الأستاذ الدكتور
صلاح رشيد الصالحي
بيت إبراهيم في أور الكلدانية بين الخرافة والمشروع السياسي
شكل 1: بيت إبراهيم كما يدعي المنقبين الأجانب، وهو من الآجر، ويحتوي البيت على غرف وايوانات، مزود بمجاري لتصريف المياه الثقيلة والامطار، بعكس مدينة بابل لم يعثر على مجاري لتصريف المياه الثقيلة والامطار
1- ذكرت التوراة بان إبراهيم الخليل ولد في أور الكلدانية وهذا خطا تاريخي، فنحن لا نعرف مناطق استيطانهم القبائل الكلدية سابقا (احيانا يطلق عليهم خطا الكلدانيين) قبل أن يستقروا في جنوب بابل في أوائل القرن التاسع ق.م وأيضا القبائل الآرامية يعتقد سكناهم في جنوب العراق في القرن التاسع ق.م ، من جهة اخرى تاريخ إبراهيم حدد بشكل تقريبي عام (1800) ق.م وهو تاريخ بعيد بين مدينة أور ومصطلح الكلدانيين الذي ورد في التوراة، والاحتمال الذي يطرحه الباحثين بان كتبة التوراة الذين عاشوا في بابل الكلدية في القرن السادس ق.م نسبوا إبراهيم إلى مدينة اور (Ur) العريقة وأضافوا اسم القبيلة الكلدية، كما ان ترك ابراهيم مدينة أور واستقراره في أرض كنعان(فلسطين) هذا الادعاء أيضا تم نقضه من قبل العلماء الذين يعتقدون أن منزل إبراهيم كان شمالا في منطقة ما بين النهرين (الخابور والبليخ) في مكان يسمى أورا (Ura)، بالقرب من مدينة حران (Harran)، وأن الكهنة الذين كتبوا اسفار التوراة كما في سفر التكوين قد خلطوا بين الاثنين بين أور في العراق واورا في حران، وبالمناسبة فان المدينتين تشتركان كمركز لعبادة الاله سين (إله القمر) ففي حران معبد سين الذي تعرض للتدمير على يد الميديين، والبابليين، والقبائل الاسكثية بعد سقوط اشور (612) ق.م، وأعاد نبونائيد ملك بابل بناء معبد سين في حران، كما ان أور فيها معبد الإله سين إضافة إلى زقورة أور التي شيدها اور-نمو ملك سلالة اور الثالثة والتي كرست لهذا الإله، وجدد بنائها الملك نبونائيد (Nabonidus) (556-539) ق.م البابلي، ولهذا اعتقد انه من سكنة أورا (Ura) التابعة لمنطقة حران القريبة من نهر الفرات .
2- اما اسم أور، وأورا فهي كلمة سومرية تعني (مدينة) وهناك عدة مدن تحمل اسم (أور) منها في ارابخا (كركوك)، وفي حران كما اشرت سابقا، وحتى (اورشليم) فهي تعني (مدينة السلام)، وبالنسبة لأسم إبراهيم فقد ذكرت التوراة: كان اسم (ابراهيم) سابقا (ابرام) ثم استبدل من قبل الرب وكان في حينها بعمر (79) عاما: (التكوين: 17: 5-6)، والمعروف ان أسم إبراهيم كان شائعا منذ الالف الثالثة ق.م، فعلى سبيل المثال لدينا في مملكة إيبلا (Ebla) في سوريا شخصية تحمل اسم ابريوم (Ibrium ) أو(Ebrium) (القرن 24 ق.م) وكان معاصرا إلى توديا (Tudiya) ملك آشور(المعاهدة التي يعتقد انها ابرمت مع آشور أو منطقة ابيرسال) ويعتقد ان مركز إبرايوم في ايبلا (Ebla) يأتي بالمرتبة الثانية بعد الملك وعلى الأرجح يشابه حاليا منصب (وزير) (بالأكدية A-ha-ar) و (بالسومرية sukkal-maḫ) (20)، أو منصب (سيد الخزانة) أو (سيد القصر) (lugal SA.ZAXki) (21)، أو (رئيس الوزراء) )22 (، ومثل هذا المنصب المهم وجد في سلالة أور الثالثة حيث كانت الملكية الحقيقية بيد السوكال-ماخ (sukkal-maḫ)، وأيضا ورد في نصوص أواخر عصر البرونز بان عمي-شاتمرو الثاني (Ammistamru) ملك اوغاريت أورث عرش مملكته إلى ابنه (أبرانو) (Ibiranu) (معنى الاسم إبراهيم) ، وبذلك فان اسم إبراهيم كان معروفا، والغريب لا يوجد نص قديم سواء سومري، أو بابلي، أو اشوري، أو مصري يشير إلى ابراهيم اطلاقا، علما بان التوراة تذكر عندما ترك إبراهيم مدينة أور كان يصطحب معه عبيده وزوجته سارة، ولوط، والماشية، والجمال، والمتاع مما يدل بانه كان رجلا غنيا لا يمت بصله الى ابن رجل يدعى (تارح بن ناحور) يصنع ويبيع تماثيل الالهة كما ورد في التوراة، وهجرته بهذا الحجم لم تذكر في النصوص التاريخية لدول الشرق الأدنى القديم انما في صفحات النص التوراتي فقط.
3- عندما نقب الاثاري البريطاني (Woolley) في أور عام (1926) حقق شهرة باكتشافه مقبرة أور الملكية، وتم مقارنة هذا الإنجاز باكتشاف الاثاري الامريكي(هوارد كارتر) لمقبرة توت-عنخ-امون في مصر، لكن المقبرة المصرية كانت اغنى باللقى الاثرية واكثر فخامة، وان بريطانيا في ذلك الوقت ما زالت دولة عظمى لا تقبل المنافسة من أي دولة أخرى، لذا اعرب الاثاري (Woolley) بأن الموقع هو بيت النبي ابراهيم (وفي راي آخر اكتشف البيت من قبل لجنة بريطانية للتنقيب عن الاثار برئاسة ليفان دولي، بعد عثوره على رقيم طيني مكتوب عليه بالآرامية (إبراهيم)، بينما علق الاثاري (Campbell) إن إحدى القطع الأثرية التي تم اكتشافها في البيت كانت عبارة عن لوحة طينية يبلغ قطرها (9) سنتيمترات (3.5 بوصة) تظهر أحد المصلين يرتدي رداءً طويلا ومهدبا يقترب من موقع مقدس، وتم وصف البيت بانه يقع ضمن مجمع سكني أو اداري بالقرب من زقورة أور ، وبذلك يكون هذا الافتراض مجرد تخمين، فلم يعثر نص مسماري أو آثار مادية يستدل على سكان البيت، وقد احدث دعاة بيت إبراهيم في وقتها ضجة فالنشاط اليهودي يرغب وبشدة اثبات وجود إبراهيم وامتداد الإرث اليهودي الى العراق.
4- ورد في التوراة بان (يهوه) منح الأرض (من الفرات الى النيل) الى إبراهيم وذريته، ولذا علق شعار على باب الكنيست اليهودي (البرلمان) في إسرائيل عبارة (من الفرات الى النيل حدودك يا إسرائيل)، ولإثبات هذا الوعد يسعى الباحثين في إسرائيل ومن يؤمن ما يسمى (اليمين المتطرف من المسيحيين في الولايات المتحدة) إلى السعي بخلق تاريخ مستوحى من التوراة وربطهم مع ملوك بلاد الرافدين، ومصر، و يظهر هذا دائما عند الاطلاع على المصادر الأجنبية أو دراسات العهد القديم، علما أن النصوص البابلية، الاشورية، والمصرية لا تشير لوجود مملكة داود أو وريثه سليمان اطلاقا، كما لم يعثر على نص واحد من عهد مملكة داود أو ثراء سليمان أو عصر القضاة والانبياء بني اسرائيل، مع العلم لدينا نصوص حول ممالك الآرامية في سوريا، ومملكة السامرة في فلسطين، والسبي البابلي الأول والثاني، ولكن أسماء ملوك بني إسرائيل كما تصورهم التوراة من حيث القوة والثراء فلا وجود لهم في الشرق الأدنى القديم، ومن ثم كانت جهود المتعصبين لدراسات العهد القديم إثبات وجود شخصية إبراهيم في العراق وبيته المزعوم الذي يقع على الفرات في جنوب العراق، وليس ببعيد وعلى نهر الفرات نجد مرقد حزقيال الذي ما يزال قبره ماثلا في مدينة ذي الكفل والذي يسميه الناس خطا ذي الكفل والمدينة تقع على نهر الفرات أيضا، وكان حزقيال زعيم ديني تأخذه الغيبوبة فيخبر من حوله بما يرى ويسمع فادعى صعوده إلى السماء العليا ورؤيته الأنبياء والاولياء ومكالمته مع الرب واعتبرت افعاله واقواله التصوف اليهودي والمسماة بدور المركبة (ها مركبا)، واعتقد الادعاء بان بيت إبراهيم في أور وامتداده إلى قبر حزقيال يقدم الدعم لفكرة من الفرات إلى النيل حدودك يا إسرائيل.
الأستاذ الدكتور
صلاح رشيد الصالحي
تخصص: تاريخ قديم
بغداد 2021
3013 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع