وفيق السامرائي
قبل حرب الخليج الثالثة عام 2003 لم يكن في الشرق الأوسط سباق تسلح بقدر ما كان جزءا من تدابير بناء قوات مسلحة في ضوء التنامي الكبير في القدرات المالية، والحاجة إلى بناء قوات دفاعية في منطقة بالغة الحساسية.
ومنذ اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل، انخفضت مشاعر الاستعداء والعداء بين العرب وإسرائيل، وتحولت نظم التسلح إلى حالة تطوير روتيني للقوات المسلحة في الدول المعنية بالصراع مباشرة، وإلى عمليات بناء عسكري وأمني واستخباراتي في دول الخليج. غير أن الوضع تغير بوتيرة متسارعة بعد حرب 2003 وخروج العراق مؤقتا من معادلة التوازن الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط.
وعلى مدى عقد كامل، تزايدت مشاعر الإحساس بالقلق والخطر لدى الخليج من النفوذ والبرامج الإيرانية، وخصوصا البرنامج النووي المثير للجدل والقلق، فضلا عن تكرار المناورات الجوية والبحرية والبرية التي تقوم بها القوات الإيرانية بين فترة وأخرى - هجومية كانت أم دفاعية - حيث تبقى المناورات المتكررة «والمغطاة إعلاميا بكثافة» موضع متابعة وترقب شديدين على الضفة المقابلة للخليج. ومع الأحداث في اليمن وسوريا والعراق، تحولت عمليات التسلح العادية إلى سباق تسلح كبير تشارك فيه معظم دول المنطقة عموما، والخليج وإيران وإسرائيل تحديدا، ولا تزال برامج التسلح العراقية محدودة نسبيا، إذا ما قورنت بمستوى التدمير الذي لحق بالقوات العراقية خلال حرب 2003.
في زيارته لإسرائيل في أبريل (نيسان) الماضي، وصف وزير الدفاع الأميركي صفقة السلاح الأخيرة المبرمة مع إسرائيل، البالغة قيمتها نحو عشرة مليارات دولار، بأنها رسالة موجهة إلى إيران. وهو وصف سطحي لا يؤخذ به، لأن السقف المخمن من قبل أميركا وإسرائيل للبرنامج النووي الإيراني لإحداث اختراق علمي وتصنيعي لا يتعدى عاما واحدا، بينما سيستغرق تنفيذ الصفقة مدة زمنية أطول.
في المقابل، تتوقع دراسات، أن تصرف دول الخليج خلال الفترة 2013 - 2015 ما يقرب من سبعين مليار دولار. ويمكن «الاسترشاد» بهذه دراسات إلى حد ما لملاحظة درجة التحسب للحاجة إلى المزيد من تطوير القدرات الدفاعية وبعض الجوانب الأبعد توصيفا. وتحظى القوات الجوية والدفاع الجوي والدفاع الاستراتيجي ضد الصواريخ أرض - أرض بأهمية استثنائية في عمليات التسلح، كما أن عمليات التوجه لإقامة المزيد من المفاعلات النووية السلمية تثير تساؤلات كثيرة عن قدرة تطويرها لأغراض علمية ذات طابع عسكري، مما يدفع المنطقة إلى حالة من الردع والردع المقابل الذاتي، خارج المظلات النووية للدول الكبرى، وهو ما يعني انتقال المنطقة من المفهوم السلمي الاعتيادي، إلى حفظ السلم بقوة الردع، بما يشبه التوازن النووي الهندي - الباكستاني نسبيا.
والغريب أن عمليات التسلح لم تشمل المناطق الحساسة فحسب، بل إن دولة بعيدة مثل الجزائر، دخلت على خط التسلح الساخن، رغم أنها لا تتعرض لتهديدات خارجية أو عمليات تسلح في دول الجوار، بينما تزداد البطالة في مناطق عدة من المدن الجزائرية، ما يمكن أن تسهم في زعزعة الاستقرار الأمني والسياسي المبني بالأساس على قوة ذراع القوات المسلحة وأجهزة الأمن والاستخبارات، منذ بداية تسعينات القرن الماضي. وإذا كانت الحرب الباردة قد أسهمت بشكل أساسي في تفكيك الاتحاد السوفياتي، الكيان الذي بني على الاحتلال والقهر والتسلط، نظرا لما تركت من أعباء مالية يرتبط بعضها بمتطلبات التسلح والاحتفاظ بقوات تقليدية ونووية ضخمة، فإن منطقة الشرق الأوسط قادرة بحكم الثروات المتراكمة من مبيعات النفط والغاز، على تحمل المزيد من عمليات التسلح، تبدو خيارات تفادي اتساعه ضئيلة للغاية، بسبب التقاطع السلبي في الأهداف والنيات والأفكار بين الدول.
وإذ تعتبر عمليات التسلح العسكري مرصودة بدرجة وضوح كافية، فإن غاطس التطور في منظومات الأمن والتجسس أعمق كثيرا من تسليح الجيوش، وخصوصا في مجالات المنظومات الإلكترونية المعقدة على المستوى الاستراتيجي، فلم تعد المنظومات المحلية تشفي تطلعات أجهزة الاستخبارات التي تحصل على تخصيصات مالية ضخمة، إلا أن هذه البرامج تبقى محاطة بكتمان خارج عمليات الرصد المعتادة في رصد حركة المعدات القتالية الثقيلة. وهكذا يمضي سباق التسلح بلا هوادة.
886 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع