لوح الرب-شاق آشور-بونايا-أصر ٨٥٩-٨٢٥ ق.م

                                                   

           بقلم الأستاذ الدكتور صلاح رشيد الصالحي
                       تخصص: تاريخ قديم
                          بغداد 2020

 لوح الرب-شاق آشور-بونايا-أصر859-825 ق.م 

                              

شكل 1: لوحة الراب-شاق آشور-بونايا-أصر (Assur-buna’i-usur)
في العهد الاشوري الحديث هناك منصب الرب-شاق (Rab-shakeh) الذي يعني (رئيس السقاة) أو (رئيس الضباط) (بالسومرية كال-ساك Gal-Sag) ورتبته اقل من التورتانو الذي يعادل (جنرال) (حاليا منصب رئيس اركان القوات المسلحة)، ويمكن تشخيص الرب-شاق برئيس المخصيين القائمين بالخدمة في القصر ويظهر بالمنحوتات دائما بدون لحية، ويقف خلف التورتانو الذي يكون ملتحيا في الغالب، وقد يكون تحت امرته رتب قيادية أخرى مثل الرب-كصر(Rab-kisir)، والرب-موكي (Rab-mugi)، والرب-شاريشي (Rab-sa-reš)، وهؤلاء هم رتب الضباط، وهناك رتب اقل مثل الرب-خينشي (Rab-ḫenše) رئيس الخمسين يتألف من خمسين جنديا، والرب-عشيرتي (Rab--ešerte) أي آمر عشرة جنود...الخ.
ورد في سفر ملوك الثاني (18) بأن الرب-شاق هو اليد اليمنى للملك سنحاريب الذي حاصر الملك حزقيا في اورشليم (القدس)، وخاطب الرب-شاق المحاصرين بقوله: (قولوا لحزقيا: هكذا يقول الملك العظيم ملك آشور: ما الاتكال الذي اتكلت؟ قلت إِنما كلام الشفتين هو مشورة وبأْس للحرب. والآن على من اتكلت حتى عصيت علي؟ فالآن هوذا قد اتكلت على عكاز هذه القصبة المرضوضة، على مصر، التي إذا توكأَ أَحد عليها، دخلت في كفه وثقبتها! هكذا هو فرعون ملك مصر لجميع الْمتكلين علَيه. وإذا قلتم لي: على الرب إلهنا اتكلنا، أَفليس هو الذي أَزال حزقيا مرتفعاته ومذابحه، وقال ليهوذا ولأُورشليم: أَمام هذا المذبح تسجدون في أُورشليم؟ ...) حديث الرب-شاق فيه استهزاء باليهود المحاصرين خلف أسوار اورشليم (القدس)، وخلافا للاعتقاد السائد فلم يكن الرب-شاق اسمه، فقد كان في الواقع واحد من أعلى المناصب في البلاط الملكي الآشوري والبابلي، واشتهر في الرواية التوراتية عندما غزا الآشوريين اورشليم، ومن المحتمل أن الرب-شاق في عهد الملك سنحاريب كان يهوديا إسرائيليا في خدمة ملك آشور، وذلك لمعرفته باللغة العبرية، والإصلاحات الدينية التي اجرها الملك حزقيا كما وردت في (سفر الملوك الثاني) (شكل 3).
عثر على لوحة حجرية للرب-شاق آشور-بونايا-أصر وهي حاليا من مقتنيات متحف القدس، وتؤرخ لمسؤول آشوري آخر يحمل هذا اللقب وقد عاش قبل قرن ونصف من الرب-شاق الذي ورد في التوراة، وتاريخ اللوحة المستطيلة الشكل إلى الفترة من (859-825) ق.م، وكانت اللوحة من جزأين: نجد كتابة مسمارية في النصف العلوي، وصورة في النصف السفلي، (شكل 1)، يخلد النقش ذكرى أنشطة الرب-شاق ومآثره داخل المدينة والمقاطعة التي تحمل اسمه، بينما تصور الصورة إله آشوري جالس على مقعد بدون مسند الظهر، ويرتدي خوذة مقرنة دليل الإلوهية مع قرص شمس فوق رأسه ربما يكون الإله أدد أو ننورتا.
أنجزت اللوحة الحجرية في عهد آشور-بونايا-أصر (Assur-buna’i-usur)، الخصي (الخادم)، رئيس السقاة.

        

شكل 2: قائمة لمو (Limmu) تذكر الأسماء الآشورية ومنهم آشور-بونايا-أصر رئيس السقاة (اليمين)، جزء من المسلة السوداء للملك شلمانصر الثالث ومعه شخصيات رفيعة المستوى وقد صور خضوع الملك ياهو (Jehu) ملك اسرائيل ساجدا على الأرض
ذكر آشور-بونايا-أصر لأول مرة بأنه الرب-شاق في عام (855) ق.م، ومرة أخرى في عام (825) و (816) ق.م، وهذه السنوات متداخلة مع التاريخ التقريبي للوحة، وربما تولى آشور-بونايا-أصر منصبه في عهد آشورناصربال الثاني (Assurnasirpal)، واستمر العمل في منصبه طيلة حكم شلمانصر الثالث (Shalmaneser)، ومن بعده ولده شمشي-ادد الخامس (Samsi-Adad)، ولذلك خدم آشور-بونايا-أصر غالبية سنواته الـ(39) في منصب الرب-شاق في عهد شلمانصر الثالث، وقد اشتهر هذا الملك الآشوري بالعمليات العسكرية السريعة في شمال سوريا، فقد غزا دمشق، وسجل انتصاراته العسكرية في المسلة السوداء (من حجر الديوريت)، ففي إحدى اقسام المسلة السوداء نقش يمثل خضوع ملك اسرائيل في فلسطين لحكم آشور حيث صور الملك ياهو (Jehu) يقبل الأرض ويقدم الجزية للملك شلمانصر الثالث، ويقف الملك الآشوري على جهة اليمين بينما يقف آشور-بونايا-أصر على جهة اليسار وفي الوسط يسجد ياهو (Jehu) ملك اسرائيل (شكل 2).

   


شكل 3: حصار اورشليم (القدس)، صور الرب-شاق جالس في الكبش (وسط اللوحة) قريبا من السور وخلفه رماة السهام، وجغرافية المنطقة شبه جبلية، وفي اللوح يخاطب الرب-شاق المقاتلين الأعداء المحاصرين فوق سور اورشليم بتسليم أنفسهم لسيده ملك آشور.

وظيفة الرب-شاق في عهد الدولة الاخمينية
وردت أسماء كثيرة عن المخصيين الذين تولوا منصب الرب-شاق في الإمبراطورية الاخمينية الفارسية، ومنهم نحميا (Nehemiah) معروفا باسم (ساقي الملك) بمعنى (الرب-شاق)، وقد خدم في عهد الملك ارتاكزركزس الأول (Artaxerxes) (465-424) ق.م ابن الملك اكزركزس الأول (Xerxes) (486-465) ق.م وربما الملكة إستير (إستير بمعنى النجمة Star والمعروف ان الإلهة عشتار هي كوكب الزهرة التي يطلق عليها النجمة)، تقلد الخصي (نحميا بن حكليا) وظيفة حامل الكأس أو ساقي الملك ارتاكزركزس الأول، وهي من الوظائف ذات المكانة الكبيرة نظرا لأن الملك يأتمن شاغلها على حياته، ومن ثم يصبح هذا الشخص مسؤولًا عن سلامة كل ما يقدم للملك ولضيوفه من مشروبات، فكان نحميا يتذوق هذه المشروبات ليتأكد من خلوها من السم أو أي طعم غريب، ونلاحظ هنا أن العهد القديم يؤكد على أن نحميا كان خصيا لأنه لم يذكر أي شيء عن أسرته أي زوجته وأولاده، ويؤكد كونه خصيا أيضا أن وظيفته كحامل للكأس تسمح له بدخول الحريم الملكي والانتظار فيه، ومما يشير إلى المكانة العالية التي وصل إليها الخصي نحميا في عهد الملك ارتاكزركزس الأول قيام الملك بإرساله إلى أورشليم (القدس) لتهدئة النزاعات الناشئة بين اليهود الجدد الذين سمح لهم الملك بالعودة إلى أورشليم مع عزرا، وكان عددهم حوالي ألف وخمسمائة يهودي، وبين اليهود المستقرين في تلك المنطقة، وقد استطاع نحميا تهدئة الأمور إلى حد كبير بصفته ساقي الملك.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

679 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع