عبد الرزاق الاسدي
قصة قصيرة -شيخ البنائين
عمَّ الفرح دارنا حين نوى أخي الزواج وقرر والدي ان يبني له حجرة بسقف من الطين واللبن . اقترح عمي ان يقوم محمود وهو من الاقرباء بتشييد الحجرة. واتفقوا مع محمود على الأجور خلاف اجور العمال . وهكذا حددنا مكان الحجرة ومساحتها .
ذهب محمود الى علوة القصب واشترى ما تحتاح اليه الحجرة من قصب وجندل وبواري وتبن وبعض لوازم البناء .
كنا نسكن بيتا كبيرا بجوار مكبس للتمور على ضفة نهر الخورة ، وكان المكبس يضج بمئات العمال والعاملات.
شرع بالعمل في بناء الحجرة وصوت أسطى محمود يعلو فوق كل صوت .فهو يأمر وينهي وما على العمال الا الطاعة .بدأ بحفرالأساس إذ وضع القصب وبعض جذوع النخيل المشذبة كركائز ثبتها في الأرض مؤكدا ان الغرفة ستكون رائعة وكيف لا وهي من بناء يده ؟! وطّد العمال القصب بالحبال وسعف النخيل وصولا الى السقف كما قاموا بتثبيت الجندل على السقف استنادا على جذوع النخيل .
حانت مرحلة اعداد (الخُمْرة) المكونة من التراب الممزوج بالماء والتبن . وبعد ان تركوه لأيام ، قاموا بطلاء القصب من اجل المزيد من التثبيت واستمروا في أكساء الجدران القصبية بالطين والتبن حتى وصلوا السقف. قام بعدها الاسطى محمود باكساء السقف من الاعلى بالطين الى ان اكتمل العمل. وبعد ان جرى تثبيت الباب والشباك ، انتظر محمود حتى يجف الطين وبدأ يكسوها من الداخل بالجص والبورك حتى تم اكمال العمل. أعطاه أبي أجرته وأجرة العمال كاملة ودعاهم الى وليمة غداء ذبحت خلالها دجاجتان كبيرتان .
كانت وليمة لاتنسى !
قبل الزواج باسبوع لاحظ القوم ان الحجرة بدات تميل الى الخلف وكأنها تريد ان تهوي الى الارض. فهرعت الى ابي الذي جاء مسرعا وشاهد ميلان الغرفة فقال بصوت مسموع أسفي ! وضرب يدا بيد . وصاح ... اذهبوا الى محمود ونادوه .جاء محمود ورأى كل شيْ فقال متعذرا يبدو أننا وضعنا كميات كبيرة من الطمي فوق الحجرة. سأله ابي وهو يكاد ان يتميز غيظا : ــ والحل ؟
رد الاسطى المخضرم هاتفا :
ــ لديّ الحل ..
أحضر ثلاثة جذوع ووضعها خلف الحجرة وثبتها بأوتاد على الأرض.
وبذلك الحل السحري راح اهل القرية صار اهل القرية يتندرون على محمود وحجرته واطلقوا عليه تسمية ( شيخ البنائين ) من باب التهكم فكان لا يرد جوابا بل يشيح بنظره عن الحجرة كلما مر بالقرب منها !
1017 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع