بادرة فرح سريانية من الأب شليمون

                                               

                        جوزيف أسمر ملكي

بادرة فرح سريانية من الأب شليمون

يوم السبت 10/10/2020، في الثامنة مساء، حادثت كاهناً موقراً، يتسم بكل معاني الأدب والوقار، يحترم مكانته، ويحب ويحترم الآخرين، ويمتلك فيضاً لا ينضب من الثقافة السريانية والعربية، وأعني به الأب الفاضل والصديق العزيز شليمون إيشو خوشابا، مدير دار المشرق للنشر في دهوك، وهو من كنيسة المشرق السريانية (الآشورية حالياً) والذي يعتبر رمز الوحدة والمحبة بين الطوائف المسيحية في العراق، هذا الذي سبق وتعرفت إليه في مؤتمر اللغة السريانية الرابع الذي انعقد في مدينة ماردين في تركيا، تحت شعار: (لِشُنا محَيدا ومحَيدُنا . لغة موَحَدة وموحِدة . السريانية) بتاريخ 8/10/2008، ولمدة أربعة أيام، حيث كنا كلانا مشاركَين في أعمال هذا المؤتمر .

ورأيت فيه وفي الأصدقاء بنيامين حداد، والدكتور يوسف قوزي والدكتور بشير متي الطوري وغيرهم من المثقفين البارزين على الساحة العراقية، حراساً من حرَّاس الثقافة السريانية، ومجاهدين في سبيل نشرها، وإعلاء رايتها، وانطبع هذا الرجل في ذهني من ذلك التاريخ، وأنا أتوسم به بادرة خير وفرح.

في هذه المحادثة تطرقت وإياه إلى قضايانا السريانية اللغوية والتاريخية، ومن هذا الباب دخل الاسم السرياني على الخط، وقال لي: نحن أمة سريانية، وهذه تسميتنا الوحيدة، وليست لنا أية وثائق منذ المسيحية الأولى، تدل على أننا غير سريان، شرقيين وغربيين، وتسمية آثوري وكلداني اليوم لا تعنينا، إنما تعني القدماء قبل التاريخ المسيحي .
فقلت له: نعم هذه حقيقة تاريخية، فبظهور الديانة المسيحية السمحاء في بلاد الشرق، وانتشارها بمختلف أرجائه، وسيادتها له في القرن الرابع الميلادي، بعد اعتراف الإمبراطورية البيزنطية بها رسمياً كدين للدولة، وبعد انضمام أبناء الشعوب التي كانت متواجدة هناك في تلك المرحلة إليها من آراميين ودولتي الغساسنة (الأرثوذكس)، والمناذرة (النساطرة)، والقبائل العربية المتواجدة في بلاد الشام والعراق، ويهود وفرس وكرد وأرمن، وحتى شيشان وشركس وغيرهم، ممن ذكر الكتاب المقدس العهد الجديد في أعمال الرسل الإصحاح الثاني، الآيتان 9 و 19، أغلبهم، فقال عن سكان أورشليم: وكان بينهم فرتيون وماديون وعيلاميون وساكنو ما بين النهرين واليهودية وكبدوكية وبنتس وآسيا والرومانيون المستوطنون، يهود ودخلاء كريتيون وعرب، نسمعهم يتكلمون بألسنتنا بعظائم الله، وانصهروا جميعاً في بوتقة المسيحية السريانية، الشرقية والغربية.
بهذا الحدث التاريخي الكبير، الذي جمع شعوب المنطقة تحت اسم المسيحية السريانية، تكون مرحلة الامبراطوريات والشعوب القديمة قد انتهت، وانخرط أبنائها في حوزة الأمة السريانية المسيحية، وشكلوا مع شعوب المنطقة الآخرين حضارة الشعب السرياني المسحي، حامي المسيحية، وباعث نهضتها وروحانيتها، وباني حضارتها الحديثة .
فتابع حبيبنا الأب شليمون كلامه، وقال: نحن إن تخلينا عن هويتنا السريانية، حتى أخوتنا الموارنة لم ولن يقبلوا اسم آشوري أو كلداني، بينما يقبلون بالاسم السرياني .
وأضفت: نعم، وكذلك الحال مع الروم الملكيين السريان، فهم يقبلون بالاسم السرياني، بينما لا يقبلون باسم آشوري أو كلداني .
فقال: نعم كلامك صحيح .
فقلت له: لكنك في قاموسك زهريرا قلت غير ذلك، فقال: هذا كان، لكنني الآن على وشك أن أصدر نسخة جديدة، سأعرض فيها وجهة نظري هذه .
فقلت له بالحقيقة هذا إنجاز كبير يتحقق لأمتنا السريانية، ويجب ألا ننسى أن عظماء السريان الشرقيين، أمثال البطريرك الشهيد شمعون بنيامين، والأسقف عبد يشوع الصوباوي، والمطران توما أودو وغيرهم كثيرون، كانوا دوماً يفاخرون بالأمة السريانية، وليس بغيرها .
فقال: أرجوك يا ملفونو جوزيف أن تعملوا قدر الإمكان على نشر هذا الفكر، لتصبح أمتنا السريانية جسداً واحداً .
فقلت له، حقاً لقد دفعت فيَّ دماً جديداً، فما رأي الأخوة، أمثال رابي بنيامين حداد في هذا الكلام ؟
فقال الأب عمانوئيل يوخنا والباحث الكبير بنيامين حداد، هم مع هذه الفكرة، ويؤمنون بها .
فقلت له: قبل أشهر عديدة حادثت الباحث بنيامين حداد في هذا الموضوع، وقلت له: أنت كبير في ذهننا، ونعدك قدوة وأمثولة في خدمة السريانية، لماذا نراك اليوم تتبنى فكرة كونكم آشوريين وكلدان؟ فقال: إنها السياسة .
فقال الأب شليمون: من يقل أننا غير سريان، فذلك طرح سياسي، ليس من الحقيقة بشيء .
كم تمنيت أن تطول هذه المحادثة الشيقة التي استمرت نصف ساعة، لنتاول قضايا أمتنا التي لا تنتهي، ونعمل معاً من أجل وحدة هذه الأمة، ولغتها الواحدة والموحدة، وإعادة أمجادها الزاهرة .

وأحب أن أضيف إلى أنه في المدة الأخيرة صدر كتاب للباحث والصديق العزيز موفق نيسكو، بعنوان: اسمهم سريان، لا آشوريون ولا كلدان، قدَّمتُ له، ودققته سريانياً وعربياً، وقد جاءت معلومات الكتاب مطابقة للأفكار التي طرحت في المحادثة اعلاه، حيث قلت في مقدمتي: يطل علينا بحَّاثة كبير، ومؤرخ لافت، له صولات وجولات في حقول البحث والتأريخ، بذل في إخراجه للحياة العرق السخين، والجهد الجهيد، ليقدم لنا عملاً كبيراً خالداً، وثمرة يانعة ناضجة، دخل التاريخ من بابه الواسع، كتب وسطَّر بكل صدق وإخلاص، فكان ثراً في عطائه، وغنياً في فوائده، واضحاً في آرائه وتفكيره، فهو بحق ثمرة جهود مضنية، امتدت لسنوات عديدة، ربط فيها بياض النهار بسواد الليالي، ليقدم لنا هذا الإنجاز الكبير على طبق من ذهب، ومثلما وثَّق أجدادنا منذ فجر المسيحية الحقائق الدينية والمذهبية على مر تاريخها الطويل، هكذا يفعل الأستاذ موفق في مواجهة كل ما يعتري تاريخ أمتنا السريانية، واسمها المقدس من تغييرات وتبديلات في زماننا هذا، ويرد ويقارع المحرفين والمزيفين بالبراهين والحقائق التاريخية الدامغة.

والحقيقة أن الكتاب بطريقة طرحه الأمور تاريخياً بشكل موثق لأول مرة، أحدث وسيحدث طفرة ثقافية وتاريخية في الساحة السريانية بكل فروعها سواءً الشرقية منها (الكلدان والآشوريين) أو الغربية (السريان الأرثوذكس والكاثوليك والموارنة، بل حتى الروم الذين هم بالأصل سريان أيضاً)، لكن الأهم أن أفكار كتاب الباحث نيسكو، بدأت تأخذ مكانها على الساحة العراقية بالذات لتنهي سجالاً كبيراً في مسالة وحدة الاسم السرياني، للسريان والآشوريين والكلدان، وإن إخوتنا وأحبتنا من الكلدان والآشوريين الحاليين هم بالحقيقة سريان، وليسوا غير ذلك .

أخوكم الباحث في التراث السرياني
جوزيف أسمر ملكي
الأحد 11/10/2020 سودرتالية ـ السويد

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1021 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع