري
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
806 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع