سحبان فيصل محجوب – مهندس استشاري
الكهرباء و صفقات التهريب
الكثير من المنظومات الكهربائية في العالم تعتمد الوحدات الغازية خياراً عملياً وسريعاً لتغطية أحمال أوقات ذروة الطلب على استهلاك الطاقة الكهربائية وكذلك لإمداد منظومة التوليد وتعزيزها في الحالات الطارئة بمقدار النقص الحاصل في إنتاج وحدات التوليد العاملة في المنظومة نتيجة هذه الحالات، وفي الكثير من المنظومات واعتمادًا على خصائص مكوناتها وقدراتها، يحاول المعنيون في إداراتها العمل على تقليص ما يمكن في الاعتماد على إنتاج الوحدات الغازية لتغطية جزءٍ من الأحمال لاعتبارات اقتصادية، توجه القائمون في إدارة المنظومة الكهربائية في القطر السوري إلى هذا التقليص، وبعد أن تم إنجاز جزءٍ من مشروع الربط الثماني الذي تشارك فيه سوريا، إثر ذلك تم الاستغناء عن تشغيل بعض الوحدات الغازية، التي كانت تسهم بتلبية طلب الأحمال داخل سوريا .
في خضم تداعيات الحصار الاقتصادي المفروض على العراق وما كان يقابلها من تحديات وطنية لها، وتحديدا في العام ٢٠٠١، وأثناء إحدى زياراتي الرسمية للعاصمة دمشق (كنت حينها وزيراً لهيئة الكهرباء العراقية) جرى التباحث والاتفاق مع المعنيين في وزارة الكهرباء السورية (كان المهندس منيب صائم الدهر وزيراً لكهرباء سوريا آنذاك) على شراء العديد من الوحدات الغازية الفائضة والمستغنى عنها على ان تتولى ملاكات هيئة الكهرباء مسؤولية تفكيكها في مواقعها ونقلها إلى العراق، تم تشكيل فريق عمل متخصص وأوفد الى سوريا (كان عديد هذا الفريق يتجاوز العشرين فنياً ومهندساً) وتمت المباشرة بعمليات التفكيك والتغليف والنقل لهذه الوحدات (كلف في حينها المهندس عدنان عبدالله رئيساً للفريق)، بموازاة ذلك جرى تحديد المواقع التي سوف يتم تنصيب هذه المولدات فيها وتهيئتها وإنجاز الأعمال الانشائية والميكانيكية، التي يتطلبها هذا التنصيب ومن ثم تشغيلها (من المواقع، التي تم تحديدها، في حينه، محطتي التاجي وخور الزبير الغازيتين).
بهمة غيورة عالية وبجهود استثنائية وبوقت قياسي تمكنت الملاكات الفنية العراقية من إنجاز هذه المهمة بنجاح (تفكيك مكونات الوحدات، تغليفها وقائياً، نقلها بوسائل تمويه مبتكرة، إعادة تنصيبها في المواقع المحددة)، فكان لتشغيل هذه الوحدات (المهربة) دور واضح في تحقيق الدعم الفاعل لمنظومة إنتاج الطاقة الكهربائية في العراق المحاصر لسد ما يمكن من النقص الحاصل في قدراتها على تغطية الأحمال الكهربائية وتجهيز المواطنين بالتيار الكهربائي، فكانت عملية التهريب (المشروعة)، وكان هذا التهريب عنواناً مضافاً من عناوين التحدي الكثيرة مستندة إلى قاعدة (الضرورات تبيح المحظورات).
1962 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع