لطيف عبد سالم
مؤسسةُ فرسان عمُود الشِّعر تؤبن الأديب الراحل منار القيسي، ووالدة الشاعِر إياد الخفاجي
تأكيدًا لمواصلةِ نهجها الداعم لاستذكارِ الشُعراء الراحلين وأهليهم، وترسيخًا لما من شأنِه المُساهمة في غرسِ قيم المحبة والتعاضد والتآزر، بالإضافةِ إلى سعيها الدائم لتدعيم جسور التواصل والتعاون ما بين الشُعراء والأدباء والسائرين في دروب التفافة، وانطلاقًا من إدراكها لأهميةِ تعزيز التقاليد التي بمقدورها تكريس آليات المسؤولية الاِجتماعيَّة، نظمت مؤسسة فرسان عمود الشِّعر الثقافيَّة يوم الخميس 4 نيسان 2021م الموافق لليومِ الثاني من شهرِ رمضان المبارك، وبرعاية شخصيَّة من رئيسِ المؤسسة وعميد الشُعراء العرب المهندس عباس شكر، حفلًا تأبينيًا على روحِ الشاعِر الراحل المهندس منار القيسي، ووالدة الشاعِر الدكتور إياد الخفاجي (طيب الله ثراهما)، واسكنهما فسيح جنانه. وتأتي هذه الأمسية التي جرت فعالياتها في قاعةِ جمعية الثقافة للجميع بالكرادةِ في العاصمة بغداد؛ تعبيرًا عن احترامِ إدارة مؤسسة فرسان عمود الشِّعر الثقافية للشُعراء، ووفاءً لمن رحلوا عن عالمِنَا منهم، وتثمينًا لقيمةِ المنجز الأدبي الذي يتوجب أنْ يكونَ ترجمة أمينة لمعاناةِ العامة وهمومهم.
احتفالية التأبين هذه التي حضرها نخبة من الشُعراءِ والأدباء والإعلاميين والصحفيين، وبعض رؤساء المؤسسات الثقافيَّة، فضلًا عمَن هم مهتمين مِن المثقفينِ بأمورِ الشِّعر والأدب، تُعَدّ التجربة الثانية التي أقدمت عليها مؤسسة فرسان عمود الشِّعر الثقافية، حيث أقامت في العامِ المنصرم حفلًا تأبينيًا مواساة للشاعرين د. حازم الشمري، وحماد الشايع لمناسبةِ وفاة والدتيهما (رحمهما الله تعالى)، واستذكارًا للشاعِرِ المِصري الراحل جلال عابدين (رحمه الله تعالى). وقد تضمنت تلك الاحتفاليَّة التباينيَّة مشاركة الشُعراء بمرثياتٍ في الأحبة الراحلين، بالإضافةِ إلى مأدبةِ عشاء على أرواحِ المؤبنين و أرواحِ موتى الحاضرين.
وقد استُهلّ الحفلُ - لذى جرى بمشاركةٍ وجدانيَّة لشُعراءٍ من محافظاتِ بغداد وبابل ونينوى - بتلاوةِ آياتٍ من الذكرِ الحكيم تلاها الشَاعِر أسعد الزاملي الذي تولّى أيضًا عرافة فعاليّات الأمسية بسلاسةٍ، والتي بدأها مُرحبًا بجمهورِ الحاضرين، ومؤبنًا الراحلين طيب الله تعالى ثراهم بالقول:
ودعته فجرا بفيض الادمع *** وبعبرة كادت تحطم اضلعي
من صاحب ما كنت احسب انني*** ارثيه في عز العطاء الاينع
بعدها أعلن الزاملي عن أولى فعاليات الأمسية التي تجسدت بكلمةِ الشاعِر المهندس عباس شكر رئيس مؤسسة فرسان عمود الشِّعر الثقافيَّة وعميد الشُعراء العرب، والتي بدأها بحمدِ الله عزّ وجلّ والثناء عليه، وثنَّى بالصلاةِ والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وصحبه، ثم طلب من الحضورِ الكريم الوقوف دقيقة حداد وقراءة سورة الفاتحة ترحمًا على أرواحِ من اجتمع الحاضرين من أجلِهم، وعلى أرواح شهداء الوطن، وأرواح أموات الحاضرين جميعا، وأموات المؤمنين والمؤمنات. ومن ثم قرأ مرثية بالمناسبة، نقتطعُ منها:
آلمتنا وفاتكم يا منارُ *** ربَّ عيشٍ يملُّ منه الدارُ
ربَّ موتٍ سعادةٌ وهناءٌ *** فنجاءٌ فرفعةٌ فقرارُ
وخاطب شكر الحضور قائلًا: " وإذا لم يكن للشِّعرِ دورَا في هكذا مناسباتٍ مؤلمة، فلن يكون له لزوم بالتأكيد"، وعبر عن ذلك شِّعرًا:
فليس الشعر إلا محض روحٍ *** وقافيةٍ وأنغامٍ تدورُ
وأفضل ما يجود به يراعٌ *** لذكرُ الله يبقى لا يبورُ
وما مدح الطريفُ ولا تليدٌ*** ويُعلي شأنه فيه الصغيرُ
كمدح المصطفى في كل نادٍ*** فقد زانت بكفيّه الدهورُ
وما ولدت حرائرُ مثلَ طه*** وأعجزُ ما يشبّههُ الضميرُ
بلادي هل فرزدقُ فيك يبكي*** وينزفُ من تشظّيكم جريرُ
شُغلنا باختلافٍ قد تولّى*** سكارى لم تدانينا الخمورُ
وأعجبُ أنَّ قتلك مستحرٌّ*** وأعجبُ أن يلازمك الحرورُ
وفي ختام كلمته، عبر راعي الاحتفاليَّة عن شكرِه الجمع الكريم على هذا الحضور المهيب.
وتوالت بعد ذلك القراءات الشِّعريَّة، حيث قرأ الشاعر حسين الخفاجي الذي قدم من محافظةِ بابل قصيدته الموسومة (رحيل الجمال):
تبكيكَ عيني يا منارُ فأنني *** بجفاكَ مفقودُ الهويةَ عاني
قد غابَ عنا شَخصهُ وحديثهُ *** كالشمسِ غابت عن ربى الوديانِ
حزني منارُّ يرتقي لمصيبةٕ *** فتضجُ أوراقي على أحزاني
وتَعودُ تسألني هُناكَ احبةٌ *** فأقولُ صبراً فالمصابُ شجاني
وهناكَ احبابٌ تقولُ وترتجي*** بالعطفِ والدعواتِ والايمانِ
ناداكَ ربكَ يا حبيبَ قلوبنا*** فغدوتَ تحبو مسرعاً لِجنانِ
أبكي جمالكَ كلما أرنو لهُ *** وقصائدي حُبلى تَهزُ كياني
أواهُ من آهٕ تَغيرَ عِطرهُا*** فكأنما مرت بغيرِ زمانِ
فأخلد قريرَ العينِ ياابن نجائبٕ *** فلقد ظفرتَ بجنةَ الرحمنِ
ثم أنشدَ الشاعر ماجد الربيعي قائلًا:
علــى أيِّ بــابٍ يا منــارُ ستطــرقُ*** وفي أيِّ نجمٍ وجهُكَ الغضُّ يُشرقُ
وكيفَ دعَتكَ الحادثاتُ لهولِها*** وكيفَ ارتضيتَ الصمتَ حولكَ يُطبقُ
وكيفَ قبلتَ الهجرَ واخترتَ دربَهُ*** ومالوّحَت كَفّاكَ والهجرُ مُرهِقُ
بعدها ارتقى المنصة الشاعر رافد القريشي، وقرأ قصيدته الموسومة (هو لا يشبهني .. رغم مشاركتنا للوجه ذاته):
سأُبعثُ رغمَ موتِ الروحِ حَيا*** واحيا راسخ الرويا رَضيا
وخلفَ مغاربي السمراءِ أجني*** شروداً كنتُ أحسبهُ خفيا
أنا وهمُ النضوجِ وفوقَ ضلعي*** نما الوجع المهيبُ بلا محيا
وحول مدامعي الملساء غنت*** عيونُ وَ ارتدت درباً رديا
هناك بلا دمي ضجت ضلوعي*** وباتت صرختي ظلّاً شَجيا
وانستُ الضياع وقد لواني*** مع الخوفِ العتيقِ و زاد لَيا
فلي قلبٌ به قد ضقتُ ذرعاً*** تَعلقَ بالحسانِ وَ بالثريا
أُحدثهُ عن الآلامِ حولي*** وعن نزفي الذي أضحى عتيا
يقولُ كفى كفى فالعمرُ يمضي*** وأنت تقولُ للأحزانِ هيا
أودُ بأن أعيشَ مع الصبايا*** عشوقاُ ينتقي شياً وَ شيا
شغوفاً يعتلي نَغَمَ الخفايا*** ويعزفُ شوقهُ لحناً شجيا
على وتر الغرامِ يطوفُ سبعاً*** ويحرمُ والشذى يغدو نَديا
ويرسلُ نبضهُ الولهان ليلاً*** ليزهرَ في الضيا عنباً شهيا
أنا أبغي الختامَ بغيرِ ذنبٍ*** وقلبي يرتجي بهواهُ غيا
كلانا تائهانِ وفي منانا*** غدا من كان يجهلنا حفيا
نعيشُ بدارنا الوهناء حتى*** بنا نبتَ السراب و باتَ فَيا
أ أتركهُ يسيرُ على هواهُ*** واعتكفُ الحياةَ و ما تَهيا
وامنحهُ الضلالَ ليرتديهِ*** وفي طياتهِ يحيا سَويا
لنا نَفسُ الوجودِ يضجُ فينا*** غريباً واجفاً فرداً شقيا
وتجمعنا السنونُ وفي خطانا*** ستطوينا معاني الضدِّ طيا
والقى الشاعِر د. إياد الخفاجي الذي فُجِعَ مؤخرًا بوفاةِ والدته، أبياتًا من بحرِ الكامل بحق زميله الراحل منار القيسي، و أبياتًا من بحرِ البسيط بحقِ والدته (رحمهما الله تعالى) قائلًا:
خبر وارعد مهجتي وبياني *** لما منار صار في الاكفان
لما منار الحرف غيبه الردى*** فالضاد ضهر بالمتابعة حان
والبيت في كل القصائد موحش*** كثبان ألفاظ بلا بنيان
والشعر أن غابت جزالة بيته*** محض من الأوراق والهذيان
........................................
من غربة الروح من أمسٍ يراودني*** من وحشتي في ثنايا الدار مكبوتُ
قد كنت إن ساعةً امي افارقها*** فالثغر مرٌ وطعم العيش ممقوتُ
واليوم سارت ولا اين سيجمعنا*** سوى الخيال فقلبي اليوم مفتوتُ
الشاعر علي العكيدي الذي لم يفارق الوجع روحه الشفافة منذ فقده ولده الوحيد، تعذر عليه إكمال قراءة ما جادت به قريحته، بعد أنْ وجدَ في البكاءَ بلسمًا لجُرْحِ الأمس:
قالوا قديماً بكاءُ المرءِ مرحمةٌ *** فيهِ اتتعاشٌ لمحرومٍ و مجروحِ
فيهِ اصطبارٌ على تحقيقِ راحتهمْ*** ببابِ صبرٍ على الأيامِ مفتوحِ
و للرجالِ طقوسٌ في مصائبهمْ *** أما البكاءُ فيبقى غير مسموحِ
هم الأباةُ بصبرٍ لا انتهاءَ لهُ *** ما عانقَ الصبرُ أنفاساً لمفضوحِ
وكيفَ يصبرُ مَنْ أنفاسهُ اختُطفتْ*** كي يثبتَ الصبرُ في أضلاعِ مذبوحِ
لم أبكِ وحدي و قد أيقظتُ قافيةً*** جاءتْ بشعرٍ على الأوراقِ مسفوحِ
فكانَ دمعي بدمعِ الشعرِ ممتزجاً*** حتّى الحروفُ بكتْ يا ساكنَ الروحِ
وبعد ذلك تقدم إلى منصةِ الإلقاء الشاعر د. حازم الشمري، وقرأ قصيدة حملت عنوان (فراق أحبة)
وأشكو الى ربي فراقَ أحبةٍ *** بهم ظلَّ قلبي ذائباً ومُلوَّعا
لهم في فؤادي مسكنٌ دائمُ الرؤى *** وموَّالُ عشقٍ فاضَ بالشوقِ أدمُعا
فهم كلُّ ما بالماءِ من سرِّ روعةٍ *** وهم كلُّ فجرٍ طابَ بالنُّورِ مطلعا
أهيمُ بهم والنفسُ لا تشتهي سوى *** لقاءٍ يمدُّ الروحَ بالوصلِ أذرُعا
على طولِ ما ينسونَ أشتاقُ وصلَهُم *** ولا أرتقي فيما يصدُّونَ موقعا
تراني بليلِ الصَّبرِ أنثالُ لهفةً *** وأنسابُ طيفاً بالغَ الحزنِ مُوجعا
ففي كلِّ ركنٍ للودادِ عبيرُهم *** وأطيافُهم مافارقت ليَ مَهجعا
يطوفونَ أحلامي قناديلَ بهجةٍ*** فأجتاحُهُم عزفاً من الوجدِ مُمتعا
أحنُّ الى أجوائهم كلَّ ساعةٍ *** فما تركوا لي للسعاداتِ مَوضعا
أراهُم ورغمَ البعدِ في كلِّ طلعةٍ*** لبدرٍ تجلَّى ساطعَ الضَّوءِ مُشرعا
أتيهُ سَحاباً في سماواتِ سحرِهم *** وأرضى ضياعاً في مَداهُم ومصرعا
فهم لينُ كلِّ الكونِ والبسمةُ التي*** تُسرُّ عيوناً للوجودِ وأضلُعا
إذا ما دعوني أنْ أكونَ بقربهم *** سآتيهمو سعياً على الرأسِ مُسرعا
الشاعِر محمد الفهد، لم يمنعه وضعه الصحي من القدومِ إلى قاعةِ الجمعية للمشاركةِ في هذه الاحتفاليَّة التأينيَّة، حيث تقدم إلى المنصةِ بخطىً ثقيلة، وقرأ بيتين تأبينًا لصديقه الراحل القيسي، أعقبها بألقاءِ أبيات عدة عن الرحيلِ وعذاب الفراق:
ما أتعسَ الكلماتِ بعدَ صعودهِ *** وقساوةِ اللحظاتِ عندَ رحيلهِ
هذا منارُ الطامحينَ إلى الذرى*** ماذا يقولُ الشعرُ في تبجيلهِ
...................
لا توقظي جرحي فلستُ بقادرٍ *** أنْ أستمرَّ برحلتي وعذابي
قلبي على وهجِ الرحيلِ يشّدني *** نحوَ الغيابِ.. فصفّقي لغيابي
سأغيبُ عنكِ وفي الشفاهِ مرارةٌ*** لا تسألي عن آخرِ الأسبابِ
سيكونُ من أقسى الحروفِ على الهوى*** وأنا أردّدُ في الرحيلِ جوابي
لا توقظي جرحي.. لأنَّ زيارتي*** لن تنتهي للشعرِ في المحرابِ
جرحي على مرمى الصواعقِ نائمٌ*** لا توقظيهِ فقدْ أطيلُ عتابي
من محافظةِ نينوى الأصالة والتاريخ، قدمت الشاعرة يسرى الحسيني متحملة عناء الطريق في هذه الظروف الصعبة؛ لتشارك في الاحتفاليةِ بقصيدةٍ وسمتها بـ (رِثاء وطن)، والتي قالت فيها:
أبكيك ياوطني أرثيكَ مرتجلا*** وقد جفاك العلا مذ عنك قد رحلا
بما تناوبَك السراق وانتهكوا*** من كِبر مجدِكَ ما قد كان او حصلا
حتى كأنكَ ما كنت الذي ابتدأتْ*** منه الحياة بفكر منكَ مشتعلا
وانت من سطر التاريخ دَونَهُ*** فكرا يظل مع الأجيال منتقلا
عاينتَهُ مِنذِ بدءِ الكون متفردا*** بأحرفٍ منكَ حتى قامَ واعتدلا
منحته منذ كان الطين اولَهُ*** والجهل يطبق في ارجاءه سُبَلا
فاستيقظ الخلق من نور سريت بهِ*** مسرى الشموس على ظلمائهم نزلا
اهكذا بعد هذا المجد من قدم*** اليوم تمسي على انقاضه طللا
لهفي عليكَ أرى راياتِك انتكست*** مهانةً بيدِ الجُهّال والدُخلاَ
سيرحلون وان طالَ الزمانُ بهم*** هيهات للظلم يبقى رغم مَا فعلا
اني اشم رياحَ المجدِ قادمةً*** تَهُبُ من كل صوب عصفها وصلا
لساحةِ العز في التحرير أبصِرُها*** كأنها ريح عاد اقبلتْ رُسُلا
وشارك الشاعِر ساطع العاني في تأبينِ زميله القيسي بعدةِ أبياتٍ من الرِثاء:
ماكنت اعرفه الا ببسمته *** حتى تمكن مني في تفانيه
تراه كالنحلة الشقراء يحمله*** إلى الورود وما خابت مساعيه
فأورد العسل الشعري في وسط*** يزدان تقديمه والحفل يثريه
فأصبحت واحة غناء جلستنا*** وفي النهاية كان الورد يَرثيه
كل له من اسمه حظ يسام به*** فكان حقا منارا في تسمِّيه
ومن محافظةِ نينوى أيضًا، حل بين ظهرانينا الشاعر حامد البياتي الذي قرأ أبياتًا من قصيدةٍ طويلة بحقِ الإمام الحسين (عليه السلام)، منها قوله:
تّزهو قبابكَ بالضياء وتُرفَعُ*** أنوارُها من عرشِ رَبِكَ تنبعُ
تَرِدُ الدهورَ الحالكاتِ مع المدى*** وتموجُ بالألق المُضىءْ وتسطَعُ
ويَحُفها سربُ الملائكِ بالسنا*** ما مر ليلٌ أو نهارٌ يطلَعُ
فَتَضجُ في حشدِ ألانامِ تَقَرُباً*** من كلِ حَدبٍ في رحابِكَ خُشعُ
هذا لأنكَ للنبوةِ ظِلها*** بكَ ينتهي علمُ الكتابِ ويُجمَعُ
ففدى ضريحكَ من ضريحٍ خالدٍ*** فيهِ النُبُوةُ عطرُها يَتَضَوعُ
ينسابُ من طُهرِ الجلالِ وأنهُ*** ليفيضُ من عليا الجنانِ ويترَعُ
يامن ضريحُكَ للكرامة منهَلٌ*** ثَرٌ لمن يقفو خطاكَ ويتبَعُ
وملاذُ أمنٍ يُستجارُ بظاـــهِ*** رحبُ المدى للخائفينَ ومفزعُ
من محافظةِ بابل التاريخ والحضارة، حضرَ أيضًا الشاعر حيدر محسن الربيعي، والذي ساهم في هذه الأمسيةِ بقصيدةٍ حملت عنوان (رحيل الأحبة):
ذهبت عـوادي الدهـرِ بالأحبـابِ*** قضمـت بضـرسٍ إسـتـبـدَ ونابِ
لم تبقِ منهم غير رسمِ طيوفِهم*** كالكحلِ باتـوا ذابَ في الأهدابِ
أين الألى زانـوا مجالسَ طيبـةٍ*** وطـرافـةٍ هـل أُبدِلـت بيـبــابِ
كانـوا وكنا في المحافلِ نحتفي*** واليومَ يخلو الجمعُ من أصحابِ
واليـوم نسكبهـم مدامــعَ حــرةً*** هطلت على الخديـن والأجنـابِ
واليـوم نندبهم قصــائـدَ لـوعــةٍ*** سألـت خيـالاً طافَ دون جوابِ
هل تدرك الأرواحُ إذ رحلت وما*** تـدري بحـالِ الخـلِّ إثــرَ غـيـابِ
كيف استطابَ النأيَ طبعُ نفوسِهم*** أم كيـف راق الهجـعُ تحت تـرابِ
مـازال طيـفٌ سـائـحٌ عطـرٌ لهـم*** يُشذي رحـابَ النفـسِ بالأطيابِ
يامن لهم في القلب خيرُ منازلٍ*** بتـنــا بـلا مـأوىً علـى الأبــوابِ
هـلا ارتـأيتـم وصـلـنـا بـزيـــارةٍ*** طيفـاً سرى يَرِدُ الحشا بسـرابِ
علّ الظمـا يجلـو لبعـضِ هنيهـةٍ *** ان عاد طيفٌ في المنامِ لصـابِ
ياراحلين الى المغيبِ وعبقُهم*** لما يزلْ في الروحِ ذِفرَ خِضابِ
انا بُعيـدَ الهجرِ ننـزفُ شوقَكم*** لـيـلاً وفي الإشراقِ والإغـرابِ*
وإذا شـدا قمـريُ زادَ مـواجـعـاً *** زلُفت على الأحشاءِ والأعصابِ
تهفو الجوانحُ إذ تطيرُ لوصلِكم*** وتحطُّ في وادي النوى الكذابِ
لتعـودَ حسرى دون نيلِ مُرادِهـا*** لـتـجــرَ خــذلانـا بحبــلِ عـتـابِ
عادت كمـا عاد المسافرُ خاسراً*** لـم يلـقَ غـيـرَ الـفـقـدِ للأتــرابِ
الشاعر علي الخفاجي، شارك في هذه الأمسيةِ الرمضانيَّة بقصيدةٍ في مدحِ الرّسُول المُصطفى (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم):
لا يستطيعُ الشعر فيك بلاغةً*** حتى ولا التعظيم والتبجيلا
لا يعرف القدر الجليل تعاظماً*** غير الذي قد صاغ منكَ دليلا
في موضعٍ برزت معاجز خلقهِ*** سوَّاك من نورٍ فصرت جميلا
وَهداكَ أسم من جلالةِ إسمهِ*** فسموت حمداً للورى و رسولا
في خلقك الأكوان فيها أشرقت*** قبساتُ من أنواركم إكليلا
فسمت نجوم الكون يزهرُ نورها*** والفضل قد أعطيتموهُ جزيلا
يامن تعظمت الرسالة فيكَ وال*** إسلام والقرآنُ والتنزيلا
و تختمت فيك النبوة كلها*** فيلوذ فيك المرسلون دخيلا
أقسمتُ باللهِ الحبيب لقلبك ال*** رقراق لا تنسى القليلَ حصيلا
أوَ هل يضيعُ العبد بين مكارمٍ*** للهِ أن قالَ العظيمُ كفيلا
ما بين ربٍ قسم العرصات بي*** ن محمدٍ ما ضاع بين خليلا
فتهللوا واستبشروا وتفاخروا *** ما ضاع بين الراحمين مقيلا
و الله لو أُدخلت بين جهنمٍ*** أخبرتهم حب الرسول بديلا
يا ذاكرين المصطفى صلوا على *** نورٍ وآلِ النورِ فيه طويلا
ثم اعتلى المنصة الشاعِر حماد خلف الشايع، وبدأ حديثه مودعًا زميله الراحل بعبارةٍ بليغة، نصها: "وداعا صديقي ( منار ) يا من أخذت برحيلك تسعة أعشار النُّبل ونثرت عُشره الأخير على قصائدك"، وبعدها أنشدَ يقول:
بعضُ الرِّثاءِ له في النّفسِ تِطرابُ*** إلّا رثاءَكَ فيه الدّمعُ يَنسابُ
لا توقِظ الحَرفَ فالأوجاعُ دانيةٌ*** على مَسافاتِها تُنبيكَ أكوابُ
يا أيّها الموتُ قُلْ لي كيفَ تَحْمِلُهُ*** يداكَ في غفلةٍ والعُمرُ أوّابُ
لا صوتَ يُغري فَمَ النّاياتِ في دَمِهِ*** والحزنُ في نغمةِ الآتين أسْرابُ
ولا مكانَ لنَجوى في محاجِرِنا***وأنّنا في بقايا الكأسِ أنخابُ
لا يا صَديقي قد استعجلتَ في سَفَرٍ***لوجهةٍ لن يَرى أطرافَها البابُ
فاخلدْ (مَنار) ستبقى في قصائِدِنا***وعندَ ألواحِنا تبكيكَ أطيابُ
وكان للشاعِر ناظم الصرخي مشاركة في هذه الأمسية بقصيدةِ رِثاء وسمها بـ (الْحـــزنُ يغتالُ الجموعَ):
المــوتُ يحْـصِــدُ والمـدامـعُ تَسكِبُ***والعـمـرُ يمضي والمباسمُ تَكْــــــذِبُ
والدهرُ يَـقـدِحُ كُـلَّ حينِ مُصيـــبَةً***والْحـزنُ يغتالُ الجموعَ ويَرْعِــــــــــبُ
تتســـاقـطُ الأقمــــــارُ مِنْ علْيـائِــهـا***قسْـــرًا كأنْ قد ضاقَ فيها الأرْحَـــبُ
وتقطعَتْ سُــــبُلُ الوِصـالِ أَسيــفـةً***دربٌ بهِ اُقْـتيــدَ الفـتــى والأشــــــيــبُ
دربٌ عليـنـا حُــدِّدت خطـــواتُـهُ***وعليهِ نَمـشـــــيْ والريـــــاحُ تُـقـلِّـــــــبُ
أوجـــاعَـهُ أشــــواكـَه شـــطحـــاتَهُ***والســــعْـدُ عنـا نـاءَ، عَـزَّ المــطلـــبُ
يا خـيـرَ مَنْ أَنْمى بقلبـي زَهـــــــرةً *وسـقى الرياضَ مـودّةً لا تَنْـضُـــــــبُ
عجّلْـتَ في سِـفْـرِ الرَحيـــلِ وهالَنـا* سَفَرَ البــــدورِ وكنتَ نِعْمَ الكوكـبُ
أرسيتَ في كلِّ المنــــابرِ حجَّــةً *تَــنــقـــادُ بين يــديـــكَ بل تَـتَــــذَهَّــــــــبُ
وغَرفَــتَ من كلِّ البحـــور نقـاءَها* ونحتّ في صخْـرِ النُّهى إذْ تَكْتِبُ
شمسًا ظلِلْتَ تنثّ دِفْءَ شُعاعِها***بينَ القلـــوبِ ونَـــورُهــــــا لا يَـغْـــــرُبُ
لمّا تـزلْ تلك الأمـــاكـنُ تَـقْـتـــفـي***أثَرًا لــدى الْجُـــلّاسِ مِنــكَ وتَطْــــرَبُ
لا لم تَـرَ الأيـامُ غـيـرَ خَــــســـــارةٍ**حلّـت بوادي الـروحِ نـارًا تَـلْـهَــــــــبُ
ناحت بنا الورقــاءُ في أفـنـــــانِـهـا***نَضُــبَ الغـــديـرُ تقولُها والأعْــــــذَبُ
حَـلَّ الأحبّـــةُ في ضِيـافـةِ خــالـقي***وعلى الطــــريقِ جميـعُــنـا نَتَغَــــرَّبُ
الشاعِر اسامة دندح قرأ قصيدة بهذه المناسبة حملت عنوان (نخبُ الهوى يا دجلًتي):
نخبُ الهوى ياحلوةَ الانخابِ*** نخبُ الوفاءِ لمنْ طوتْهُ هِضابي
نخبُ الحنينِ على الحنينِ يجرُّني*** نحوَ الهمومِ الواقفاتِ بِبابي
نخبُ الحروفِ تميسُ في حدَقاتِها***نخبُ القصيدةِ إذْ تنيرُ كتابي
عيناكِ سرُّ ثمالَتي وبراءَتي*** عودي معي للذكرَياتِ نُحابي
لطفولةٍ ظلّتْ تعيشُ بداخِلي*** فلقدْ سئمتُ فُتُوَّتي وشَبابي
نخبُ الفراتِ حبيبتي فلْتشربي*** والآهُ تتلو الآهَ في أترابي
غنِّي معي أحلى الأغانيَ للهوى*** وتمايَلي حتّى يطيبَ شرابي
مسك الختام كان بيتين مغمسين بالحكمةِ من نظمِ الشاعِر أسعد الزاملي الذي أدار عرافة الاحتفاليَّة بحرفيةٍ، فقد قرأ الزاملي فائلًا:
ما بات الا الرضا للخطب اذ يقع** فلا يحيد الجوى ما ساقه الوجع
ويشفقون على حالي فهل علموا** اني رضيت وهم من حالهم جزعوا
بعدها شكر الزاملي الحاضرين على حضورهم، والشُعراء المشاركين عل مساهماتهم، وشكر راعي الاحتفالية عميد الشِعر العربي الشاعِر المهندس عباس شكر على ما قدمه من دعمِ للحركةِ الأدبيَّة، داعيًا السميع العليم أنْ يمنَّ على الإنسانيةِ بالخيرِ، والسلام، والأمان، وأنْ يرحم أموات الحاضرين، وأموات المؤمنين والمؤمنات، ثم دَعَا المجتمعين لتناول طعام الإفطار.
وعلى هامشِ الأمسية كانت لنا وقفة مع الكاتب الصحفي الأستاذ أحمد البياتي محرر الصفحة الثقافية في جريدة البينة الجديدة الذي حضر هذه الاحتفاليَّة، حيث عبرَ عن مشاعِره قائلًا: المبادة الرائعة التي أقدمت عليها إدارة مؤسسة فرسان عمود الشِّعر الثقافيَّة، ورعاية من رئيسها عميد الشُعراء العرب المهندس عباس شكر، عبرت عن الوفاءِ لما قدمه الشاعر والأديب الراحل منار القيسي (رحمه الله تعالى) من عطاءٍ ثر للحركةِ الادبيَّة، بالإضافةِ إلى مواساةِ الزميل الشاعر د. إياد الخفاجي بفقدِ والدته (رحمها الله تعالى). أبارك هذه الفعالية الإنسانية التي تعكس بيئة طيبة مسكونة بالخير، والمحبة، والوفاء، والإخلاص لرسالة الأدب.
1724 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع