بسام شكري
نظرية المؤامرة - المرض الخفي
في غمرة الاحداث الدراماتيكية المتسارعة التي مرت على البشرية خلال هذا العام نتيجة انتشار وباء كورونا فقد انتشرت نظرية المؤامرة بشكل واسع بين العديد من الشعوب ومن المتوقع ان تستمر فكرة نظرية المؤامرة لفترة ما بعد الوباء أيضا لما لها من علاقة بخلفية الوباء، فكيف نشأت نظرية المؤامرة وتطورت حتى اخذت الشكل الهستيري المدمر خلال عام 2020؟
عندما يمر فرد ما او مجتمع ما بتجارب سلبية فيها سمة الكذب والخداع بشكل متكرر سواء كانت تلك الأكاذيب والمخادعات صادرة من شخص اخر او من الدولة التي يعيش في ظلها يتسلل الشك الى عقله ويستبدل الصدق والمنطق بالكذب والفانتازيا فتصبح كل التصرفات والقوانين والأنظمة الجديدة عبارة عن مؤامرات وخدع المراد منها الحاق الضرر به لأنه قد تعود على سماع الكلام الجميل الذي يخفي ورائه الكذب والخداع ومن هنا تبدأ أولى مراحل نظرية المؤامرة , ونظرية المؤامرة قد تصيب فردا او مجموعة اشخاص وقد تصيب شعوبا كاملة وفي عصرنا الحديث فقد تجلت نظرية المؤامرة بشكل واضح في تكرار خداع وكذب بعض الحكومات على شعوبها بحيث مهما أصدرت من قرارات حتى لو كانت في صالح الشعب فإنها ستطبق بطريقة مغايرة لما مكتوب اسوق هنا مثال حي يعتبر الاكثر حداثة على نظرية المؤامرة وهو ما يجري في العراق اليوم , فبعد زوال النظام الملكي مرت على العراق الجمهوري أنظمة حكم متعددة ودخلت حلبة السياسة أحزاب وقوى عديدة وكانت السمة العامة للقوانين والأنظمة هي الكذب على المواطن المسكين وقد توجت فوضى الحروب والحصارات والغزوات على العراق بالغزو الأمريكي عام 2003 وكانت قمة الفوضى والكذب بعد ان دخلت قوات الغزو الأمريكي الى بغداد حتى تشكلت بشكل عشوائي عصابات متعددة الاشكال والأغراض قامت بنهب كل شيء تابع للدولة وكأن الدولة هي عدو الشعب وليس القوات الغازية ولم يفق العراقيين من هول الصدمة حتى تشكل مجلس الحكم من مجموعة عملاء وجواسيس ومتسولين ولصوص واخذت ابواق الدعاية الامريكية خلال حكم بوش الابن وباراك أوباما تجبر دول العالم وأوروبا بالذات على تجميل وجه النظام الذي اسسه بول بريمر واطلاق اسم العراق الجديد والعراق الديمقراطي وتم قرع ملايين من طبول الكذب في كافة وسائل اعلام دول أوروبا وامريكا ودول الشرق الأوسط حول عظمة وديمقراطية وقدرات ذلك النظام البائس واصدرت سلطة المنطقة الخضراء قوانين فيها من العجب العجاب ادهشت كل الشعب العراقي بحيث صدر قانون ان لكل مواطن عراقي حصة في البترول يستلمها بالدولار الأمريكي شهريا وذلك القانون لا يمكن تطبيقه على ارض الواقع في أي دولة في العالم الا في أفلام الخيال العلمي وبالتدريج تبين ان كل الحكومات التي قام الاحتلال بتشكيلها ما هي الا مجموعات من اللصوص تتبادل الأدوار وان كل المشاريع التي كان يعلن عنها ما هي الا أوراق ومستندات لا قيمة لها الهدف منها سرقة المال العام وتم نهب مليارات الدولارات خلال الفترة السابقة وفقدت الدولة بنظامها الطائفي كل المصداقية واصبح مجرد اطلاق اسم حزب في الشارع العراقي يعني عصابة او مافيا او مجرمين وكانت هناك سلسلة من السرقات العلنية الساذجة والقانونية المركبة حيث بدأت السرقات في اليوم التالي لدخول الجيش الأمريكي الى بغداد بسرقة طوب أبو خزامة وهو المدفع التاريخي العثماني الذي كان موجود قرب وزارة الدفاع في بغداد وكانت صدمة للعراقيين وانتهت الى سرقة جسر مدينة المسيب قبل أسبوعين من كتابة هذا المقال عندما استيقظ الناس صباحا فلم يجدوا ذلك الجسر الكبير والمعروف في كل ارجاء العراق فكيف تم تفكيك الجسر وسرقته خلال ليلة واحدة وأين كانت أجهزة الدولة من شرطة وجيش وموظفين حكوميين ؟ ونظرية المؤامرة قد ترسخت في عقلية المواطن العراقي بحيث أصبح كل ما يصدر عن حكومة المنطقة الخضراء وبرلمانها الهزيل من قوانين وتشريعات ما هو الا أسلوب جديد لسرقة أموال الشعب او الحاق الأذى به.
أتوقع بعد انتهاء جائحة كورونا ان يتم تصنيف نظرية المؤامرة على انها مرض نفسي لما سيسببه في ارباك الناس ومن خسائر بشرية هائلة نتيجة لامتناع الكثيرين عن اخذ اللقاحات المضادة للكورونا , والمصاب بمرض نظرية المؤامرة يفقد الثقة بكل شيء فاذا شاهد زوجته مثلا تمشي قرب مكان عمله يعتقد انها جاءت خصيصا لكي تراقبه واذا ما قبله ابنه في الصباح وهو يقول له صباح الخير بابا يعتقد بان ابنه يريد منه شيء غير معتاد مثل مبلغ كبير من المال او شيء ثمين فيرد عليه بتجهم واذا ابتسمت ابنته في وجهه يعتقد انها قد عملت شيء خطأ وتريد ان تغطي على جريمتها ويصبح شخصا معزولا عن الواقع يعيش في عالم مليء بالشكوك ويرى الناس على انهم مجموعة من المتآمرين عليه والمصاب بمرض نظرية المؤامرة عندما يصادف أي حالة سواء كانت مؤامرة حقيقية او حالة عادية فانه يتفنن في ابتكار الأفكار الخبيثة بحيث ان اللص او المحتال الأصلي الذي عمل الحيلة لم تخطر على باله تلك الأفكار, ان المرض النفسي ليس له اعراض جسمية مثل ارتفاع درجات الحرارة او الألم العضوي في الجسم وانما اعراض المرض النفسي سلوكية لذلك يصعب علينا معالجته الا بطريقة المراقبة وتسجيل ردود افعاله وسلوكه والقيام بتحليل ذلك السلوك وفق المعطيات التي أدت الى ذلك السلوك والتعرف على السلوك من انه كان طبيعي حقيقي ام من وحي خيال الشخص.
نظرية المؤامرة ستؤدي الى خسائر بشرية كبيرة متوقعة خلال فترة اخذ المصل المضاد لكورونا وما بعدها بسبب امتناع الكثيرين عن اخذه والفوضى التي ستتسبب بها الأفكار المريضة والكاذبة التي يبثها المصابون بذلك المرض الخطير وسوف يؤدي بطبيعة الحال الى خسائر مادية هائلة في معظم الدول وتفكك اسري ومجتمعي وكساد اقتصادي كبير وعلاج مرض نظرية المؤامرة بشكل كامل يكمن في إعادة الثقة بالنفس وبالمحيط الاجتماعي والحكومي وهذا يتطلب جهودا جبارة وامكانيات هائلة ويستغرق وقتا طويلا قد يتعدى عدة أجيال فلا إسرائيل على المدى المنظور ستعيد الأراضي التي احتلتها مثلا او تعيد الملايين من الفلسطينيين الذين هجرتهم الى أراضيهم ولا المجرمين والعصابات الذين قتلوا العراقيين على مدى سبعة عشر عاما سيعيدونهم للحياة ولا الميليشيات التي هجرت العراقيين ستعيدهم الى مدنهم على المدى المنظور ولا اللصوص الذين سرقوا العراق على مدى سبعة عشر عاما أموال وثروات العراق وفرطوا في سيادته على أراضيه ومياهه سيقومون بإعادة تلك الأموال والمياه والأراضي . فلو حدث كل ذلك فانه سيكون علاجا لمرضى نظرية المؤامرة ويثبت لهم ان فكرتهم السابقة عن المؤامرات التي واجهتهم غير صحيحة لكنه لن يحصل وسيبقى مرضى نظرية المؤامرة عديمي الثقة بالعالم المحيط بهم نتيجة لتجاربهم السلبية السابقة مع الاحداث.
ان هناك مرضى حقيقيين لمرض نظرية المؤامرة وهناك جمهور محيط بهم يسمعهم ويتأثر جزئيا او كليا بهم حسب الظروف النفسية لكل فئة لذلك فاني اصنف مرض نظرية المؤامرة على انه يتكون من عدة درجات وليس بنفس درجة الخطورة بحيث يتحول فيها الى هوس وهذيان.
ان مرضى نظرية المؤامرة المنتشر الان في معظم دول العالم يدعون ان فايروس كورونا مؤامرة دولية وان علاج كورونا هو مؤامرة دولية أيضا والهدف من اخذ اللقاح سوف يؤدي الى انقراض الجنس البشري او تحويل البشر الى زومبي يتحكم بهم الملياردير بل غيت المسكين او تتحكم بهم الحكومة الخفية التي تحكم العالم بالخفاء , ان بعض أصحاب نظرية المؤامرة لا يعترفون أساسا بوجود مرض كورونا ويقولون نحن لم نشاهد شخص مصاب او شخص يموت امامنا حتى نصدق , ان مواجهة حرب أصحاب نظرية المؤامرة لا تتم الا بنشر الوعي بين الناس وافهامهم ان هناك فعلا مرض قاتل اسمه فيروس كورونا بغض النظر عن كيفية انتشاره او انه مصنع في مختبر في الصين اوانه انتقل من الحيوان الى الانسان في سوق الحيوانات في مدينة ووهان الصينية وهذا ليس موضوعنا الان والنصيحة الأهم هي عدم الاستماع لمرضى نظرية المؤامرة في أي مرحلة من مراحل اخذ المصل المضاد لكورونا والثقة بالأنظمة والقوانين الدولية وتعزيز الثقة بالنفس .
ان العلاجات التي ظهرت الان ليس نوع واحد من العلاج بل هو عدة علاجات وليس هناك دولة واحدة قامت بتصنيع العلاج بل تم تصنيعه من عدة دول مثل روسيا والصين وألمانيا وامريكا وبريطانيا وغيرها وبأساليب مختلفة والعلاجات لها خاصيات محاربة الفيروس بأساليب متعددة وتلك الدول التي صنعت العلاج لم تقوم بنشر الوباء بالأساس لإبادة البشرية حتى تقوم بتصنيع علاج ذلك الوباء ومع انتهاء عصر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي زرع الشك حول العالم من خلال التصريحات الغير مسؤولة والتهريج والعشوائية في إدارة اكبر دولة في العالم سيؤدي حتما الى بداية عصر جديد تتمتع فيه الدول بمصداقية في قراراتها وانظمتها. وبعد ان تبين لبعض الدول هشاشة النظام الصحي فان الكثير من دول العالم ستقوم بتخصيص ميزانيات اكبر للصحة والوقاية من الامراض , ان الطفرة الهائلة التي تحققت بأسلوب محاربة الفايروس عن طريق الحمض النووي للفايروس سيؤدي الى طفرات كبيرة تحمي البشرية من امراض كثيرة وسيتم اتباع نفس الأسلوب في محاربتها , ومثلما تتطور أجهزة الموبايل والكومبيوتر سنويا فمن المتوقع ان تتطور أساليب الوقاية من الامراض بنفس الوتيرة لاعتماد الأسلوب الجديد في محاربة وباء كورونا بنفس أسلوب التطور التكنولوجي وهذا سيؤدي الى ارتفاع معدلات متوسط الاعمار في العالم ويقوي الاقتصاد العالمي ويخفض من نفقات الادوية ويوفر الكثير من الجهد والوقت والمال.
الباحث
بسام شكري
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
813 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع