اسماعيل مصطفى
الإنسان؛ ذلك المخلوق العجيب
يعتبر الإنسان من أكبر المعجزات التي خلقها الله سبحانه وتعالى، ويكفي للبرهنة على ذلك ما يحويه رأسه من جوارح العيون والأذنين والفم واللسان والأسنان والأنف والدماغ وما يتصل بها من حوّاس الذوق والشم والنظر والسمع والنطق ومختلف أنواع الادراك الحسّي والمعنوي والمعرفي وما يختزنه من خيال رحب جداً ومعلومات لا تعد ولا تحصى وغير ذلك مما لا يخطر على بال.
ورغم هذا التعقيد الهائل الذي يتضمنه تكوين الإنسان وخلقته والذي ينبغي أن يكون كافياً لاسعاده وبلوغه أفضل درجات الرقي والتحضر؛ إلّا أن الواقع يشير إلى عكس ذلك في كثير من الأحيان؛ إذ تجد الإنسان مرتبكاً وقلقاً وحائراً وضائعاً في متاهات الحياة وذلك لما تنطوي عليه نفسه من نوازع وهواجس وأهواء ورغبات شريرة تجعله في حالة صراع دائم مع القلب وما يقتضية من ضرورة الهداية والصلاح وحب الخير والفلاح والنجاح والسعادة في الدنيا والآخرة.
وقد أشار القرآن الكريم إلى جملة من التوترات والتناقضات التي تنطوي عليها نفس الإنسان كما في قوله تعإلى (إِنَّ الْإنسان خُلِقَ هَلُوعاً، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً)[1] وكذلك (إن الإنسان ليطغى. أن رآه استغنى)[2] وغير ذلك مما يدل على أن الإنسان يعيش حالات مختلفة من النزاعات المستمرة بين ما يريده هو وبين ما يريده خالقه ويفرضه عليه واجبه الاخلاقي والإنساني. مما تقدم يمكن الاستنتاج بأن الإنسان على شفا حفرة من الهلاك ما لم يتدبر أمره ويوظف عقله ووجدانه أفضل توظيف لخدمة نفسه بشكل خاص والبشرية بشكل عام كي ينعم العالم بالهدوء والاستقرار وينأى بنفسه عن الحروب والضغائن وكل ألوان الظلم والفساد والباطل، ولكي يصل إلى درجة متقدمة من الكمال المعنوي والروحي والإنساني بعيداً عن الصنمية والأنانية وهضم حقوق الآخرين، وغير ذلك من الفضائل التي باتت البشرية بحاجة ماسّة لها لاسيّما في ظل الاوضاع المتردية والمضطربة التي نعيشها في عالمنا المعاصر. ولو تمكن الإنسان من الاستفادة من طاقاته وقدراته والامكانات المتاحة لدية في هذا العالم الفسيح لحقق لنفسه وللآخرين أفضل أنواع الحياة ولذاق طعم السعادة الحقيقية ولنال أعلى درجات الكمال والفوز الدنيوي والأخروي ولما بقي حائراً وضائعاً ومُستعبَداً من قبل غيره كما نرى اليوم نتيجة الظلم الكثير وفقدان البوصلة الإنسانية وتحوّل الكثير من الناس إلى وحوش كاسرة تنهش بلحوم البشر، ووصل الحال إلى أن يكون أحدنا في دوّامة متواصلة من التفكير القلق والتخبط في قراراته وتصرفاته التي غلب عليها الجهل وحبّ السيطرة والاستحواذ والتنكر لحوق الآخرين في العيش الكريم والنزيه.
---------
1 سورة المعارج الآية 19.. هلوعاً، فُسِّر بالانسان الأشد حرصاً، وبالذي لا يخرج ما في يده إلى غيره، والمتصف أيضاً بأسوأ أنواع الجزع وأفحشه.
2 سورة العلق الآية 6
801 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع