عوني القلمجي
حصة العراق من الرئيس الامريكي الجديد
لا تعنيني كثيرا الهستريا التي عمت عددا كبيرا من المحللين السياسيين، العراقيين والعرب حول توقعاتهم بحدوث تغيرات دراماتيكية على يد الفائز برئاسة امريكا جو بايدن، سواء فيما يتعلق بالسياسة الخارجية تجاه اوروبا او الصين او روسيا او المنظمات الدولية او غيرها، فهذه اضغاث احلام سبق وان شاهدنا وسمعنا مثلها مع كل انتخابات جديدة. فالرجل هو عضو في الحزب الديمقراطي، الوجه الاخر للحزب الجمهوري، وليس عضوا في الحزب الشيوعي الامريكي، او من اليسار المتطرف. ولا هو زعيم ديني كاثوليكي او بروتستانتي. واذا اختلف الحزبان في السياسة الخارجية التي تهم دول العالم وخاصة منطقتنا، وعلى وجه التحديد امتنا العربية، فان خلافات الحزبين لا تمس على الاطلاق جوهر هذه السياسة، وانما تخص طريقة ادارتها والوسائل المؤدية الى تحقيقها. على خلاف ما يحدث بالنسبة للسياسة الداخلية التي تتعلق، على سبيل المثال، بالصحة والضرائب والخدمات والبطالة وغيرها. حيث تصل احيانا الى مفترق طرق والى الغاء بعض انجازات هذا الرئيس او ذاك، كما حصل حين الغى ترامب قانون الصحة الذي سنه سلفه باراك اوباما وسماه باسمه. على الرغم من انه انجاز عظيم بالنسبة لعموم الامريكيين.
اما زعماء المنطقة فقد اثبتت توقعاتهم سذاجتهم وغبائهم. حيث انقسموا بين حزين لخسارة ترامب، ومسرورلفوز بايدن. وقد نجد نموذجا عنهم في المملكة العربية السعودية وايران. فالاولى باتت تخشى فقدان حماية عرشها التي وعد بها ترامب مقابل نصف ترليون دولار. في حين رقصت ايران فرحا، ظنا منها بان بايدن سيعيد امريكا الى الاتفاق النووي الذي تم انجازه في زمن الرئيس الديمقراطي باراك اوباما، الذي شغل بايدن منصب نائبه، وهذا بدوره سيؤدي الى رفع الحصار عنها او تخفيفه على الاقل. وكلا الطرفين لفي ضلال مبين. فالسياسة الامريكية الخارجية لا تدار حسب اهواء هذا الرئيس او ذاك، ولا قناعاته لوحدها، وانما تدار بالاصل من قبل مؤسسات ذات خبرة واسعة وعلم غزيز وتجارب ضخمة. او كما يقال ان القرار الامريكي يطبخ على نار هادئة من وراء الكواليس قبل خروجه للعلن. هذا لا يعني الغاء دور الرئيس او تهميش صلاحياته الدستورية الضيقة، قياسا بصلاحيات مجلس النواب ومجلس الشيوخ ناهيك عن دور اللوبيات المؤثرة في السياسة الامريكية مثل المجمعات الصناعية والعسكرية والشركات النفطية والبنوك المالية العملاقة. وستثبت الايام بان تعامل بايدن مع جميع هذه الدول لن يختلف عن تعامل سلفه، الا من حيث الطريقة والاسلوب. بعبارة اكثر تحديدا، فان بايدن سيواصل حمايته للسعودية بشروط تحفظ ماء الوجه، وسيبقي الحصار على ايران قائما الى يوم خضوعها لشروط سلفه ترامب، وايضا بطريقة تحفظ ماء الوجه. اي اذا نال ترامب مراده باستخدام القوة الخشنة، فان بايدن سيصل اليه عبر القوة الناعمة.
ما يعنيني كثيرا جدا، هو حصة العراق من القادم الجديد، وهل سيسير على نهج سلفه في التمسك بالعراق كمستعمرة امريكية وكيان رخو خارج مشروع الدولة بسيادة مفقودة وهوية مهللة وتماسك من شدة هشاشته يكاد ينفرط على مستوى وحدته السياسية والجغرافية ؟ ام انه سيذهب ابعد من ذلك لينفذ على الارض مشروع تقسيم العراق كطريق للهيمنة عليه من جهة، وقطع الطريق على اية محاولة وطنية لتحريره واستعادة سيادته واستقلاله ووحدته الوطنية من جهة اخرى؟
ليس من الحكمة السياسية فصل صعود بايدن الى سدة الرئاسة عن مشروعه لتقسيم العراق، خاصة وان الشروع به من قبل بايدن، لا يعد خروجا سافراعن سياسة اسلافه تجاه العراق، فامريكا قد وضعت مشروع تقسيم العراق في مقدمة اهتماماتها لضمان الهيمنة عليه لامد طويل. ولولا العقبات التي حالت دونه لاصبح العراق مقسما لسنوات عديدة. وكان من بين اهم هذه العقبات، القتال الدائر حينها بين المقاومة العراقية وقوات الاحتلال، الذي استمر سنين عديدة، فالشروع به سيصب لصالح المقاومة، التي كانت تؤكد على الدوام نية امريكا بتدمير العراق وتقسيمه الى دويلات طائفية وعرقية. وهذا بدوره سيدفع، عموم العراقيين للالتحاق بصفوفها ، خاصة وان امريكا تعلم علم اليقين، بمدى تمسك العراقي الشديد بوحدة بلده واستعداده للدفاع عنها بكل الوسائل المتاحة.
العقبة الاخرى تخص دول الجوار، وخاصة دول الخليج العربي، حيث مارست هذه الدول ضغوطا شديدة لمنع امريكا من تقسيم العراق ، ليس حبا به، وانما تحسبا من انتقال عدواه الى بلدانهم. وامريكا لن تنسى بهذه السرعة حجم الدعم والتعاون والمشاركة، التي قدمته هذه البلدان لها، سواء في عدوانها على العراق عام 1991 ، او في احتلالها للعراق عام 2003. ناهيك عن الخدمات التي قدمتها في مجال شرعنة الاحتلال والمساعدة في تكريس مشروعه لامد طويل.
ومن هذه العقبات ايضا، الحجم المهول للاكاذيب الكثيرة التي ساقتها امريكا لتبرير الاحتلال، خاصة تلك الكذبة الكبرى، بانها جاءت الى العراق من اجل تدمير اسلحة العراق المحظورة، او ذات الدمار الشامل، وتخليص العالم من خطر الصواريخ الكيمياوية العراقية التي قالت عن امكانية وصولها الى المدن الاوربية خلال 45 دقيقة. وبالتالي فان تقسيم العراق سيكشف، دفعة واحدة، زيف كل هذه الاكاذيب امام دول العالم وشعوبه. ومع ذلك، لم تتخل امريكا عن مشروع تقسيم العراق نهائيا، او وضعه فوق الرفوف العالية، وانما سلكت طرقا ووسائل اخرى تبعدها عن الشبهات، وتهيء لها في الوقت نفسه، الظروف المناسبة التي تستطيع بعدها تجاوز جميع تلك العقبات. من هذه الوسائل تفخيخ الدستور مواد ينص بعضها على اعتبار العراق دولة اتحادية، واخرى تنص على منح حق الاستقلال لكل محافظة ،وثالثة خلقت خديعة ما سمي بالمناطق المتنازع عليها وهكذا. بالاضافة الى ذلك، لم ينقطع المحتل الامريكي عن سعيه المستمر لاثارة النعرات الطائفية
والعرقية لزج شعب العراق في اقتتال طويل الامد على امل ايصال الناس الى قناعة مفادها ان العيش بسلام وامان لا يتحقق الا بالتقسيم.
اذن نحن امام صفحة كانت مطوية سيتم فتحها على يد جو بايدن. خاصة وان مشروع التقسيم قد اقترن باسمه، وعمل جاهدا من اجل تنفيذه من خلال جميع المناصب الرسمية التي شغلها في الادارة الامريكية. وخير دليل على ذلك استغلال بايدن لاول فرصة سنحت له لتنفيذ مشروعه الغادر. حيث استغل وجوده كعضو في لجنة بيكر هاملتون التي زارت العراق في نهاية عام 2006 لوضع حلول نهائية للهيمنة على العراق. حيث نجح في تضمين تقرير اللجنة توصية بتقسيم العراق الى ثلاثة دول، كردية في الشمال وسنية في الوسط وشيعية في الجنوب. ومن الجدير بالذكر ان مجلس الشيوخ الامريكي الذي ناقش تقرير اللجنة صوت بنسبة خمسة وسبعين عضوا لصالح التقسيم مقابل خمسة وعشرين. لكن الادارة الامريكية حينها لم تاخذ به لاسباب لا مجال لشرحها، غير التي تضمنها المقال في ما تقدم.
بالمقابل فان دعاة التقسيم الذين صمتوا فترة طويلة، عادوا في الاونة الاخيرة يروجون لمشروع التقسيم، تحت غطاء تفعيل قانون الاقاليم الذي نص عليه دستور المحتل الامريكي. واعتباره الحل السحري لانهاء معاناة هذه الاقاليم من القتل والتهجير والتشريد والجوع والمرض، بالتزامن مع المطالبة به علانية من قبل بعض المنظمات السياسية والدينية والعشائرية والشخصيات المستقلة ايضا، سواء من داخل العملية السياسية او من خارجها، اعتقادا منهم، بانه يؤمن لهم مصالحهم الشخصية او الفئوية التي تواجه اليوم تقمة شعبية عارمة، اوعلى الاقل يجدون فيه، اي التقسيم، ملاذا امنا من العقاب.
اما دول الجوار، فبامكان بايدن تطمينها جراء خشيتها من تداعيات التقسيم الضارة، والتعهد لها بضمان سلامة حدودها وعروشها والحفاظ على امنها ووحدة اراضيها. بل ان هذه الدول اصبحت مستعدة لليوم الموعود. فتركيا التي تتطلع دوما الى استعادة الموصل او كركوك او كليهما، قد بنت لها عدة قواعد عسكرية ثابتة في الشمال، وايران التي فقدت حلمها في ابتلاع العراق كله ترنوا عيونها على اقليم الجنوب. والسعودية ترنو في الاقليم السني سدا منيعا ضد التوسع الايراني.
قبل ستة اعوام وعلى وجه التحديد في 26/8/2014 كتبت مقالا تحت عنوان "امريكا ومشروع تقسيم العراق" وبعدها باربعة اشهر طرقت ذات الباب في مقال عنوانه "ذهب المالكي وجاء العبادي والدماء تسيل"، وكلا المقالين ركز على هذا المخطط وعلى نية امريكا باقامة اقليم سني بعد انهاء وجود داعش في العراق. وقلت، "ومع الوجود المسبق لاقليم الكرد في الشمال، ومطالبات البعض باقامة اقليم في الجنوب، وجدت الادارة الامريكية ضالتها، ودعوت الله في النهاية، ان يحفظ العراق من التقسيم. واليوم نحن كعراقيين مدعوون لمواجهة هذا المخطط الاسود خشية ان تكون حصة العراق من فوز بايدن تقسيمه الى دويلات طائفية وعرقية.
عوني القلمجي
13/11/2020
1156 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع