قصة قصيرة - العيـّـنة

                                                                                      

                        عبد الرزاق الأسدي

قصة قصيرة -العيـّـنة

      

جاء الشتاء ،بارداً كعادته مطر يهطل بلا هوادة، قريتنا صغيرة ذات أكواخ يحتضن بعضها بعضا، طرقاتها ترابية ضيقة . فحين يهمي المطر تتحول الطرقات إلى دروبٍ موحِلة ممتلئة بالحفر والمطّبات تغوص بها الأقدام وتتعثر الخطى وتبدو آثار المشاة واضحةً في الطريق .

شاد العم حمدان لحيواناته كوخا طويلاً كان يضم بقرتين وعجلاٌ صغيرا. في احد جوانب الكوخ وضع كومة من أعشاب يابسة يطعم بها الأبقار شتاءً ، اما روث الحيوانات فتجمعها زوجته بشكل اقراصٍ تصفها على شكل قبة . وعندما تجف الاقراص تستخدمها وقوداً للطبخ والتدفئة.كان العم حمدان دائم الاهتمام ببقراته والعناية بها . وكانت عادته إشعال النار ليرد الدخان البعوض حيث يقوم بإطعامها الحشائش والبرسيم والنخالة .
وفي الصباح يمضي بالحليب لسوق القرية من اجل بيعه على زبائنه في المدينة وكذلك من اجل ايصالها إلى بيوتهم . عرف عن حمدان ميله للمرح وغلبة روح الفكاهة عليه وطيبة قلبه فدمعته تسيل عندما يسمع قصهً حزينة او يرى انساناً بائساً . ذات ليلة نزل المطر كأفواه القرب واستمر يهطل منذ مبتدأ الليل حتى خيوط الفجر. في الصباح ذهب الى كوخ الحيوانات كعادته كل يوم لاطعامهم واحضار الماء لهم وأخذ الحليب ليجد امام باصريه مفاجأة صادمة ! تسمرتّ اقدامه وزاغ بصره واصابه الذهول
اذ لم يجد احد عجوله في الكوخ . بحث عنه هنا وهناك بلا جدوى، صرخت زوجته وبكت وكأنها فقدت عزيزاً . تجمع الناس حولهما ثم ذهب العم حمدان الى مركز الشرطة فجاءت سيارة بها شرطيان ومفوض وسألوا
حمدان : ــ هل لديك اعداء ؟
ــ كلا بالطبع ..
ــ أتشاجرتَ مع شخصٍ ما؟
ــ لم افعل قط !

كانت الأرض موحلة تغوص فيها اقدام السائرين .تتبع الشرطي آثار اقدام العجل خارج البيت حتى وصل الأثر الى دارِ قصابٍ في اطراف القرية حيث كانت امام البيت ساقية ينبثق منها الماء من البيت الى بستانٍ مجاوِر ولاحظ الشرطة ان ماء كان يختلط بالدماء امتد على طول الطريق الى بيت القصاب. داهمت الشرطة البيت لتبصر عجل العم حمدان مذبوحاً مقطعاً وقد وضعَ في زنبيلٍ كبير. وقف القصابُ مرتعشاً ومعتذراً وانحنى على اقدام العم حمدان يقبلها بينما أحاط به أطفاله الصغار احاطة السوار بالمعصم . فتألم العم حمدان ورقّ قلبه على القصاب الذي دفع نصف ثمن العجل وسامحهُ العم حمدان من اجلِ اطفاله وتنازل عن القضية .

شكرته الشرطة التي اقتطعت حصة كبيرةً من اللحم قائلةً انها كشف دلالة او عينة تنفع ضمن مجريات التحقيق وما بعد التحقيق !

  

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

692 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع