د. فاضل البدراني
العراق من جديد مع الحراك الشعبي
حملت انتفاضة تشرين في الذكرى الأولى لانطلاقها، رسالة تجديد من الشباب على أنهم أصحاب قضية ومباديء انتفضوا من أجلها في حراكهم الأول عام 2019 بعد اقتراب الوطن من حالة انهيار وتغييب للهوية الوطنية، ووقوع 600 شهيد و6 الاف معاق و25 الف جريح، وقد يتساءل من لا يعرف بحقائق الأمور الى أين ينوي الحراك عندما عاد من جديد الى ساحات التظاهر؟
الرسالة التي بعث بها الشباب الى الطبقة السياسية في رسالة التجديد في تشرين 2020 تبدو في اشاراتها الأولى ان الثبات على تحمل المسؤولية تعد واحدة من أبرز عناصر قوة الشباب في تغيير الواقع العراقي المتردي، وفي أضعاف الطبقة السياسية التي انغمست في عمق المسؤولية بالدولة على مدى 17 سنة ومارست سياسة التسمين الذاتي بطرق غير شرعية على حساب دولة العراق التي وصفت بالفاشلة وفقا لمعايير التقييم لمؤسسات دولية مختصة، وفي مراجعة التصنيف للعراق كثاني بلد منتج للنفط وثالث دولة باحتياطيات النفط، وربما واحدة من ثلاث دول بالعالم منتجة للغاز في حال اتجهت لإنتاجه، يتضح بان العراق يسير بخلاف الواقع المأمول له ،بل يتجه نحو المنحدر الخطير بطريقة قد تشكل في الأمد القريب النموذج الفريد منه في العالم جراء ما وصل اليه من عوامل انهيار لمؤسساته الخدماتية والفكرية والبحثية، بينما اقتربت نسب الفقر والبؤس لمواطنيه من 40%، ذلك كله مرتبط بالفاعل السياسي الذي لم يضع ضمن برنامجه العراق عنوانا له في إدارة مؤسساته الأساسية بشقيها التنفيذي والتشريعي، بل جعل حصة الزعامة أولا والحزب والكتلة والتحالفات النفعية مرادفات لها، وبموازاة ذلك جعل مصلحة العراق والعراقيين هدفا للاستفادة والنيل منها دون أدنى شعور بالهوية الوطنية ،فحصل الذي يجعل كل متابع لهذا البلد متفرج على عملية انهيار مرعبة للغاية.
وفي منظور العلاقات الدولية غالبا ما يحصل اتفاق نفعي يجعل حتى الأطراف الدولية المتخاصمة متفقة مع بعضها في مصلحة تحقق الفائدة، والعراق بات أحد عوامل الجذب التفاهم والاتفاق بين الدول الأخرى بغض النظر عن علاقاتها المتشنجة مع بعضها وهذا لا يشمل فقط الصراع الأميركي الإيراني بل يتعدى لدول عربية وإقليمية واجنبية عدة، ترسم امامها سياسة التخادم مستغلة الاشكالية العراقية، وبقناعتي قد يعيد الحراك الشعبي للعراق الكثير من الإيجابيات ولكن ذلك مشروط يتبنى الشباب نهج السياسة الساخنة من دون الوصول للحرب الساخنة، ويتجنبوا حرق المؤسسات العامة او السماح للإنغماسيين والمندسين بالتوغل بينهم وممارسة العنف والعبث، فكثيرا من الأحزاب ستزج عناصرها في صفوف الحراك للتخريب والعبث وتشويه الصورة، وقد تفعل ذلك دول خارجية للهدف نفسه، ويتوقف نجاح الحراك الشعبي في الوصول لأهدافه الوطنية على مدى تمسك شبابه بسلميتهم وتحليهم بالنضج الفكري بحكم التجربة التي مروا بها في انتفاضتهم التي بدأت منذ تشرين 2019،ويقينا أن الحراك كلما كان سلميا كلما أمتلك عناصر القوة التي تساعده في تحقيق أهدافه وتغيير قواعد اللعبة السياسية وفرض واقع إيجابي جديد في العراق بإضعاف وتعرية كل من أساء للعراق.
997 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع