مصطفى محمد غريب
مشروع الطائفية الفجيعة في أكياس القمامة
" وكل عام – حين يعشب الثرى – نجوع .... ما مر عامٌ والعراق ليس فيه جوع" هذا المقطع الشعري للشاعر بدر شاكر السياب حالة منفردة للصورة الحقيقية التي عاشها العراق وما زال يعيشها ، وهي ليست مبالغة فحقيقة الأرقام وواقع الحال والوقائع تثبت ذلك بدون تحيز أو تشويه للمواقف، صحيح ان لكل فترة ومرحلة سياسية خصوصيتها بما فيها مغتصبي السلطة من الشعب لكن الجمع بكل الحالات ينطبق عليها جوهر موضوعة فجيعة البلاد بكل ما فيها من مكونات بشرية وثروات طبيعية بضمنها القطاع الصناعي والتجاري والزراعي، العراق صاحب اكبر فجيعة في التاريخ الحديث أي منذ تأسيس الدولة العراقية والحقب ما قبلها تداعيات غير قليلة لتباشير الفجيعة ولكننا بغنى عنها في هذه السطور القليلة، ففجيعته أبان الحكم الملكي هي الاستعمار البريطاني وسياسة الاحلاف والمعاهدات الجائرة والإرهاب والقمع وصولاً الى الإعدامات لقادة وطنيين وشيوعيين معادين للصهيونية والاستعمار، وفجيعته بما حدث بعد ثورة 14 تموز 1958 على الرغم من تحرره لكن الدكتاتورية الفردية طغت على الحكم، وفجيعة مستمرة صاحبته تدريجياً منذ الانقلاب الدموي في 8 شباط 1963 وهذه المأساة كتبت عنها ملايين الصفحات ومئات الكتب، واستمرت الفجيعة في انقلاب 17 تموز 1968 وما حل من دكتاتورية دموية وحروب داخلية ضد الشعب الكردي وخارجية فجيعتها عشرات الآلاف من القتلى والمصابين واللاجئين وعشرات الآلاف من السجناء والمعتقلين والمعدومين وبعد 35 عاماً من الجريمة الفجيعة احتلت البلاد واسقطت الدكتاتورية المسبب الاكبر للفجيعة. وظن الناس إن العلاج قادم بالخلاص من نتائج القهر والظلم والإرهاب واذا الفجيعة تطل يراسها الثعباني السام من خلال الطائفية المحاصصة الغريبة عن المجتمع العراقي صاحب الفسيفساء من المكونات الدينية والقومية والعرقية والمذهبية، اطلت برأسها وبدعم من ايران بدون لبس أو مخاتلة، فأول من سار الى ايران احمد الجلبي ثم عاد ليتم تكوين الائتلاف الشيعي الأول وبهذه الحركة تم وضع حجر الأساس سياسياً وطائفياً للمحاصصة الطائفية والحزبية إضافة لمجلس الحكم بقيادة الحاكم الأمريكي بريمر الذي كان له دور الريادة في التأسيس لإبقاء البلاد تدور في فلك التطاحن والتمزق والصراع الطائفي، ومنذ ذلك الحين ولحد هذه اللحظة عانت أكثرية الشعب العراقي الأمرين من طائفية الحكم وفق رؤيا سياسية ضيقة استغلت قانون الانتخابات والمفوضية العليا للانتخابات لتمرير أكثرية شيعية في البرلمان والانتقال نهائياً الى ترسيخ الحكم الطائفي للأحزاب والتنظيمات الشيعية وميليشيات وفصائل مسلحة في تصور لتطبيق التجربة الإيرانية في مسالة تأسيس الحرس الثوري وفيلق القدس التابع له وهذا ما تنبهت له القوى الوطنية والمرجعية الشيعية في النجف مما أدى الى انحسار هذا لمشروع لأسباب ذاتية وموضوعية، الذاتية منها تفجير الخلافات داخلياً بين الفصائل التي تعارض القيادة الإيرانية وبين تلك الفصائل التابعة لإيران اما الموضوعية وجود تكوين كبير سني لا يمكن تجاوزه ومكونات أخرى دينية وطائفية وعرقية ليس لها مصلحة في الأفق الضيق للطائفية السياسية ، وما يؤسف له ان الفجيعة لم تنته بل توسعت نوعاً وكماً ،الطائفية وباء أكثر خطورة من أي وباء لم تستفد هذه القوى الطائفية من تجربتها خلال اكثر من 17 عاماً وما رافق مشروعها من نكسات قريبة للفشل لولا تمسك القوى التابعة الى حد مقتل الجنرال سليماني قائد فيلق القدس الذي كان يتمتع بقدرات غير قليلة للملمة التبعثر الذي بدأ يسري في الائتلاف الشيعي الأول وهو على اعتاب النفوق باعتباره يخلق خللاً واضحاً في العلاقات الوطنية والعلاقة الإنسانية والخطورة على السلم الاجتماعي لأنها بذرة الشر في استمرار وتعميق الفجيعة الطائفية.. التصور العقائدي الطائفي في جعل العراق كإيران او لبنان تصور خاطئ جملة وتفصيلاً لأن العراق وشعبه يملكان تجربة طويلة في النضال الوطني والاجتماعي الطبقي الذي تعرض الى التهميش والخرق أبان حكم الدكتاتورية التي لم يكن يهمها الا البقاء في السلطة دون أي اعتبارات أخرى، فالإزاحة السياسية والدموية لجميع المكونات وفق اقترابها من السلطة الدكتاتورية او ابتعادها عنها فلا توجد رحمة لأي معارضة أو خلاف مع النهج المتسلط الفاشي النزعة، سياسة القتل الفردي والجماعي تشمل حتى الأبرياء من المواطنين وهو قول اوضحه السيد علي خامنئي في المظاهرات الأخيرة عندما صرح " قتل أي شخص حتى لو كان بريء اثناء التصدي للمتظاهرين السلميين " لن نخفي رؤوسنا مثل النعامة في الرمل من خلال موقفنا المناهض للطائفية الرجعية السياسية والعقائدية مادام هناك من يفكر في إنعاشها ومواصلتها بهدف الاستحواذ لغرض تقسيم العراق طائفياً، من هنا تكمن خطورة التصريحات الجديدة حول الدعوة الى المشروع العقائدي الخاص بالشيعة تحديداً بعدما تعرت تلك الدعوات والتخلي عن المشروع الوطني ولا بأس ان ننقل عبر " اسرار ميديا في 4 / 12 / 2020 تصريحات السيد صالح محمد العراقي المقرب جداً من السيد مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري لكي نستشف ما خلف التصريح والمشروع الخاص الجديد، يؤكد السيد صالح في بيانه ان “مشروعنا الانتخابي الخاص عبارة عن (مشروع عقائدي) طائفي، فلن نتحالف تحالفات سياسية ما لم نقوي شوكة الدين والمذهب" وعلى ما يظهر وليسمح لنا السيد صالح محمد العراقي إن كلمة الدين عبارة عن ملصق اعلاني اريد من تواجده تحسين المشروع نظرياً ،لأن الدين هو دين جميع المعتقدين به وليس إيدلوجية طائفية تنحصر في فئة دون غيرها، هل هناك شعور بخسارة الانتخابات أو عدم الحصول على اغلبية مطلقة للحصول على رئاسة الوزراء كما أشير لها على أساس بيان محمد صالح العراقي " اي جهة تطيع الشرع وتريد مصلحة المذهب وتعشق العراق وتسعى للإصلاح الفعلي وتعاقب الفاسدين طاعة المرجعية وتقديماً للمصالح العامة فنحن مستعدون للتعاون معهم (عقائدياً) لا سياسياً فتعاد كرة الفساد مرة أخرى" باستطاعتنا تفكيك هذه الشعارات الاعلانية لكننا نتركها للقارئ اللبيب لكي يصل الى النتائج السلبية غير الحميدة لعملية المشاريع الطائفية إن كانت سياسة او عقائدية.
مازلنا نؤمن أن الانتخابات المبكرة المزمع اجراؤها في السادس من حزيران 2021 تحتاج الى قانون انتخابي يعتمد على الدائرة الواحدة وهذا يعني تقليص او الغاء الدوائر الانتخابية التي تحمل في جوهرها وإطارها إمكانية التزوير وتزييف إرادة الناخبين ونرى بشكل موضوعي تفكك البعض من القوى المتنفذة المستفيدة من بقاء الأوضاع على حالها وبخاصة عدم تغيير القانون الانتخابي المذكور لشعورها بالخسارة وعدم الحصول على الأصوات الكافية وشل نسبياً حركتها في سرقة أصوات الناخبين مثلما حصل في الانتخابات السابقة والأسبق. ولهذا ومن اجل غلق الطريق امام القوى الطائفية السياسية والعقائدية يجب ان تتوجه الجماهير وجماهير الانتفاضة الى التصويت للقوى المدنية الوطنية والدمقراطية وثقلها سيكون الضربة القاصمة للمشاريع الطائفية والمحاصصة المكروهة.
الطائفية السياسية او العقائدية مثلما يبشر البعض بها عبارة عن منزلق يؤدي الى تدمير قدرات البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ويساهم في تخلفها وهي مستنقع لنمو طفيليات الفساد والتخلف والرجعية، والاستجابة الى هذا التوجه عبارة عن توجه معادي لأبسط تطلعات الشعب الوطنية وهذا ما أدى الى وقوف ابطال انتفاضة تشرين ضد هذا التوجه وقيام هؤلاء الأبطال الى مواجهته على الرغم من جرائم القتل والاغتيالات والإصابات والاعتقالات والاتهام الباطل المعادي لقيم ثورة تشرين الرفيعة والصادقة التي تقف بالضد من تجار الدين الذين يتاجرون به وباسم الله بهدف واضح وهو إفشال عملية الإصلاح والتغيير، إن الحفاظ على وحدة العراق يمر عبر التلاحم الوطني بين المكونات العابرة للطائفية مهما كانت مسمياتها أو التبشير بها وبئس الطائفية ان كانت سياسية او عقائدية
2943 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع