لنتوجه الى فن الطرب ونترك فن السياسة والشغب

                                     

                         يوسف علي خان

لقد وجدت من الاوفق والاجدى للعراقيين أن ينصرفوا للفن والغناء والطرب في الوقت الحاضر  ويتركوا السياسة للسياسيين كي يستمروا في صراعاتهم فهم احرار بما يفعلون....

ولكن لابد أن يكون لكل شيء نهاية.... فهو امر يخص اصحاب المصالح و لا علاقة للشعوب بكل ما يحدث إلا بما قد يصيبها من اضرار دون المكاسب.... فالتحاول الشعوب قدر الامكان تجنب مواقع الصراع وعدم الاقتراب من ساحة المعارك والتنتظر نهاية هذه المعارك بذهاب الجميع دون أي شك كي  تبدأ الشعوب العيش يامان واستقرار في انتهاء هذه الصراعات  والتعامل مع المنتصر الذي سيخلف الكل.... وهو ما حدث في جميع الثورات والتحولات التي حدثت في اوربا مع ما امتد البعض منها لعدة عقود لكنها على اية حال قد استقرت نسبيا في اخر المطاف بعد غياب القادة عن الساحة  ... وهو شبيه  لما يحدث للنساء الحوامل  فهو مخاض يحصل عند أي امراة  وهي تولد فلا بد  أن تتحمل الحامل المخاض ( وهنا على وهن ) حتى تلد مولودها فسرعان ما تحتضنه وتضعه على صدرها وتنسى بولادته جميع الامها ...فالشعوب هي كالنساء والثورات فيها مخاضات حمل يقود فيها قادتها مع الحكام المستبدين حربا شعواء  وبعد زوال اؤلائك الحكام يبدا القادة الجدد بالاقتتال مع بعضهم وتصفية كل منهم لرفيق دربه في النضال ثم يخرج من بين تلك التطاحنات على السلطة فئات تحكم البلاد وتسيطر على مقاليد الامور وتمسك بزمام الامور بالنار والحديد كي تثبّت الحكم الجديد وتفرض النظام وتنهي الفوضى التي تنتشر خلال اشتعال الثورات فتظهر دكتاتوريات  جديدة فيتمادى هؤلاء المستبدون الذين تفرزهم الثورات عادة  في غيهم حتى يصطدموا بهياج شعبي عام يطيح بهم فتبدا مرحلة الاستقراربعد ذلك.... وهذه قد تستغرق عدة عقود ولربما عدة سنوات حتى تأتي في النهاية حكومة ديمقراطية معتدلة يفرضها الشعب وتكون تحت سيطرته وارادته ومراقبته الشديدة بعد أن يعي الشعب حقيقة الامور ويدرك الالاعيب  بشكل جيد فلم يعد يخدع بعد ذلك وتبدأ حالة الاستقرار وتنشأ مؤسسات ادارية تنتزع السلطات من المستبدين ويضحى الحكم بيد نخبة واعية تدير  مؤسساتها  ويكون لهذه المؤسسات الفاعلية الحقيقية في ادارة شؤون البلاد  فتدرك الحكومات عند ذاك بان كراسيها التي يحكمون من خلالها مرهونة بارادة شعوبها وموافقتهم  ورضاهم  عليها  فتبدا بالعمل من منطلق  هذا المفهوم الجديد... وتبدا التنمية في البلاد وياخذ الاعمار والتطوير الحقيقي مجراه الصحيح ويتوقف اهدارالمال العام  وينحسر الفساد الى اضيق حدوده..... بخشية الفاسدين من غضب الشعب وسطوته..... فمصير الحكومات يتوقف أنئذ على الشعوب سلبا او ايجابا  بمدى تحقيق طموحاتها .... وتدرك الحكومات بان استمرار بقائها على كراسيها يتوقف على استمرار رضاء الشعوب عنها وتعلم  تماما بانها لو زاغت وحادت عن جادة الصواب تحرك الشعب وازاحها عن كراسيها .. فتتفادى غضب شعوبها بل على العكس تحاول كسب وده ورضاه ... فحتى يحين ذلك الوقت داخل الدول العربية فسيحتاج الى وقت قد يستمر الى فترات لا يعرف مداها .. مما يقتضي انصراف الشعوب العربية خلال هذه الفترات التي قد تطول  الى الفن والطرب ولا تحشر نفسها في معمعة السياسيين فهم سيصفون انفسهم بانفسهم..... وللشعوب الصافي في نهاية المطاف....فالفن في الوقت الحاضر هو الملاذ الوحيد الذي يريح اعصاب الشعوب  ويهديء روعها مما تجده امامها من فوضى ورعب وقلق وخوف مستمر من المجهول فلا زالت هذه الشعوب  في مرحلة المخاض .. فالفنون مهما تخللتها من نشازات فهي لا تصل بضررها الى نشازات الحكام في حكم  البلاد فنشازات الفن قد تؤذي الاذواق وتخدش المشاعر  ولكن نشازات السياسة والسياسيين تؤذي الارواح وتزهقها ..  كما أن نشازات الفن قد تذهب وتتلاشى بعد فترة وجيزة من سماعها بينما نشازات السياسة تمتد مع حياة الانسان من خلال حقده الدفين الذي قد تتوارثه الاجيال جيل بعد جيل ...فنشاز الاصوات تختفي باختفائها بينما نشازات الحكام تترسخ في الادمغة فتحجرها وتصبح جزء منها .. وبالطبع هذا يعتمد على مدى الوعي والادراك والثقافة لهذه الفئات الحاكمة ... فكلما زاد جهلها وعظم... زاد نشازها واذاها في المجتمع .. والويل الويل اإذا وصل النشاز حد العظم فقد لا يندمل  اذاه .. فعالم الفن هو ايضا مليء بالمتناقضات والمعادلات الخاطئة شأنه شان السياسة بل قد يتأثر بها وتتأثر هي به .. ولكن في النهاية لا يصح إلا الصحيح.... فقد يبرز في عالم الفن من لا يستحق هذه الشهرة التي حصل عليها حيث يطغى اسمه في جميع الاوساط الفنية فيبرز كمطرب أو مطربة ويصفق له أو لها الجمهور مع أن صوتهما مليء بالنشازات أو انه محدود الطبقات أو ان فيه عيب في الحبال الصوتية فقد يتعذر عليه اداء الطبقات العالية أو انه لا يضبط الوزن والوزن مطلوب في كل شيء..... فإن فقد الوزن عمت الفوضى فليس كل من غنى ضبط الوزن وأجاد.....  وامثال هؤلاءالذين لا يدركون اهمية الوزن  كثيرون .....فيؤدون الاغنية خارج الوزن  وخارج  حدود الدرجات الموسيقية  أمثال ذلك هيفا وهبي فهي لا يمكن أن تعد مطربة غير انها اكتسبت الشهرة بعوامل الاغراء وجمال الصورة والرقص على خشبة المسرح ...... وحتى كاظم الساهر فمع كل ما حصل عليه من شهرة في العالم العربي كله فهو لا تمتلك حنجرته درجة القرار وصوته محدود الاداء يحاول تجميله بالاهات العالية التي تهز  المشاعر وتسلب الالباب  وتجلب الانتباه فتصفق له الجماهير .... وقد نجح نجاحا باهرا في الغناء ولكن ليس فنيا .. غير انه بدأ  كملحن جيد  استمر فيها لعدة سنوات لكننا نجده اليوم يتعثر بالحانه وتأخذ نمطا روتينيا واحدا ليس فيها  اشراقات ملفتة  للنظر وتحضى باهتمام  الخبراء الموسيقيين مما قد يجعله يتراجع الى الخط الثاني في عالم الغناء وحتى في عالم التلحين ويسري هذا الامر حتى على بعض لجان التحكيم الاخرين امثال وائل كفوري والمطربة احلام  فحنجرتهما محدودة ونفسهمت قصير يحاولان مداراته بعامل خبرتهما  وهو امر قد ينطلي على العامة من الناس وليس على الخبراء على عكس ما شاهدناه في الملحنين الاخرين مثل السنباطي وبليغ حمدي ناهيك عن فريد الاطرش وعبد الوهاب حيث بقي عبد الوهاب في قمة المطربين والملحنين في نفس الوقت ولم يستطع احد من أجيالهم وحتى الوقت الحاضر أن يضاهيهم لكن عبد الوهاب  وللاسف فقط اخطأ في تلحين أغنية (((من غير ليه))) في وقت كان فيه قد تجاوز الثمانين من عمره إذ كان الاولى له أن يلحن قطعة موسيقية سيمفونية التي وعد بها الشعب العربي لكنها لم تظهر الى النور  بدلا عن اغنية ((من غير ليه)) الهزيلة التلحين والغناء فقد فشل هو في ادائها لانهيار  صوته وهو في هذا العمر الكبير كما فشل في ادائها حتى المطربين الذين ادوها امثال هاني شاكر  لركاكة لحنها الذي وضعه في وقت غير ملائم ومثل هذا الامر قد يقع به معظم البارزين في مختلف المجالات الادبية والفنية كالكتاب والشعراء فقد يحدث أن يقدم كاتب مقالة قد لا تصلح للنشر مع مكانته العظيمة في الادب والكتابة وذلك امر استثنائي فقد يكون الكاتب او الشاعر في حالة نفسية غير مريحة او في ضرف يحدد قدرته على الكتابة فيكتب مقالة متواضعة تملائها الشوائب وكذلك قد ينظم اعظم الشعراء قصيدة هزيلة مليئة بالاخطاء الللحنية او الوزنية ولكن هذا الامر وارد وطبيعي  يحدث لجميع اصحاب المواهب  لا يمكن القياس عليه ولا يؤثر على مكانة الكاتب او الشاعر الادبية اما اذا كانت جميع كتابات الشخص ركيكة او جميع قصائده مهلهلة فهذا يدل على عدم قدرته على الكتابة وعدم صلاحيته لها وكذا الحال بالنسبة للشعراء وهو بالطبع ما يسري على المطربين والمطربات ايضا فاخفاقهم في اغنية لا يدل على عدم كفائتهم وهكذا تقاس الامور فلا يعتد بامر واحد كي نحكم على الشخص وعلى قدراته وامكانياته الذاتية في انتاجه الفني فاغنية من غير ليه قد تكون زلة ضرف وقع فيها عبد الوهاب فجاءت ركيكة كما شعر بها معظم المستمعين لها  اضافة لما سببته من لغط بين رجال الدين المتشددين الذين يتصيدون الفنون ويخاصمونها للايقاع بها وإزاحتها من الحياة العامة .. كما كان الاجدر به الامتناع عن الغناء حفاظا على موقعه الموسيقي العظيم الذي رسخه في اذهان الناس على مختلف المستويات .. على عكس أم كلثوم التي تمكنت أن تحتفظ بقدراتها الغنائية حتى بعد تجاوزها سن السبعين من عمرها وهي صفة استثنائية لم تتوفر لغيرها فقد ابدعت باغانيها جميعها وحيرت المستمعين وذواقي الغناء في اختيار الاجمل لحنا وكلاما في اغانيها ..... إذ انها جميعها نالت اعجاب الجماهير واطربتهم بشدوها .... كما بقيت هذه الاغاني تؤديها العديد من المطربات الحديثات.... كما و يتقدمن للاختبار بعض الفتيات في برامج المؤسسات الفنية بابراز كفائتهن بتقديم اغنية لام كلثوم فبرزتهن اغانيها في عالم الطرب بتقديمهن هذه الاغاني الرائعة مثل امال ماهر وفيوليت وربى الجمال ومي فاروق ويسرى محنوش.. كما كان لاغاني عبد الوهاب القديمة التي اداها صفوان بهلوان سببا في شهرة هذا الفنان السوري البارع  فإن ما قدمه عبد الوهاب من اغاني في الثلاثينات والاربعينات من القرن الماضي كانت قمة في التلحين و الاداء مثل الكرنك وكيلوباترى والجندول وهمسة حائرة وغيرها كثيرة لاتعد ولا تحصى بما عجز عن تقديمه غيره من المطربين والملحنيين مهما علت قدراتهم فلم يتمكنوا أن يصلوا الى ما وصل اليه عبد الوهاب في الغناء والتلحين وام كلثوم في الغناء... مع ما ظهر من مطربين ومطربات جيدات امثال وردة الجزائرية ومنيرة الهوزوز وسمية قيصر وفاضل عواد وياس خضير لكن هؤلاء لم يستطعن او يستطيعوا أن يصلوا الى ما وصل اليه عبد الوهاب او ام كلثوم مع جودة ادائهم وجمال اصواتهم... فالحديث طويل حول الفن والفنانين وعوامل شهرتهن أو اخفاق البعض مما لهن اصوات جميلة ولكنهم لم يستطيعوا ان يخترقوا هذا العالم ويشتهروا او يشتهرن فيه وهي اسباب كثيرة ومتعددة فقد تتدخل عوامل لا علاقة لها بالفن في شهرة البعض واختفاء اخرين فقد يتزوج شخصية سياسية كبيرة من فنانة مغمورة أو يجعلها عشيقة له  يساعدها في ابرازها واشهارها في عالم الفن وقد يكون فنها ىسبب مصرعها  أواختفائها من عالم الفن كما حدث لبرلنتي عبد الحميد وفايدة كامل وسهير زكي  التي تزوجهن شخصيات كبيرة في مصر أوتميم  التي نالت مصرعها على يد احد ابناء الشخصيات أو ذكرى التي قتلت  وغيرهن كثيرات ولكن نحن لا تهمنا الحياة الشخصية لا صحاب الفن بقدر ما يهمنا فنهن......  وساحاول ان افصل وافرز انواع الغناء واقيم كل نوع على حدى في المقالات القادمة إن سمحت لي الضروف كي لا ابخس حق البعض مما يستحق الثناء في مجال فنه الطربي وخاصة المقام العراقي وكذلك الابوذيات والدارمي البديع الذي كادت هذه الالوان  أن تنسى في خضم الكليب وأغاني الهرج والمرج  التي عمت الساحات الغنائية في الوقت الحاضر ...!!!

           

الگاردينيا: اهلا بالأستاذ المحامي/ يوسف علي خان في حدائقنا.. ننتظر جديدكم..

             

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

908 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع