سيف شمس الدين
آفاق علم الحياة الجزيئي: الدكتور زهير راضي زاهد
عندما كنت أعيش في بغداد، كنت كباقي أغلب الموظفين نستقل حافلات صغيرة من نوع (كيا KIA)، وبطبيعة العراقيين غالباً ما تُدار الأحاديث بتلك الحافلة الصغيرة، ولو جمعنا عنها قصصاً لأصبحت تنتمي للأدب المعاصر.
في يوم ما دخلت بنقاش أشبه بالعقيم، لكن نظرت إلى أحد السادة وهو يجلس في المقعد الخلفي فأومأ لي برأسه أن أكف عن جدال ذلك الشخص والتزم الصمت، ففعلت ذلك احتراماً لهذا السيد الوقور الذي بدا عليه من النظرة الأولى رجل علم وصاحب فلسفة عميقة. وشاء حظي الجميل أن نترجل نحن الاثنان من الحافلة سوية وكان بيتانا قريبين، فدارت الأحاديث بيننا وتعرفنا على بعضنا حتى أخذنا نضرب موعداً للرجوع معاً.
فتعرفت على الأستاذ الدكتور زهير راضي زاهد الحاصل على شهادة الدكتوراه في علم الخلية العصبية من جامعة نيو كاسل أبون تاين/ إنكلترا عام 1974 بعد حصوله على البكالوريوس علوم حياة من جامعة الموصل عام 1970.
الدكتور ظهر له 45 بحثاً علمياً بمجال تخصصه وله 200 مقالة علمية وهو مؤلف لأربع كتب وهي (الغدد الصماء والتنسيق الهرموني 1987. مستقبلات الضوء 1988. مواضيع مختارة من علم الحيوان 2001. آفاق علم الحياة الجزئي: نظرة فلسفية 2017).
وقد شغل العديد من المناصب العلمية منها:
- رئيس قسم الخلية في مجلس البحث العلمي 1975-1989
- رئيس شعبة الأحياء الطبي في كلية الطب جامعة بغداد 1992-2007
وقد حصل على لقب باحث علمي أقدم ورئيس باحثين ومدرس وأستاذ مساعد وأستاذ.
الأستاذ الدكتور زهير هو ليس متخصص فقط في الخلية العصبية وانما في خلايا الوجدان وحب الحياة والأناقة والفلسفة وتذوقه للأدب والكلمة. يكتب الومضات "كما يسميها هو" على صفحته في الفيس بوك بشكل ملفت للنظر. كتب لي العديد من الومضات بخط يديه الجميل ولا أزال محتفظاً بها ليومنا هذا.
عند زيارتي الأخيرة لبغداد، دعاني الأستاذ زهير لبيته لنشرب فنجاناً من القهوة أعدها بيده بطريقة متقنة وتداولنا الأحاديث حول مواضيع مشتركة. وقد أهداني كتابه الأخير (آفاق علم الحياة الجزئي: نظرة فلسفية) ومن ثم أوصلني إلى بيتي بسيارته.
يمزج المؤلف في كتابه ما بين العلم والفلسفة محاولاً الخروج عن المألوف، وهو تبسيط كلا العلمين لكي يكونا متاحين لجميع الفئات الثقافية المختلفة. يستعرض لنا في كتابه مجموعة من الحقائق العلمية فيطرحها بصورة ومضة ممتزجة بالأدب والفلسفة ليعطينا معلومة علمية فاسح لنا المجال للتفكر ما وراء تلك الحقيقة لكي نمزجها بفلسفة حياتنا.
في مقدمة كتابة يعطينا المؤلف تعرفياً مختصراً عن الفلسفة والمشكلة التي تواجه الفيلسوف حيث يقول في صفحة 7: "ليس هناك من مهمة شاقة تواجه الفيلسوف أكبر من محاولته استخلاص تجربة الماضي من "براثن" الذاكرة لاستعادة واكتشاف العالم والبحث عن قيمة متجددة. ان الحاضر الإنساني مبني أساسا على تجارب الماضي المرتبطة بالذاكرة".
ان هذا الكتاب جدير بأن يُقرأ فهو امتداد وتزاوج ما بين العلم الصريح والواقعي وما بين الفلسفة، فقد استطاع المؤلف من توظيف ثلاثة أبعاد يمتلكها وهي العلم والفلسفة والأدب وصهرها معاً لإنتاج هذا الكتاب بهذا الأسلوب الذي يشد القارئ إليه.
899 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع