بسام شكري
اين كنتم منذ تسعة وعشرين عاما
خلال الأيام القليلة الماضية اثارت فتاوى وتصريحات مفتي القدس محمد حسين وخطيب المسجد الأقصى عكرمة صبري موجة من الاستنكارات في الأوساط الفلسطينية الإسلامية والمسيحية وذلك لتحريضهم العلني على منع أي زائر من دولة الامارات او البحرين او أي دولة عربية الى المسجد الأقصى وذلك لمنع التطبيع مع إسرائيل , لقد كان من حق الشعب الفلسطيني منع التطبيع مع اسرائيل نعم كان من حقة لكن ليس الان فبعد ان تم عقد اتفاقية أوسلو عام 1991 بين منظمة التحرير وإسرائيل وقيام السلطة الفلسطينية واعترافها بدولة إسرائيل وفتح سفارات لفلسطين في معظم دول العالم وفي نفس الوقت فان الدولة الفلسطينية تعمل في ظل إسرائيل وقوانينها وعملتها النقدية الشيكل في التعاملات في الضفة الغربية وقطاع غزة فليس من حق أي فلسطيني الاعتراض على إقامة علاقات مع إسرائيل ولا يحق لاي عربي المزايدة على القضية الفلسطينية لان العرب اكثر ليسوا اكثر حرصا على القضية الفلسطينية من منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني التي عقدت اتفاقية اوسلوا للسلام مع اسرائيل.
أن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات رحمه الله لم يستشير أي دولة عربية عندما عقد الاتفاق مع إسرائيل فلماذا يطالب بعض الفلسطينيين من الدول العربية الاستئذان قبل التواصل مع إسرائيل؟ لقد صبر العرب 29 سنة على الفلسطينيين والإسرائيليين منذ اتفاقهم سنة 1991 وتلك الفترة كافية لبيان نوايا الطرفين فإسرائيل استغلت بشكل كبير أخطاء وتجاوزات السلطة الفلسطينية بحق الشعب الفلسطيني وقد تحولت السلطة الفلسطينية الى ماكنة بيروقراطية تفوق في البيروقراطية التي تتبعها اعتى واكبر بيروقراطيات الدول الرأسمالية في العالم واستغلت إسرائيل كذلك الصراعات بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس التي تتلقى الدعم من عدة دول وعلى راسها تركيا ولعبت إسرائيل على طرفي الصراع الفلسطيني وكان الاجدر بالسلطة الفلسطينية ان تتعلم من تجارب الشعوب في التحول من حركة تحرير الى نظام دولة كما حصل في فيتنام او جنوب افريقيا والمنظمات الفدائية بقيت على نفس تشكيلاتها ولم تتحول للعمل السياسي بان تقوم بتشكيل أحزاب فلا هم استمروا بالعمل الفدائي ولا هم تحولوا الى أحزاب سياسية وكأن الزمن قد توقف بعد توقيع اتفاقية أوسلو السلام مع إسرائيل وتمتعت المنظمات الفلسطينية بمزايا ومناصب السلطة الفلسطينية , ليس من المنطقي ومن السهولة على فدائي ان يصبح في ليلة وضحاها دبلوماسي يملك بيت وسيارة فارهة ومرتب عالي وفي نفس الوقت فان السلطة الفلسطينية لم تعقد مصالحة وطنية بين فئات الشعب الفلسطيني او بينها وبين الشعب الفلسطيني ولم تتصالح كذلك مع إسرائيل لكي تستحصل ما خسره الشعب الفلسطيني خلال فترة الاحتلال ولم تحصل على أي تعويضات عن الخسائر بالأرواح والممتلكات التي خسرها الشعب الفلسطيني وبقيت السلطة تتعامل مع كل طرف حسب مصالحها الشخصية ولم تراعي مصلحة الشعب الفلسطيني وظروف حياته خلال الفترة السابقة ولم تقوم بتنفيذ أي بنية تحتية في الضفة الغربية وقطاع غزة حيث نفس الخدمات والابنية التي كانت قائمة منذ الدولة العثمانية لغاية الان وفي المقابل أصبحت إسرائيل تنافس أوروبا في التطور العمراني والتكنولوجي.
انني في مقالي هذا لا ادافع عن قرار دولة الإمارات العربية المتحدة في إقامة علاقات مع إسرائيل ولكل دولة سيادة وقد اتخذت الامارات قرار إقامة علاقات مع إسرائيل باعتباره قرار سيادي والامارات ليست دولة حدودية مع إسرائيل ولم تخوض أي حرب ضد إسرائيل وهي تراعي الحقوق الفلسطينية في أراضيه وقد صدرت تصريحات رسمية بذلك في موقف الامارات المؤيد لحل الدولتين في الوقت الذي اتفق الفلسطينيين مع الإسرائيليين على السلام وإقامة دولة فلسطينية سنة 1991 وأصبحت الاتفاقية من جانب واحد حيث استفادت إسرائيل كثيرا من افراغ منظمة التحرير الفلسطينية من قوتها المسلحة في المقابل لم تحقق السلطة الفلسطينية أي انجاز للشعب الفلسطيني وبقيت في صراعات فيما بينها , فاذا كانت السلطة الفلسطينية فاشلة وعاجزة عن تحقيق وبناء الدولة الفلسطينية فتلك ليست مشكلة الامارات ولا مشكلة أي طرف دولي.
الضجة الإعلامية التحريضية التي اثارها تصريحات الشيخين عكرمة صبري ومحمد حسين اللذين تجاوز عمرهما الثمانين عاما بمنع أي زائر عربي للمسجد الأقصى هي امتدادا للسياسات التحريضية المستمرة لنشر الفوضى والربيع العربي الذي تقوده حركة الاخوان المسلمين وقد انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي أفلام مخجلة خلال الأيام الماضية وهذا ليس جديد على الاخوان الذين يحتلون المسجد الأقصى فقد تم التعرض لعدة شخصيات فلسطينية ومنهم السيد صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين في السلطة الفلسطينية في عدة مرات خلال زيارته للمسجد الأقصى وكذلك التعرض الى وفود تضامنية مسيحية مع المسجد الأقصى حينما كان المسجد يتعرض الى هجمات المستوطنين حيث تم مهاجمة تلك الوفود في داخل المسجد الأقصى واطلاق تسمية الكفار عليهم من قبل اشخاص في داخل المسجد وبمباركة من امام المسجد الأقصى ومفتى القدس فهل يعامل الضيوف المتضامنين معنا بتلك المعاملة السيئة وهل هذه اخلاق الإسلام ؟ والذي اثار هذا الموضوع اكثر ما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي خلال اليومين الماضيين من أفلام فيديو عن مواطنين إماراتيين يصلون في المسجد الأقصى فتم الاعتداء عليهم بالضرب وفيديو اخر ثلاثة مواطنين اماراتيين يصورون المسجد من الداخل فقام شخص بشتمهم ومهاجمتهم وطردهم من المسجد الأقصى ويظهر الفيديو ذلك الشخص وهو يصرخ عليهم اماراتيين مطبعين اخرجوا من المسجد لا تكلمونني انتم مطبعين، فما الذي يجري في المسجد الأقصى؟ ومن هي الجهة التي تقف وراء تلك الموجات من الاعتداءات؟
رسميا وزارة الأوقاف الأردنية هي المسؤولة عن المسجد الأقصى وبقية الأماكن المقدسة حسب اتفاقية الوصاية الموقعة سنة 1924 بين قوات الانتداب البريطاني والشريف الحسين بن علي بموجب قانون اقره الانتداب البريطاني قبل انتهائه اذ كان الأردن آنذاك لا يزال تحت الانتداب البريطاني وتم تجديد تلك الوصاية عدة مرات اخرها سنة 2013 والاوقاف الأردني تقوم برعاية المقدسات الإسلامية والمسيحية واعمارها ومن ابرز إنجازاتها اعمار كنيسة القيامة بعد تعرضها الى حريق هائل سنة 1949 ولديها برامج صيانة دورية متكاملة لكل الأماكن المقدسة وتدفع الأوقاف الأردنية رواتب ومخصصات العاملين في الأماكن المقدسة وتقوم بأعمال الصيانة فيها لغاية اليوم , ان السلطة الفلسطينية من يقوم بتعيين مفتي القدس وخطباء حراس المساجد وبما ان السلطة الفلسطينية لا حول لها ولا قوة على الأرض فان حركة حماس والجهاد الإسلامي وحزب التحرير المصنف إرهابيا هم الذين يسيطرون فعليا على المسجد الأقصى وبعض الأماكن الإسلامية المقدسة ويتصرفون بتوجيه ودعم مباشر من الرئيس التركي اردوغان وتلك المجموعات تستلم رواتب من الحكومة الأردنية وتمويل تركي مباشر ومساعدات بين الحين والأخر من السلطة الفلسطينية ومن بعض المؤسسات الإسلامية الدولية وبذلك اصبح وجودها تجارة رابحة وتحايل على الجميع واستغلال القوانين والأنظمة واستغلال وقوع الأماكن المقدسة تحت الاحتلال ابشع استغلال.
لو افترضنا جدلا ان قيام الامارات بالتطبيع مع إسرائيل سيؤدي الى الحاق الضرر في مصالح الشعب الفلسطيني فما هو ذنب المواطن الاماراتي العادي الذي يزور المسجد الأقصى لكي يتعرض للاعتداء؟ وهل يعلم هؤلاء المعتدين ان أكثر من نصف مليون فلسطيني يعيشون في دولة الامارات ويأخذون رواتب من هناك ويرسل معظمهم تحويلات مالية شهرية الى اهله في فلسطين وان أعمالهم الإرهابية تلك بحق المواطنين الاماراتيين الأبرياء سوف تسيء الى سمعة الشعب الفلسطيني في الامارات؟
ما الذي ستقوم به اسرائيل عندما يتم الاعتداء على رعايا دولة صديقة لها مثل الأمارات؟ من الطبيعي ان يقوم الجيش الإسرائيلي بالدخول الى المسجد الأقصى والقاء القبض على المعتدين ومن اجل فرض القانون فان الجيش الإسرائيلي سوف يبقى داخل المسجد الأقصى ويحتل المسجد رسميا بحجة تامين المكان من الاعتداءات على المصلين وهذا ما يريده الاخوان لكي يستمر استثمار الفوضى.
من منتصف السنة الماضية وعند افتتاحه مؤتمر بيت المقدس الإسلامي الدولي الثالث في مدينة رام الله دعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس العرب والمسلمين الى زيارة مدينة القدس وتكثيف تلك الزيارات والمساهمة في صد إجراءات التهويد والمصادرة وكسر العزلة عن الشعب الفلسطيني، فهل ان ذلك النداء يأتي من باب التطبيع؟ وأين كان الرئيس محمود عباس منذ سنة 1991 عندما تم توقيع اتفاقية السلام الإسرائيلية الفلسطينية في أوسلو؟ لماذا فوت الاف الفرص على الشعب الفلسطيني للتواصل مع العرب والمسلمين طوال تلك السنوات التسعة والعشرين الماضية وقد ساهم فعليا باعتباره رئيس السلطة بتهويد مدينة القدس من خلال سكوته المستمر على إجراءات التهويد؟ وهل ان مصير الشعب الفلسطيني يخضع للمزاجية والعبثية والمناورات الدولية والمتاجرة لهذه الدرجة؟
وخلال الازمة التي اثارتها تحريضات مفتي القدس وخطيب المسجد الأقصى هذا الأسبوع فقد كانت هناك مواقف مشرفة للعديد من رجال الدين الفلسطينيين مسلمين ومسيحيين دورا كبيرا في اخماد جزء كبير من الفتنة وقد كان الموقف الشجاع للمطران المناضل الاب عطا الله حنا يوم امس الثلاثاء بندائه بضرورة فصل السياسة عن دور العبادة صدى إيجابي كبير عربيا وعالميا , واضاف اليوم الأربعاء في تصريح اخر لإذاعة فرنسية بان خطاب الكراهية والتحريض على العنف هي ظاهرة مرفوضة جملة وتفصيلا وقد كانت تصريحاته تلك تعبر بصدق عن الاخلاق العربية الفلسطينية المضيافة والكريمة وعن سماحة الدين المسيحي ويكشف زيف الادعاءات الكاذبة التي تنشرها المجموعات المتطرفة والتي تسيطر على المسجد الأقصى حاليا وموقف المطران عطا الله حنا الشجاع ذلك يعبر عن وحدة المصير الفلسطيني وان القدس مدينة مقدسة للفلسطينيين العرب سواء كانوا مسلمين او مسيحيين ولا فضل لاحد على الاخر.
في تصريحات مخجلة لخطيب المسجد الأقصى ذو الثلاثة والثمانين عاما يقول ان الحق الإلهي يرفض التطبيع وهو يتكلم باسم الاله لماذا يا حضرة خطيب المسجد الأقصى لم تكلم السلطة الفلسطينية طول تلك التسعة وعشرين سنة بتلك اللغة ؟ ولماذا لم تطلب الجهاد ضد منظمة التحرير الفلسطينية التي وقعت اتفاقية السلام مع إسرائيل وقامت بالتطبيع مع إسرائيل منذ تسعة معشرين عاما؟
التصريح المخجل الأخر هو تصريح مفتي القدس محمد حسين عندما قال ان القدس هي الأقصى وان الأقصى هو القدس ملغيا بذلك الدين المسيحي من مدينة القدس، ما هذا العبث؟ انسيت العهدة العمرية؟ انسيت ان هناك مسيحيين في مدينة القدس؟ كيف تلغي الاخر؟ وكيف تريد ان تلغي التعايش الديني منذ فتح القدس في زمن الخليفة العادل عمر بن الخطاب لغاية اليوم؟ من اعطاك الحق في الغاء المسيحية من القدس؟
الان وقد تبادلت الامارات وإسرائيل العلاقات الدبلوماسية والتجارية والسياحية وغيرها من العلاقات فمن المتوقع ان يقوم مئات الاف العرب والأجانب المقيمين في الامارات بزيارة إسرائيل والأراضي الفلسطينية واعياد الميلاد على الأبواب ودخول إسرائيل أصبح مسموح في الامارات للمواطنين والمقيمين وسوف تمتد الجسور مع الشعب الفلسطيني وسيستفيد من ذلك المواطن الفلسطيني العادي من خلال الدعم السخي المتوقع من الامارات للمؤسسات والأماكن المقدسة الفلسطينية ومن فتح أبواب تعاون مع الشعب الفلسطيني في الصفة الغربية وفلسطينيي 1948.
لقد نسي المسلمين ان ركن الحج هو ثلاث مراحل وهي حج بيت الله الحرام وزيارة المسجد النبوي وزيارة المسجد الأقصى ومنذ احتلال إسرائيل لمدينة القدس عنم 1967 منعت إسرائيل الحجاج العرب من الوصول الى المسجد الأقصى وتوقفت رحلات الحج الى المسجد الأقصى فلو سمحت إسرائيل في السنة القادمة بعودة حجاج المسجد الأقصى كجزء من شعيرة حج بيت الله الحرام فهل سيقوم الاخوان المسلمين بمنع حجاج بين الله الحرام من استكمال رحلة الحج بزيارة المسجد الأقصى الذي باركنا من حوله؟
ان المسجد الأقصى الذي يعاني من احتلالين الأول هو الاحتلال الإسرائيلي والثاني هو احتلال جماعة الاخوان المسلمين المدعومين من اردوغان وان المسجد الأقصى سيتحرر بإرادة الفلسطينيين أولا وبإجراءات دولية متوقعة ثانيا ومن جانب اخر فان المملكة الأردنية الهاشمية لن تتهاون في ذلك العبث وتلك الفوضى والأردن بلد الضيافة والكرم والأخلاق العربية الاصيلة والذي لديه علاقات ممتازة مع كل من دولة الامارات العربية المتحدة واتفاقية سلام مع إسرائيل لن يرضى بان تمس كرامة مواطن عربي واحد في الأراضي المقدسة المسؤول عنها .
يفترض ان يستغل عقلاء المجتمع الفلسطيني العلاقات الإماراتية الإسرائيلية ويخرجون من دائرة المزايدات والعنتريات والعزلة وينقذون ما يمكن إنقاذه من حضارة وتراث وثقافة واقتصاد فلسطين من خلال التواصل مع الامارات والبحرين وبقية الدول العربية واليوم وقد انتهى زمن الحروب والنزاعات المسلحة في العالم وحلت محله حروب العقل والتكنلوجيا والاقتصاد الأجدر بنا ان نكون واقعيين ونسابق الزمن للحاق بالعالم بعد ان قمنا بإضاعة سنوات طويلة من العبث واذا كان العرب يريدون مساعدة الشعب الفلسطيني فالطريق مفتوح والذي يريد اصلاح السلطة الفلسطينية من الفلسطينيين انفسهم فعليه ان يبدأ من الان وفي جميع الأحوال فان المطلوب هو رفع المستوى الاقتصادي والاجتماعي للشعب الفلسطيني واعمار الأراضي الفلسطينية ورفع الظلم عن الشعب الفلسطيني من إسرائيل والسلطة الفلسطينية الفاسدة وحركة حماس.
الباحث
بسام شكري
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
1643 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع