مصطفى العمري
الحلقة الثامنة من الحوار المفتوح مع ا. د. عبد الاله الصائغ، وفيها يجيب على اسئلة الاستاذ مصطفى العمري.
مصطفى العمري/ امريكا: ثمة ما يجعلني متخوفاً وأنا أدخل ميدان الصائغ حيث الممرع من الحديث والناضج من الرأي والسامق من الشعر، لا أريد الحديث عن الصائغ لأن الحديث عنه يعد الحديث عن نفسي وعن طائفة كبيرة من المثقفيين العصاميين والعضويين، ولأني أعرف الدكتور عن قرب فسأقول أمراً ليس ...فيه شعراً أو نثراً، بل هو تجربة شخصية ومحاولة فهم لسايكلوجية الدكتور.عبد الاله الصائغ يحمل قلباً طفولياً بامتياز وله مجسات فلترية تستطيع ان تمتد لتعقم الى بعد اميال فهو بذلك نقي يتبختر بنقاوته ويضوع بعطره وطيبته، أعرف جيداً حجم الانفعال عنده وقساوته التي يمتعظ منها البعض لكن الجميل في الامر أنه لا يستبطن حقداً ولا يضمر غلاً. إنحصرت أكثر الكتابات عن الدكتور الصائغ في مجال الشعر والنثر أو لنقل اللغة بشكل عام، لكنه أُهمل من دون قصد أو لم يلتفت له الناضجون من أن الصائغ مؤرخ ومفكر من طراز متقدم جداً والذي يجلس معه يجد ان حديثه المتمترس باللغة مرتفع بالفكر ومتخندق بهالة من بالمعلومات.ومن خلال هذا الموقع الكريم الذي يحاول إبراز شخصية مهمة من تاريخ العراق الحديث، أحاول أن أسأل الدكتور عبدالاله الصائغ بعض الاسئلة:
س17: مصطفى العمري: أيهما أولى الدين أم الانسانية، وماذا تقترح للمجتمع العراقي أدينة المجتمع أم أنسنته؟
ج17: د. عبد الاله الصائغ: مصطفى العمري 12 سبتمبر 1973 في ناحية الاصلاح بالناصرية مفكر شاب مقيم في مشيغن. يقيم علاقات صداقة مع مفكرين مغايرين مثلا الدكتور طالب الرفاعي والدكتور محمد عابد الجابري وادونيس والاستاذ سالم الشمري.. يكتب مقالات تسعى الى تحديث الخطاب العربي بله الخطاب الاسلامي مما اثار ضده زوبعة قادها عدد من المتدينين والعلمانيين وهو لايعبأ بالخصوم فهو منشغل عنهم بطروحاتهم التي يغايرها. ولايبدو انه برم بتلك الخصومات ليقين يمتلكه مؤداه ان طريق الفكر التنويري جدير باجتراح خنادق مضادة. وجوهر ما يشغله هو السلام بين الاديان والمذاهب والافكار فاذا لم يكن السلام وكانت الحروب الكارثية بين محاور الاختلاف فالافضل لكل معتقد ان يراجع معتقده وينقيه من الشوائب.
أما أيهما أولى الدين أم الانسانية، وماذا تقترح للمجتمع العراقي أدينة المجتمع أم أنسنته كما ورد في السؤال؟.
لنتفق قبل ارتكاب الحوار فنقول دون مواربة (الإنسان اولا) كل شيء جعله الله من اجل الانسان. الأديان السماوية من البوذية الى الابراهيمية الى اليهودية الى المندائية الى المسيحية الى الاسلام كل هذه الاديان السماوية وسواها جاءت لتحل مشاكل الانسان وتنقله من الحرب الى السلام من الظلامية الى النورانية من الجوع الى الشبع من العبودية الى الحرية. اذن جوهر الدين هو السعي لرقي الانسان. جوهر الدين هو انقاذ الفكر البشري من الانغلاق والعصبية. جوهر الدين هو حقن دماء الانسان.. ثم جاءت المعتقدات الارضية لتكرس رفاه الانسان ورقيه. إذن الاصل في كل الاديان الحلال وليس كما نشهده الان من تحريف يؤسس الى ان الاصل في كل الاديان الحرام. فكل شيء حلال حتى يثبت لك العكس.وكل شيء لك طاهر حتى تتيقن من نجاسته. لكن طبائع الاستبداد تبحث عن المسوغات. وطبائع التخلف تبتكر الوسائل التي تطلس النور وتؤثل الديجور. ترى العمى بصرا والجريرة بصيرة. تئد الحرية باسم الحرية وتهرق الدماء لترضي السماء (كذا). والا اين الدراسات المقارنة العلمية والعملية معا بين الدين السابق والدين اللاحق. بين المذهب البارح والمذهب السانح. واين هي القواسم المشتركة بين المؤتلف والمختلف.. ولماذا تشخب الاوطان دماءً. ولماذا ينضح التاريخ وباء. ولماذا نتقاتل ونقتل بخناجر الدين او المذهب.. لماذا بحور الكراهية تمور؟ شخصيا لا اقترح وصفة سحرية للشعب العراقي. فحلول مشكلاته ليست محصورة بين الأدينة وبين الأنسنة. فالكراهية وجدت قبل الدين ولبثت ووجدت قبل الانسان وأزمنت. الملاحم السومرية والاكدية والآشورية والبابلية تروي المقاتلة بين العراقيين. وكان الصراع على اشده بين الآلهة والبشر. بين العوائل الحاكمة والعوائل المحكومة. لم تكن اطروحات التضاد بين الأدينة والأنسنة. لماذا اختطفت عصائب العالم السفلي بتوجيهات برسفون (ملامحها طبائعها متماهية مع طبائع وملامح مدراء الأمن والمخابرات) اختطفت تموز الفتى الطاهر عاشق النور والجمال. وكانت الشعوب العراقية في مارس آذار تصطنع طقوسا للبكاء على غياب تموز طقوسا للتوجع والتفجع وفيها ممارسات ايذاء الفجسد من اجل تطهيره من جهة ومن اجل مواساة محبي تموز. لماذا قارن ملحمة إين ما آيلش كيف خرج مردوك الرجل من رحم تياما. تياما آلهة الآلهة وسيدة اليابسة والماء وحاكمة الأرض والسماء. كيف استكثر مردوك على المرأة ان تكون حاكمة فصارحها ثم جادلها ثم جالدها ثم قاتلها ثم وحين عجز انتصر عليها بالمكر غير الخير. وشطر تياما الجميلة الحميمة من وسطها شطرين وحكم على نصفها العلوي بالطهارة وعلى نصفها السفلي بالنجاسة. ليست ثمة في ذلك الوقت صراع بين المجد البشري والمجد الديني. هناك غيوم تكتنز الكراهية فتمطر دماء بسبب ان المجتمع العراقي لم يترب في كل العصور وترك مصيره ليقرره اللصوص والمعاتيه والقتلة. اقترح على المجتمع العراقي ان يشنق جهارا نهارا ماردي التاريخ والجغرافيا فكل مصائبنا منهما وبسببهما. نحن العراقيين بخير مالم يشيننا التوريخ في الماضي والتهشيم في الحاضر. وذلك يقتضينا حجر المعتقدات الظلامية وتسوير الطروحات الأعرابية (..) انتهى
852 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع