المحامي المستشار محي الدين محمد يونس
أحداث ساخنة في الصراع بين السلطة في العراق والحركة الكردية ١٩٦٨ – ١٩٧٥ -الجزء الثالث عشر والاخير
النهاية…. والبدايات
المشكلة الكردية تعود بجذورها الى عام 1921 على اثر سقوط الدولة العثمانية في اعقاب الحرب العالمية الأولى واحتلال الولايات الثلاثة (الموصل،بغداد، البصرة ) من قبل بريطانيا وقيامها بصناعة دولة العراق من اتحاد ولايتي البصرة وبغداد وابقت ولاية الموصل تحت سيطرتها المباشرة لغاية إجراء الاستفتاء في هذه الولاية حيث قرر مواطنوها اختيار الانضمام للدولة العراقية في عام 1925 باستفتاء صوري لم يرغب به الكرد و لم تجر استشارتهم حوله ولكن العراق كان من ذلك الوقت قد وعد أمام عصبة الأمم أن يحافظ على حقوق الكرد وهويتهم ولغتهم إلا أنه لم يتم الايفاء بأي من هذه الوعود لذلك ومنذ تأسيس الدولة العراقية والمشكلة الكردية مستمرة ولم تهدأ ابتداء من انتفاضة (الشيخ محمود الحفيد) في الأعوام 1919-1923(1)، وإن هدأت ما هي إلا لفترة وجيزة وتعاود النشاط.
الشيخ محمود الحفيد
وهذا ما حصل بعد الإعلان عن نهاية الحركة نتيجة التوقيع على اتفاقية الجزائر فكانت المفاجأة وخارج كل التوقعات حيث لم تكد تمضي الا شهرين وعشرة ايام الا ودبت الحركة من جديد في صفوف قياديي وكوادر الحزب الديمقراطي الكردستاني المنحل لتشكيل احزاب وحركات جديدة بالوان ومسميات وبرامج وأيديولوجيات مختلفة يوحدها هدف العداء للنظام العراقي والمطالبة بالحقوق المشروعة للشعب الكردي وبذلك انتهت مرحلة تمثيل الحزب الواحد للنضال والنشاط السياسي والعسكري للشعب الكردي، والأحزاب التي تم تشكيلها في نفس عام انهيار الحركة الكردية عام 1975 هي:
اولاً/ الاتحاد الوطني الكردستاني:
" انني سأرجع قريباً من اجل شحذ همم المقاتلين" ذلك ما أعلنه الزعيم الكردي (جلال الطالباني) في بيروت بتاريخ 27/3/1975 بعد ايام قلائل من انهيار ثورة ايلول فكانت تلك هي إشارة البدء بالعمل من أجل النهوض بالثورة الكردية من جديد(2).
لا نستطيع الجزم من ارتياح (جلال الطالباني) من النتائج التي حلت بالحركة الكردية وانهيارها بقيادة (مصطفى البارزاني) ولكننا نستطيع ان نجزم بأنه كان ينتظر هذه الفرصة بفارغ الصبر لاستثمارها من اجل تحقيق حلمه وطموحه الذي طالما عمل جاهداً للوصول اليه في ان يتبوأ الدور القيادي للحركة الكردية بدلاً عن قائدها (مصطفى البارزاني) الذي أعلن توقفه عن النشاط السياسي وحل الحركة وفي هــذا الصدد يقول (مسعود البارزانـي) عن ذلك: (( إلا أن وجه الغرابة والعجب هو الموقف الذي وقفته جماعة (ابراهيم احمد) فمن بين سائر طبقات الشعب الكردي الذي كان يعيش في شبه مأتم، لم يحاول هؤلاء كتمان ابتهاجهم ولم يخفوا سرورهم))(3).
أعلن في 1 حزيران 1975 من دمشق عن تأسيس الاتحاد الوطني الكردستاني ويذكر من أن الرئيس العراقي (صدام حسين) قد سخر آنذاك من تشكيل الاتحاد الوطني الكردستاني وقال: " لو تطلع نخلة براس (جلال الطالباني) ما راح يكدر يصعد ستة مقاتلين للجبل"(4).
ابراهيم احمد (والد زوجة جلال الطالباني)
كانت الهيئة المؤسسة للاتحاد الوطني الكردستاني قد تشكلت في برلين من:
1-(جلال الطالباني)
2-عادل مراد
3-عبد الرزاق عزيز الفيلي
4-د. فؤاد معصوم
5-نوشيروان مصطفى امين
6-د. كمال فؤاد
7-د. عمر شيخموس
وندرج في ادناه الفقرة الأخيرة من البيان الأول للهيئة المؤسسة:
"يا جماهير شعبنا الكردي .. أيها المناضلون والتقدميون الواعون ان التفافكم حول الاتحاد الوطني الكردستاني وانتظامكم في صفوفه بمواصلة النضال الثوري المنظم هو الرد الحاسم على المؤامرة الاستعمارية – الشاهنشاهية – الشوفينية العراقية للقضاء على الثورة الكردية خصوصاً وحركة شعبنا الكردي عموماً كما هو التعبير المنطقي المطلوب عن غضبكم واستنكاركم لانهزامية القيادة العشائرية وافلاسها السياسي والعسكري والفكري ورضوخها لمشيئة الإمبريالية الرجعية الإيرانية في انهاء الثورة الكردية التي قدمت جماهير شعبنا في سبيل انتصارها بكرمٍ وسخاء ما لا يحصى ولا يعد من التضحيات والفداء".
كثفت أجهزة النظام الأمنية من متابعتها لنشاطات الاتحاد الوطني الكردستاني باعتباره أول تحرك كردي مضاد للسلطة الحاكمة في بغداد بعد انهيار ثورة أيلول التي اعتقدت انها ستكون اخر الثورات الكردية في العراق... لذلك حرصت قيادة (البكر-صدام) كل الحرص على رصد كل نشاطات الاتحاد الوطني ومؤسسه (جلال الطالباني) خارج العراق وبكل السبل... وفي ما يلي الجانب الذي أمكن الحصول عليه من تقرير قدمه العقيد (خليل ابراهيم العزاوي) مدير الاستخبارات العسكرية العام الى مجلس قيادة الثورة مرفوع من أحد وكلاء الاستخبارات العسكرية يتضمن تفاصيل عن ندوة عقدها الطلبة الأكراد العراقيين الدارسين في الجامعات البريطانية وتحدث فيها (جلال الطالباني) عن التنظيم الذي شكله وعن علاقاته وطبيعة تحالفاته وكان الوكيل المذكور وهو من الطلبة مندساً في صفوف الحاضرين وعن هذا التقرير يقول (العزاوي) وبخط يده: " هذا تقرير (ابو ياسر) الاسم الحركي للوكيل أن المعلومات التي وردت فيه بمستوى راقٍ وتبين نهج المستقبل ونوايا الجيب العميل(5) وجلال الطالباني واعتقد ان القيادة السياسية ستعيد النظر في بعض الأمور في المنطقة الشمالية بناءً على هذا التقرير".
يبدأ التقرير بالاتي: " في الساعة 1930 يوم 20 آب 1975 أقيمت ندوة للطلبة الأكراد في لندن حضرها (50) طالباً كردياً من مختلف الدراسات.. تحدث (جلال الطالباني) من الاتحاد الوطني الكردستاني الذي شكله مؤخراً والذي يطمح في ان يجمع كافة أجنحة الحركة الكردية فيه وقال بأنه سيعقد مؤتمراً لاختيار قيادة هذا الاتحاد وان اتصالاته مستمرة مع جميع الأكراد لشرح وتوضيح أهدافه ثم تطرق الى الماضي وما حدث من انقسامات في الحركة الكردية وأكد عدة مرات خلال حديثه أن سبب تلك انقسامات كانت تلك الاتجاهات التي لم تكن في مستوى المسؤولية وقال علينا ان ننسى الماضي وننسى الاحقاد فليست القضية قضية جلال او الملا او أي شخص آخر فالقضية مصيرية حيث يمر الشعب الكردي بمرحلة خطيرة جداً"(6).
ثانياً/ الحزب الديمقراطي الكردستاني
في أيلول 1975 تشكل المركز القيادي الجديد للحزب الديمقراطي الكردستاني باسم القيادة المؤقتة وكان ذلك ايذاناً بعودته من جديد إلى الساحة السياسية وكان نواة القيادة الجديدة قد تشكل من:
1) ادريس البارزاني
2) مسعود البارزاني
3) سامي عبد الرحمن
4) علي عبد الله
5) نوري شاويس
لقد قررت القيادة المؤقتة ان تستعيد زمام المبادرة وأن تعود لقيادة العمل السياسي والحزبي في كردستان العراق من جديد ولكن بعيداً عن اي دور علني لـ(مصطفى البارزاني) لاعتبارات عدة منها تردي حالته الصحية بسبب المرض و تقدمه في السن لذلك لم يكن من بديل له على صعيد الأسرة سوى نجليه (إدريس ومسعود) اللذان تكونت لديهما خبرة وتجربة في العمل الميداني العسكري والأمني والسياسي لا يستهان بها خلال سنوات الثورة وكانا يمارسان صلاحيات والدهما في السنة الأخيرة منها 1974-1975 وبدأ التحرك لإحياء البارتي على هذا الأساس بالاتفاق مع العناصر القيادية المتبقية من قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني السابقة لبناء حزباً جديداً اعتماداً على الإمكانيات المادية الكبيرة للحزب القديم(7).
ثالثاً/ الحزب الاشتراكي الديمقراطي الكردستاني
كانت فكرة تأسيس الحركة الاشتراكية الكردستانية قد تبلورت خلال سلسلة من الاجتماعات التي عقدتها مجموعة من كوادر الحزب الديمقراطي الكردستاني المنسحبين الى ايران بعد انهيار الثورة الكردية في آذار 1975 وكان خلاصة ما توصل إليه المجتمعون هو ضرورة استئناف العمل السياسي بعد حل أو تجميد الحزب الديمقراطي الكردستاني ومواصلة النضال ضد النظام الحاكم في بغداد، قرر أغلب الذين شاركوا في هذه اللقاءات على ضرورة الاستفادة من قرارات العفو التي أصدرتها الحكومة العراقية والعودة لاستئناف نشاطاتهم في العراق بدلاً من ايران والتي لم تكن تسمح للاجئين الأكراد من القيام بأي تحرك ضد النظام العراقي والتزاماً ببنود اتفاقية الجزائر ولدى عودة معظم المشاركين في هذه اللقاءات وفي وقت لاحق من عام 1975 تشكلت من العائدين (الحركة الاشتراكية الديمقراطية الكردستانية) في العاصمة بغداد وقد ضمت الهيئة المؤسسة كل من:
1) صالح اليوسفي/ القائد المؤسس للحركة
2) علي العسكري
3) الدكتور خالد سعيد
4) الملازم طاهر علي والى
5) سعدي عزيز
6) عمر مصطفى (عمر دبابة)
7) رسول مامند
8) علي عبد الله علي
9) عارب عبد القهار
10) ملا ناصح اسماعيل احمد
كان من المقرر الإعلان عن الحركة في 1/1/1976 إلا أن عدم اكتمال الاستعدادات اللازمة تم ارجاء الاعلان الى موعد لاحق حيث وزع بيان في كل من بيروت وبغداد وبعض العواصم الأوروبية وذلك في ايار 1976 وكان صدوره باسم (الحركة الاشتراكية الديمقراطية الكردستانية) وبعد الإعلان عن تشكيل الحركة بأشهر قليلة انطلقت مفارزها المسلحة في العديد من مناطق محافظتي السليمانية واربيل اعلاناً للكفاح المسلح ضد النظام في بغداد(8).
استمر تشكيل الاحزاب والحركات الكردية بعد انهيار الحركة الكردية في اذار 1975 ولغاية عام 1979 نتيجة الفراغ السياسي الذي حصل ومن هذه الاحزاب:-
1- الحزب الاشتراكي الكردي ( الباسوك).
2- حزب الشعب الديمقراطي الكردستاني .
3- الحزب الشيوعي الكردستاني .
4- حزب العمل لاستقلال كردستان .
5- الاتحاد الديمقراطي الكردستاني .
الاقتتال الداخلي
مع بداية تشكيل الاحزاب الجديدة وانتشار مقاتليها في المناطق المختلفة من كردستان العراق وبعض المناطق المجاورة لها في ايران وتركيا بدأت الصراعات والمنافسات على النفوذ والسلطة بين البعض من هذه الاحزاب في عام 1976 تطور الى مراحل من الاقتتال الدامي بسبب توفر عوامل محلية واقليمية فرضت نفسها على الوضع الكردي في العراق بحيث اصبح امراً واقعاً لا مفر منه ولا سبيل لإطفائه بسهوله.
وكان ذلك من تداعيات انهيار الحركة بقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني اذ لولا ذلك لاستمرت الثورة الكردية موحدة ومتماسكة، لقد كان العداء بين الحزبين الرئيسيين الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني متأصلاً وقديماً تعود بداياته الى عام 1964 عندما انشق جناح المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة (ابراهيم احمد) وزادت تراكمات الاحداث بينهما من الاحقاد والكراهية والحدث الاكثر تأثيراً هو نتائج معركة (حكاري) في حزيران عام 1978 حيث ان الخسائر التي مني بها الاتحاد الوطني الكردستاني في هذه المعركة ادت الى صعوبة التئام الجروح والى المزيد من القتال والمشاكل بينهم .. وبهذه المناسبة نود الاشارة والحديث عن طائر (القبج) ويسمى أيضاً بـ(الحجل) وهو طائر جميل وشجاع وصوته مثير وعذب النبرات ويشتهر وجوده في كردستان وهو مثار اهتمام الكثيرين في اصطياده وتربيته والخصال الجميلة في هذا الطائر تفسدها خصلة الخيانة والتآمر في نفسه على أبناء جلدته حيث يقوم الصيادون بوضع احدى اناث هذه الطيور الاليفة بالقرب من الشباك التي اعدوها لصيد هذا النوع من الطيور التي تستدرج لتقع في الشباك بعد ان تسمع صوت تغريد هذا الطائر و كثيراً ما يشبه سلوك البعض من الكرد بسلوك هذا الطائر لولا هذه الخصلة فيه لأصبح رمزاً لهذه الامة.
طائر القبج (الحجل)
لعنة الكرد واتفاقية الجزائر
يقال من ان لعنة الكرد من جراء ابرام اتفاقية الجزائر في 6 اذار 1975 قد طال اللاعبين الاساسيين فيها فهذا شاه ايران (محمد رضا بهلوي) و بعد خمس سنوات من توقيع الاتفاقية اضطر للهرب من ايران خوفاً وذعراً من ثورة الامام الخميني التي اشعلها وهو في باريس عندما طرده (صدام حسين) من العراق بناءً على طلب الشاه بموجب الاتفاقية وضمن البنود السرية واصبح هذا التصرف وبالاً على الاثنين حيث عاد الى ايران مع بداية عام 1979 كبطل قومي واستقبل استقبالاً قل نظيره من قبل الشعب الايراني اما الشاه فقد تعاملت معه حكومة الولايات المتحدة الامريكية تعاملاً لم يكن يتوقعه مطلقاً وهو الابن البار لهذه الدولة طيلة ثلاثة عقود وكان التعامل معه يشبه الى حدٍ ما التعامل مع قائد الثورة الكردية (مصطفى البارزاني) بعد انهيار الحركة حيث رفضت لجوئه اليها وكان الموقف السلبي للعديد من الدول مشابهاً لموقف امريكا في التعاون مع هذا الرجل الذي فقد بريقه وسلطته وكانت جميع دول العالم تستقبله بحفاوة بالغة وتتمنى قدومه اليها محملاً بالأموال والهبات والموقف الجديد لهذه الدول جعلت الشاه مضطراً للتخلي عن غطرسته وعنجهيته ولولا موقف حليفه الرئيس المصري (انور السادات) ووفائه له لبقي معلقاً بين السماء و الارض دون ان تستقبله اي دولة من الدول التي شد رحاله اليها حيث استقر في القاهرة ومات ودفن فيها بتاريخ 27 تموز 1980.
أما عراب الاتفاقية (هواري بومدين) فقد رحل في 27 كانون الاول 1978 اثر مرض عضال استدعى نقله الى مستشفى سوفيتي بقي فيه عدة اسابيع وقد اتهم في حينها (صدام حسين) بقتله عندما وجه له دعوة لزيارة العراق للتداول وحضر فعلاً واقيمت له حفلة استقبال بسيطة تناول خلالها اكلً وشرباً كانت اجهزة المخابرات العراقية قد دست مادة الثاليوم القاتلة فيها و ربما يتساءل البعض عن اسباب قيام (صدام حسين) بهذا العمل حيث قال ان الاخير هو المستفيد الاكبر من رحيل بومدين حيث كان يعرف ادق التفاصيل ومسارات الابتزاز والمهازل التي رافقت لقائه مع شاه ايران وصلحه معه مقابل تسليم نصف شط العرب وهكذا وبعد عودته من العراق ساءت صحته وعانى من الهزال و سقوط الشعر والهلوسة(9).
أما ثالثهم وهو (صدام حسين) فقصته معروفة وهو المولع بالحروب الداخلية والخارجية والحق بالشعب العراقي والعراق افدح الخسائر بقرارات فردية يتجه فيها إلى حافة الهاوية الا انه سقط في الحافة الأخيرة في التاسع عشر من شهر آذار من عام 2003 عندما غزت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية العراق فيما بات يعرف بعملية حرية العراق وعندما نتحدث عن القرارات الفردية لــ(صدام حسين) وما سببته للعراقيين من مآسي ودمار ننقل هذا الجزء من حديثه في مجلس الشعب في مدينة كركوك في تموز 1976 حيث يقول: " الانسان الذي لا يقال له انك اخطأت، لا يدرك خطأه، ولا يدرك ان كان قد اصاب او اخطأ، و الحكم الفردي عبر العصور يؤدي الى الشطط، ونحن في العراق ذقنا منه ما ذقناه، ولذلك فمن المبادئ الأساسية التي يقوم عليها عمل الحزب والتي استقت منها الدولة اساليبها هو العمل الجماعي والعمل الجماعي هو وجود هيئات مسؤولة في الدولة وفي الحزب تناقش الآراء بصيغة ديمقراطية، وفق الاطار العام لمبادئ الحزب واسسه"(10).
ولا ندري ماذا يعني العمل الجماعي والآراء بصيغة ديمقراطية عند (صدام حسين) و الذي اتفق مع شاه ايران في اتفاقية الجزائر عام 1975 ومن ثم ألغاها في عام 1980 ودخل الحرب مع ايران في نفس العام وكان الخطأ القاتل احتلاله لدولة الكويت في عام 1991 وكانت كلها قرارات فردية عملاً بالقول المشاع (اذا قال صدام قال العراق) والسخرية في القرار الاخير الذي لم يكن يعلم به وزير الدفاع العراقي في تبرير مضحك من أجل المحافظة على سرية العملية و عدم تفويت عنصر المفاجأة، نعود للحديث عن مصير (صدام حسين) والذي قبضت عليه القوات الامريكية بتاريخ 13 كانون الاول 2003 في مزرعة في منطقة الدور على اثر وشاية من احد مرافقيه وكان وضعه مزري وبائس وكان مسلحاً الا انه كان يحتفظ بالسلاح لوقت الشدة جرت محاكمته وحكموا عليه بالإعدام ونفذ فيه الحكم بتاريخ 30 كانون الاول 2006.
لحظة القاء القبض على الرئيس العراقي السابق (صدام حسين)
خلاصة المشاهد
اولاً/ سوء اسلوب الدمج وسوء ادارة الدولة
تأسست الدولة العراقية في عام 1921 على اسس وضوابط عشوائية تفتقر لدراسة حقيقية عن وضع الشعب العراقي الجديد من الناحية الاجتماعية والاقتصادية وتنوع مكوناته بغية وضع برامج متكاملة من شأنها ان تؤدي الى دمج هذه المكونات في بودقة الوطن الواحد الراعي للجميع على أسس العدالة والمساواة وكان الاجدر بأنظمة الحكم التي تعاقبت على سدة الحكم في العراق ان تعالج الأخطاء التي اكتنفت مرحلة التأسيس وان تولي الحقوق المشروعة للشعب الكردي الأهمية والاهتمام من خلال مراعاة الخصوصية لهذا المكون ومعالجة التغيرات الحقيقية في دستور البلاد والقوانين والأنظمة السارية فيه والتي جعلت هذا الجزء من الشعب العراقي يشعر بالتهميش والظلم واللجوء الى كافة السبل ومنها حمل السلاح للتعبير عن الاخفاق وعدم الرضا من واقعه الذي لو عالجته هذه النظم لفوتت الفرص من استغلالها من قبل الجهات الداخلية والخارجية لأغراضها الذاتية.
ثانياً/ المخربين، العصاة، الانفصاليين، العملاء
صفات كانت تطلق من قبل الأنظمة على الاكراد المرتبطين بالنشاطات السياسية والعسكرية المناوئة لها وكانت التسمية تختلف من نظام الى اخر و كان توجيه تهمة الارتباط لأي فرد كردي بهذه النشاطات او التعاطف معها وحتى على اساس الريبة والشك بالنسبة للأشخاص الذين لا علاقة لهم بها سهلاً وميسوراً، ان النظرة الخاطئة في التعامل مع الاكراد جميعاً من قبل الانظمة المختلفة وعلى الخصوص في ظل النظام السابق 1968 - 2003 من خلال نظرتها الى الحركات والاحزاب الكردية المناوئة لها فعندما كان يحصل أي تحسن في العلاقة بين الطرفين ينعكس ذلك ايجابياً على عامة الشعب الكردي والعكس صحيح وقد جرى نفس هذا السلوك في التعامل مع البطل (صلاح الدين الأيوبي) فعندما كانت العلاقة إيجابية مع الجانب الكردي يصبح هذا البطل كردياً وعندما كانت تسوء العلاقة معه يصبح بطلاً عربياً وهو في الحالتين أصبح ادائه محل انتقاد من بني جلدته الاكراد حيث يلومونه في اهماله الجانب القومي في نشاطه السياسي والعسكري وترك لهم بغض المسيحيين جزاء ما فعل بهم في الحروب الصليبية.
ثالثاً/ ما اشبه اليوم بالبارحة
الحركة الكردية انهارت في اذار 1975 بسبب الاعتماد على ايران و شاهها و يبدو ان الزمن يكرر نفسه بالاعتماد على تركيا واردوغان وهناك مخاطر على المكتسبات التي حصل عليها الشعب الكردي في العراق بعد الاوضاع التي استجدت نتيجة القضاء على النظام السابق في عام 2003 واحتلال العراق من قبل قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية حيث تم الاعتراف بموجب الدستور العراقي بالنظام الفدرالي واصبح اقليم كردستان في ظل هذا النظام يتمتع بخصائص وامتيازات عديدة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ضمن الدولة العراقية، إلا ان التوترات في العلاقة بين حكومة اقليم كردستان التي تشكلت من الاحزاب الكردية المعارضة لنظام (صدام حسين) والحكومة المركزية في بغداد والتي اصبحت تحت نفوذ القوى الشيعية لامتلاكها الاكثرية النيابية المكونة للشعب العراقي وبذلك اصبحت مقولة التحالف الشيعي الكردي في خبر كان بعد ان تعارضت مصالحهم على ضوء مستجدات النظام السياسي الجديد في العراق ومن ثم جاءت عوامل أخرى مؤثرة في اوضاع الاقليم منها الاستفتاء الذي جرى يوم 25 أيلول 2017 وقوبل بتأييد شعبي كردي واسع ورفض عراقي وخارجي كانت له تداعيات في الاوضاع السياسية والاقتصادية لإقليم كردستان وقبل ذلك لا يمكن تجاهل تراجع الوضع الاقتصادي للعراق بشكل عام و اقليم كردستان بشكل خاص بعد سيطرة التنظيم الارهابي المسمى بقوات الدولة الاسلامية (داعش) والذي سيطر على ثلث مناطق العراق ومن ثم جاء دور هذا المرض الفتاك (كورونا) ليزيد في الوضع سوءاً وتبرز مشكلة جديدة في الاقليم تمثلت في حصول خلل في نظام توزيع مستحقات رواتب موظفيهِ وتأخرها هذه الاسباب جميعها ومعها ظاهرة الفساد اوصلت الاقليم الى ما هو فيه.
رابعاً/ حكم العاطفة
قد يخيب الحكم في مسألة عندما يستخدم الانسان عاطفته وأحسن قول في هذا المجال قول شاعرنا:
عين الرضا عن كل عيب كليلة
وعين السخط تبدي المساوئا
هذه المقدمة نسردها عند الحديث عن تقييم النظام السابق ورئيسه (صدام حسين) ومما لا شك فيه من أن نتائج التقييم ستكون غير حقيقية بالاعتماد على الجانب العاطفي حباً أو كرهاً والخطأ الكبير عندما تتم المقارنة بينه وبين النظام الحالي المليء بالنواقص والخلل في كافة الاوجه السياسية والاقتصادية والاجتماعية وهي من افرازات واخطاء ذلك النظام والنظرة القاصرة لقيادته.
خامساً/ لا يختلف أداء بغداد وان اختلف من يحكم فيها
حيث اثبتت الوقائع تسلط المكون الحاكم في بغداد ومحاولته تهميش دور المكونات الأخرى بشتى الطرق في المجال السياسي والاجتماعي والاقتصادي وهذا ما حصل منذ تأسيس الدولة العراقية في عام 1921 حيث تصر المكون السني للمشهد السياسي وهرم السلطة في النظام الملكي والجمهوري بكافة مسمياته لغاية عام 2003 حيث جاء دور المكون الشيعي بعد القضاء على نظام الرئيس العراقي (صدام حسين) من خلال احتلال قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الامريكية للعراق ولا يستبعد نفس هذا السلوك عندما يتسيد المكون الكردي للسلطة في بغداد ولا تنظر السلطة الحاكمة وصاحبة القرار في العاصمة لغير مكونها بعين الارتياح إلا عندما يكون عميلاً لها وناكراً لحقوق مكونه الذي ينتمي اليه.
سادساً/ سياسات الولايات المتحدة الامريكية والدول الغربية
تتميز سياسات الولايات المتحدة الامريكية والدول الغربية بكونها طويلة الأمد في معالجة القضايا التي تشغل بال الإنسان في منطقة الشرق الأوسط وتشكل خطراً على مصالحها من خلال سلسلة من الإجراءات الأمنية والإعلامية لغرض افراغ هذه الشعارات من محتواها وتجعل من يؤمن بها يشعر بالإحباط وخيبة الامل واليأس من نتائجها ومع سقوط الدولة العثمانية برزت احزاب وحركات سياسية عديدة في المنطقة تنادي بالقومية العربية ووحدتها من المحيط الى الخليج وتحرير فلسطين و الى غير ذلك من الشعارات التي لم تعد تثير الاهتمام ونفس الحال مع الأحزاب والحركات الكردية الداعية لنيل الحقوق القومية والخلاص من التهميش والأحزاب والحركات الشيعية التي نراها اليوم منقسمة على بعضها البعض في الولاء والمصالح.
انتهت جهودي في إخراج كتابي الخامس الذي بدأت فيه الكتابة في منتصف عام 2020 الذي شهد قدوم ضيف ثقيل ومؤذٍ على البشرية (كورونا) والذي يصر على البقاء وإلحاق الأذى بأكبر عدد من سكان الكرة الارضية والإنسان رغم محاولاته عاجز عن القضاء عليه والتخلص من شروره أملي وغايتي في ان اكون عند حسن ظن القارئ العزيز فيما كتبت والتمس العذر ان أساءت و(ارضاء الناس جميعاً غاية لا تدرك) ورجائي من العلي القدير ان يبعد الشر والمآسي عن الجميع.
هوامش الفصل الثالث
1. تورد فالستروم/ ليس لنا من أصدقاء غير الجبال/ ص120
2. صلاح الخرسان/ التيارات السياسية في كردستان العراق/ ص315
3. مسعود البارزاني/ البارزاني والحركة التحررية الكردية/ ص356
4. شامل عبد القادر/ اتفاقية الجزائر والأسرار الكاملة لانهيار الحركة الكردية/ ص78
5. التسمية التي كان يطلقها النظام العراقي على الحزب الديمقراطي الكردستاني
6. صلاح الخرسان/ المصدر السابق/ ص322
7. صلاح الخرسان/ المصدر السابق/ ص247
8. صلاح الخرسان/ المصدر السابق/ ص486
9. شامل عبد القادر/ المصدر السابق/ ص139
10. صدام حسين/ ايماننا بالحكم الذاتي لا يتزعزع من منشورات السلسلة الوثائقية رقم (50) وزارة الإعلام 1976
للراغبين الأطلاع على الجزء السابق:
https://algardenia.com/maqalat/46963-2020-12-02-12-16-25.html
1126 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع