سحبان فيصل محجوب- مهندس استشاري
تردد الكهرباء.. إزعاج وإحراج
من ضرورات التشغيل السليم للمنظومات الكهربائية تدعيمها بأجهزة حماية تعمل تلقائيًا على إثر تحسسها بوجود عارض ما يهدد سلامة عمل هذه المنظومات حيث توعز أجهزة الحماية هذه، التي يطلق عليها (المناولات)، إلى معدات قطع التيار الكهربائي لحجب التغذية عن مواقع الأعطال لعزله عن المنظومة منعاً لانتشار ما ينتج عنها من اتساع يشمل أجزاءً أخرى من المنظومة الكهربائية العاملة، من هذه الأجهزة هناك نوع (مزعج) ويحتل أهمية بالغة يربط في محطات التحويل التي تغذي المناطق السكنية والمرافق العامة ليقطع التيار الكهربائي عنها حال انخفاض المستوى التشغيلي المعتمد للذبذبة الكهربائية بهدف الحفاظ على قيمة معينة له تضمن استمرار عمل مكونات المنظومة الكهربائية وتفادي تضررها أو حدوث انطفاء شامل لها، ومن جانب آخر فهي تحقق الحفاظ على الأجهزة المنزلية للمستهلكين وعلى وجه التحديد الدوارة منها وكذلك حماية المعدات التابعة للمرافق العامة والخاصة منها، ويعرف هذا النوع من أجهزة الحماية بمناولات (تحت الذبذبة)، يجري تنظيم القيم الخاصة بعملها على وفق أهمية استمرار التغذية الكهربائية للمستهلكين وعلى وفق معايير خاصة حيث يتم ضبطها للعمل بثلاث مراحل وهو ما كان متبعاً في تشغيل المنظومة العراقية للكهرباء قبل الاحتلال سنة ٢٠٠٣، حيث تنفذ هذه المراحل بالتتابع ولحين تجاوز الحالة الحرجة للمنظومة.
في نهاية التسعينيات، بعد الشروع بتطبيق القطع المبرمج للكهرباء ليشمل أحياء بغداد كافة، ورد طلب قدمته مجموعة من خطباء الجوامع تعرض فيه استثناء وقت تأدية صلاة الجمعة وخطبتها من القطع لتأمين التيار الكهربائي لعمل أجهزة التكييف الضرورية في أيام الصيف اللاهب كذلك تشغيل مكبرات الصوت المستخدمة في تأدية هذه الطقوس الأسبوعية.
استجابة لهذا الطلب (حينها كنت أشغل وظيفة المدير العام لكهرباء بغداد) تم الايعاز إلى مهندسي قسم السيطرة والتشغيل، المعني بتطبيق القطع المبرمج، لإعادة تنظيم الجداول الخاصة به وتحويرها بما يلبي هذا الطلب، وجرى تنفيذ ذلك في التغذية الكهربائية للكثير من الجوامع المنتشرة على مناطق بغداد بما يضمن استمرار التيار الكهربائي لها في المدة المحددة.
كان هذا محط شكر خطباء الجمعة والمصلين وثنائهم ومديحهم حيث ذهب بعض الخطباء إلى إعلان ذلك أثناء إلقاء خطبهم وهم على منابر المساجد فكان هناك سيل من الدعوات والمباركة لرجال الكهرباء وجهودهم.
في مساء ذلك اليوم المبارك (الجمعة) والذي كان بداية لتطبيق القطع المحدث، بعد إقراره، وأثناء وجودي في مركز سيطرة المعري (المسؤول عن مراقبة التغذية الكهربائية وتشغيلها لجانب الكرخ من العاصمة) أخبرني أحد مديري قطاعات صيانة الكهرباء عن الحرج الذي أصابه في المسجد الذي كان يؤدي صلاة الجمعة فيه عندما تزامنت عبارات الشكر له وللعاملين في قطاعه التي تضمنتها خطبة الجمعة مع حدوث انقطاع مفاجئ للتغذية الكهربائية الخاصة بالمسجد حيث توجهت صوبه أعين الحضور من الذين يعلمون بمسؤوليته عن توزيع الكهرباء في المنطقة التي يقع فيها هذا المسجد، جرى تدقيق حالة الانقطاع فتبين أن سببها يعود الى التشغيل التلقائي (خارج السيطرة) لمناولات تحت الذبذبة التي كانت قد ربطت على المغذي الكهربائي الخاص بالمنطقة والذي يستمد الجامع التغذية منه، وهنا طلبت من المهندس (المحرج) أن يزور الخطيب لتوضيح مسببات ما حصل وإعلامه أنها من حالات الظروف الطارئة في الشبكة الكهربائية القطرية وليس المناطقية مع إبلاغه اعتذار الادارة العامة لكهرباء بغداد وتحياتها له.
كثيرة هي حالات قطع الكهرباء المفاجئة غير المبرمجة وهي غالباً ما تكون خارج إرادة العاملين في دوائر الكهرباء المعنية وسيطرتهم، وتعد من الاحتمالات المتوقعة في عمل منظومات الكهرباء الضعيفة مثلما كانت المنظومة العراقية في ظروف الحصار الاقتصادي قبل سنة ٢٠٠٣، الا أن تدابير العاملين في قطاع الكهرباء وجهودهم كانت بمستوى التحديات التي أوجدتها التبعات المختلفة لهذا الحصار بهدف تخفيف ما أمكن من تأثيرها المزعج والقاسي في حياة المجتمع والتي شملت جوانبها كافة.
2215 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع