قصة قصيرة / قيس وليلى - الجزء الثاني

                                                      

                             بقلم أحمد فخري

قصة قصيرة /قيس وليلى -الجزء الثاني

من لم يتسنى له الاطلاع على الجزء الاول فبامكانه مراجعته من خلال هذا الرابط

https://www.algardenia.com/maqalat/45844-2020-08-31-17-50-36.html

ذهبت ليلى باتجاه بوابة المغادرة فانفتح من تلقاء نفسه دخلتها وهي تنظر الى قيس من وراء ظهرها حتى انغلق الباب خلفها. كفكف قيس دموعه وعاد الى مراب السيارات لكنه نسي موقع سيارته لانه كان منشغل البال وقتها فلم يركز على المكان. وبعد جهد جهيد وبحث مضني طويل عثر عليها وعاد بها الى لندن متجهاً الى مشفاه. هناك فتح باب مكتبه فوجده مظلماً على غير العادة. مد يده على زر النور ليضغط عليه لكنه تفاجأ باصوات عالية مما يقرب من 20 موظفاً وموظفة بالمشفى صرخوا كلهم بصوت واحد، "مفاجئـــــــــــــة". ابتسم قيس وسألهم عن سبب المفاجئة؟ فاجابه صديقه، 

د. ليث : بمناسبة ارتباطك بليلى. لقد احضرنا لك الكيك والمرطبات كي نحتفل بك اليوم.
د. قيس : انا اشكركم كثيراً لقد ملأتموني غبطة يا اصدقائي.
د. ليث : متى ستشد الرحال الى مصر؟
د. قيس : باقرب فرصة إن شاء الله.
الممرضة جنفر: هل ستقيمون العرس هنا ام في مصر يا دكتور؟
د. قيس : كلا ساسافر انا الى هناك بالايام القريبة القادمة وسنتزوج في القاهرة.
د. ليث : اتمنى لك كل السعادة يا صديقي العزيز.
د. قيس : شكراً لك من كل قلبي. انت حقاً افضل صديق عندي. انا احبك يا عزيزي ليث.
فوراً بعد تناول المرطبات ذهب كلٌ الى عمله بالمشفى. وباليوم التالي تفحص قيس حاسوبه وصار يبحث عن الرحلات فوجد واحدة مناسبة خلال اربعة ايام لتصادف الثلاثاء فحجزها واتصل فوراً بليلى. ردت عليه وقالت،
ليلى : حبيبي قيس، اشتقت اليك كثيراً، كيف حالك؟
قيس : انا بخير وانا مشتاق اليك أكثر يا روحي. لدي خبر يساوي مليون جنيه.
ليلى : جنيه مصري ام استرليني؟
قيس : لا، استرليني طبعاً. لقد حجزت للتو على يوم الثلاثاء فما رأيك؟
ليلى : الثلاثاء؟ لحظة واحدة. الخميس، الجمعة، السبت، الاحد، الاثنين، الثلاثاء يــــــــــــاه، ستة ايام؟ لماذا بهذا البعد؟
قيس : انها ستمر كلمح البصر يا عمري. لا تنسي إن وصلت الثلاثاء فانا استطيع مقابلة والدك باليوم التالي الاربعاء. واجلب لك الشبكة يوم الخميس. ما رأيك؟
ليلى : انا ساطير من شدة الفرح. ارجوك اسرع بالمجيء.
قيس : حسناً يا بسبوستي، تحياتي للعائلة الكريمة.
اغلقت الهاتف معه وجرت الى والدتها كي تزف الخبر فبدأت والدتها تزغرد وتقبل ابنتها ثم تجمهر عليها جميع افراد العائلة فامطروها قبلاً حتى سمعهم والدها فجاء هو الآخر ليقبل ابنته واخبرها بانه يبارك ارتباطهما.
كانت الايام الخمسة التالية مرهقة لكلا الطرفين. فبالنسبة لعائلة ليلى كان الجميع منشغلاً بالترتيبات لقدوم قيس وعمل احتفال بمناسبة تقديم الشبكة والاستعداد لمتطلبات العرس المرتقب. اما قيس فكان يذهب كل يوم الى المحال التجارية ليشتري الشبكة والهدايا لعروسه ولعائلتها فرداً فردا بعد ان اخذ المعلومات كاملة من ليلى عن جميع افراد العائلة واحجامهم واذواقهم. كذلك اشترى لنفسه ملابس جديدة كي يظهر بمظهر لائق حتى تفتخر به عروسه امام الجميع. باليوم التالي اتصل قيس هاتفياً بصاحبه ليث وقال،
قيس : لقد انتهيت من جميع استعدادات السفر.
ليث : ساقلك بسيارتي الى المطار غداً لكن دعني احذرك من شيء مهم جداً. يجب عليك ان تأخذ عنوان السكن لليلى قبل الرحيل عسى ولعل تصل الى القاهرة ولا تجد ليلى بانتظارك. فماذا ستفعل وقتها؟
قيس : انا اعرف تقريباً مكانها على ظهر قلب فلقد قالت لي ان اباها يدعى طارق برتو وتسكن بالعجوزة بشارع لا يمكن نسيانه ابداً، اسمه شارع نجيب محفوظ. وحارة اسمها بغداد هاهاها.
د. ليث : اجل هذا شيء لا ينسى حقاً. ساسجله عندي للاحتياط.
باليوم التالي اخذه قيس بسيارته الى مطار لندن الرئيسي (هيثرو). ودع صديقه على باب المغادرة ورجع الى لندن بينما واصل قيس رحلته الى القاهرة. وما ان تمت الاجرائات ودخل الطائرة حلقت به فوق السحاب. بدأت رحلته التي طالما انتظرها كي يحقق امنيته ويلتحق بحبيبته. دامت الرحلة 4 ساعت و40 دقيقة بعدها هبطت بمطار القاهرة الدولي ونزل مع باقي الركاب الى قاعة الوصول. ولما توجه الى شرطي الجوازات سلم له جواز السفر ووقف امامه. لكنه لاحظ امراً غريباً قد حصل فالشرطي الجالس على مكتبه غادر وجاء شرطي ثاني مكانه ليستبدله. فسأله الشرطي الجديد،
شرطي الجوازات : اين تأشيرة الدخول يا استاذ؟
قيس : نحن البريطانيون لا نحتاج لتأشيرة.
شرطي الجوازات : من قال لك ذلك؟ كل شخص يأتي الى مصر يجب ان يحمل تأشيرة دخول (ڨيزا) وليس هناك اي استثناء.
قيس : لكن جميع اصدقائنا الذين زاروا مصر لم يحصلوا على التأشيرة مسبقاً.
شرطي الجوازات : ولماذا جاء اصدقائكم الى مصر؟
قيس : جائوا لغرض السياحة.
شرطي الجوازات : وهل جئت الى هنا لغرض السياحة؟
هنا قرر قيس ان يكذب عليه كي يدعه يدخل فقال،
قيس : اجل، جئت لغرض السياحة.
شرطي الجوازات : انت تكذب. انت لم تأتي لغرض السياحة.
قيس : ماذا تقول؟ ما هذه الاهانة؟ انا لا اكذب.
شرطي الجوازات : اقول بانك كذاب ومخادع ايضاً، لانك جئت لتخطب ابنة عمي ليلى يا دكتور قيس. اسمي المقدم سامح مرحباً بك ببلدك مصر.
ضحك قيس ضحكةً عالية ومدوية ثم قال،
قيس : لقد اخفتني حقاً يا رجل وكما تقولون (سيبت ركبي).
المقدم سامح : هذا تقليدٌ لدينا في مصر يجب ان نرتب مقلباً للعريس.
قيس : الحمد لله انكم تقومون بمقلب بهذا الشكل. فنحن بالعراق مقلبنا مختلفٌ تماماً.
المقدم سامح : ماذا تعملون بالعراق.
قيس : لا اعلم لأني لم اتزوج هناك قط. انسى الموضوع. لا داعي للدخول بالتفاصيل.
المقدم سامح : تفضل جوازك واهلاً وسهلاً بك. ساراك بحفل العرس.
قيس : وسيشرفني ان تكون احد الشهود يا مقدم سامح.
سار قيس متجهاً نحو بوابة الخروج وهو يدفع العربة التي وضع فيها حقائبه. خرج من البوابة فركضت اليه ليلى وقفزت عليه ممسكةً برقبته ومقبلة اياه من فمه فجائها صوت من شخص ملتحي خلفها قال،
الملتحي : اعوذ بالله من غضب الله، ناس كفرة متختشيش.
خرج الاثنان فشاهدوا نعمات اخت ليلى واقفة على مقربة من باب الخروج قدمتها ليلى لقيس فصافحها وركب الجميع سيارة اجرة قال،
قيس : رجاءاً خذنا الى فندق الهلتون لو سمحت.
فاعترضت ليلى قائلةً.
ليلى : اي هلتون هذا؟ حبيبي الجميع بانتضارك بالبيت. دعنا نذهب لتقابل العائلة وتسلم عليهم اولاً ثم تذهب الى الفندق فيما بعد.
قيس : حسناً كما تشائين.
ليلى : العجوزة لو سمحت يا اسطة.
انطلقت بهم السيارة الى منطقة العجوزة وعند الوصول وجدوا حشداً كبيراً في استقبالهم وعلى رأسهم رجل في اواخر الخمسينات من عمره. قدمته ليلى قائلة، "الباش مهندس طارق، الملقب بـ بابا"
قيس : اهلاً بك يا عمي.
طارق : اهلاً وسهلاً بك يا ولدي. نحن نتشرف بالعراق والعراقيين.
قيس : وانا اتشرف بكم سيدي.
طارق : الكل بانتضارك بالداخل، تفضل.
دخل الجميع العمارة التي تقع فيها شقة العائلة فصعدوا السلم الى الطابق الثالث وسط الزغاريد التي صارت تأتي من كل حدب وصوب. ولما دخل قيس باب الشقة جارّاً خلفه حقيبتيه وجد سيدة خمسينية واقفة امامهم والابتسامة تملأ وجهها فقالت ليلى،
ليلى : اقدم لك ماما. اسمها الحركي تفيدة.
قيس : اتشرف بحضرتك يا مدام تفيدة.
تفيدة : نحن الذين نتشرف بالدكتور الكبير. داحنا زارنا النبي.
جلس الجميع بصالة الاستقبال والزغاريد تصم الاذان. هنا شعر قيس انه يجب ان يبدأ بالحديث قال،
قيس : انا جداً سعيد ان اكون بينكم فانتم اهلي وانا اعتز بكم.
طارق : ونحن نتشرف بك يا دكتور. هل كانت رحلتك مريحة؟
قيس : اجل سيدي.
طارق : تفضل اشرب الشاي يا ابني.
شرب الشاي ثم تفحص الوجوه التي صارت تنظر اليه كي يبدأ خطابه فقال،
طارق : لقد جئتكم اليوم طالباً القرب منكم بابنتكم ليلى آملاً ان توافقوا على اقتراني بها. لقد عرفتها وهي امرأة كاملة الخلق والاخلاق وقد جمعتنا غاية واحدة هي التخلص من ماضينا الاليم لدى محامي في لندن. وبعد ان تم الطلاق لكلانا شعرت ان من واجبي ان اتي اليكم آملاً ان توافقوا على اقتراني بابنتكم ليلى.
طارق : نحن بالتأكيد موافقين يا قيس وقد سبق وان تحدثت مع ابنتي ليلى بالموضوع وعلمت برغبتها بالاقتران بك يا ولدي. وبما ان والدتها تفيدة ليس لديها اي اعتراض فدعنا نقرأ الفاتحة.
عم الهدوء على الجميع بينما قرأت الفاتحة وبدأت الزغاريد من جديد تملأ المنزل. هنا قال والد العروس.
طارق : لماذا لا نكتب الكتاب والشبكة بيوم واحد؟ ما رأيكم بيوم الخميس القادم؟ اي بعد غد.
تفيدة : انا من ناحيتي اقول باني موافقة.
قيس : كنت اتمنى ذلك.
طارق : إذاً على بركة الله.
كانت ليلى بقمة السعادة وهي تسمع انها ستصبح زوجة قيس بعد يومين فقط وقيس هو الآخر كان لا يصدق اذنيه. هل من المعقول ان هذه الملاك الجميلة ستصبح زوجته؟ هل سيتحقق حلمه بهذه السرعة؟ هل ستأتي معه حبيبته ليلى الى لندن لتستقر بشكل دائم؟ هنا اطلق العنان لمخيلته فصار يرى ليلى تحضر معه حفل الاستقبال الذي يعده له زملائه بالمشفى بلندن احتفالاً بزواجهما. وصار يتخيلهما في غرفة نومهما بالبيت بلندن يمارسان الحب. ثم انتبه لاخت ليلى متجهة نحوه وهي تقدم له (الشربات) وتقول، "تفضل يا عريس". اخذ الكأس منها ونظر بوجه ليلى فوجدها تبتسم. ومن فرط فرحته بتلك اللحظات السعيدة سقط الكأس من يده فتكسر على الارض. صاح الجميع، "انكسر الشر" فجائوا له بكأس جديد بينما قامت ليلى بتنظيف الارض وازالة قطع الزجاج. وبعد مرور بضع ساعات ببيت ليلى انتصب قيس وقال للجميع،
قيس : انا جداً سعيد للقائكم جميعاً وقبولكم بي كي ادخل عائلتكم الجميلة واكون فرداً منها لكني متعب من عناء السفر لذلك ارجو ان تأذنوا لي حتى اذهب الى الفندق كي ارتاح قليلاً.
الكل وقف وصار يودع قيس بداخل الشقة فقالت ليلى بانها ستنزل معه لتساعده كي يحصل على سيارة اجرة. نزل الخطيبان السلم ثم خرجا الى الشارع وسارا بالطريق وهما يسحبان حقائب قيس خلفهما فدار الحديث بينهما،
ليلى : انا لا اصدق اني ساصبح زوجتك عن قريب. فانت كل ما اريد بهذه الدنيا لانك ستعتني بي وتحميني وستسعدني طوال عمري.
قيس : وانت ستكونين كل شيء بحياتي. ستنسيني النكد الذي عشته مع طليقتي.
ليلى : انت تطلب المستحيل فالنكد علامة مسجلة للنساء جميعاً.
ضحك الحبيبان واكملا السير. بعد ان وصلا الى آخر الزقاق المؤدي الى الشارع العام. عثر على سيارة اجرة فوضع حقائبه بالصندوق الخلفي ثم ودع حبيبته وركب السيارة. حال وصوله فندق الهيلتون ابلغ الاستعلامات بان لديه حجز من خلال الانترنيت فاعطوه غرفة بالطابق السادس. دخل الغرفة ووضع حقائبه على الطاولة ثم خلع ملابسه وتوجه فوراً الى الحمام. وبعد الحمام الساخن عاد الى السرير ونام حتى استيقظ باليوم التالي على رنين الهاتف. رفعه فسمع صوت ليلى تقول،
ليلى : صباح الخير حبيبي.
قيس : صباح الخير يا بسبوستي الحلوة.
ليلى : كيف تدلعون اسم قيس عندكم بالعراق؟
قيس : نحن نقول قيوسي.
ليلى : اشتقت اليك كثيراً يا قيوسي.
قيس : وانا اكثر يا روح قيوسي. ولكن ما الساعة الآن؟
ليلى : انها العاشرة صباحاً يا كسلان.
قيس : احقاً ما تقولين؟ يا الهي.
ليلى : ولماذا كل هذا القلق؟ فليس لديك عمليات او حالات اضطرارية هنا. انت في اجازة، هل نسيت؟
قيس : لا انا لست باجازة بل انا بالجنة. اريد ان اراك باسرع وقت. فانا لا اريد ان اضيع لحظة واحدة دون ان اراك.
ليلى : حسناً ساتي اليك بعد قليل.
قيس : وانا سأكون بانتضارك.
قال قيس لنفسه، "بما ان ليلى ستستغرق ساعة على الاقل كي تصل الى عندي، دعني احلق ذقني واستعد حتى نخرج سوية". دخل الحمام وبدأ يطلي وجهه بصابون الحلاقة لكنه سمع طرقاً على الباب. فتح الباب واذا بليلى تقف امامه وتقول،
ليلى : ها قد اتيت.
قيس : كيف اتيت بهذه السرعة؟ لقد توقعتك ان...
قاطعته ودخلت بالغرفة ثم اغلقت الباب خلفها وقبلته قبلة ساخنة. وبعد ان توقفا للتنفس قالت،
ليلى : لقد كلمتك من الاستعلامات.
قيس : انا سعيد لانك جئت. اصبح وجهك ملطخاً بصابون الحلاقة.
ليلى : لا عليك. هيا استعد، دعنا نخرج كي نكسب الوقت.
قيس : اولاً اريد تناول الفطور فانا جوعان.
نزلا الى الطابق الارضي فتناول قيس افطاره في مطعم الفندق بينما شربت ليلى القهوة ثم غادر الحبيبان وهما في غاية السعادة واستقلا سيارة اجرة متجهين الى منطقة الجيزة. بالطريق سألها،
قيس : اين نحن الآن؟
ليلى : نحن بمنطقة تدعى هليوبوليس.
قيس : هل نحن قريبون من ميدان التحرير الذي وقعت فيه الثورة؟
ليلى : كلا. لقد اصبح الميدان خلفنا وليس هناك مجال للمرور منه الآن لاننا متجهين نحو الجيزة كي تشاهد الاهرامات.
قيس : القاهرة جميلة جداً لكنها مكتضة بشكل ملفت للنظر.
ليلى : انت لم ترى شيئاً بعد. فذروة الاكتضاض مازالت امامنا والرحلة التي بالعادة تستغرق ربع ساعة قد تستغرق ساعتين او اكثر.
قيس : يا الهي. وكيف تتحملونها؟
ليلى : لقد تعودنا على ذلك.
واصلا طريقهما الى الاهرام وصاروا يتجولون هناك. كان الباعة المتجولون بكل مكان فشربا واكلا المرطبات وهم بغاية السعادة. قضوا اوقاتاً ممتعة هناك ثم تعبا فاقترحت عليه ان ينهوا تلك الزيارة ويواصلا رحلتهما الى ميدان التحرير. استقلوا سيارة اجرة ارجعتهم الى ميدان التحرير. هناك صار قيس يتذكر المقاطع التي شاهدها على التلفاز ايام ثورة مصر ضد الطاغية. فقد كانت صرخات الثوار ترن باذنه وهم يقولون "الشعب يريد اسقاط النظام". وخيمهم البيضاء تنتشر بكل مكان. بعدها ساروا على الاقدام لزيارة المتحف الوطني فاعجب بالآثار والموميائات هناك وكانت بالنسبة اليه شيء لم يكن يحلم ان يراه وقد ذكره ذلك بآثار العراق والاهمال الذي اصابها اليوم.
بعد ان تناولا وجبة بمطعم يدعى گروبّي رجع الحبيبان الى الفندق وصعدا الى غرفة قيس وجلسا قليلاً ثم نظرت ليلى بعين قيس وقالت،
ليلى : يجب علي ان ارحل الآن. لا اريدهم ان يقلقوا علي. ولا تنسى انني يجب ان استعد للغد فهو اليوم المعهود.
قيس : اجل حبيبتي لكني سوف لن ادعك ترحلين بمفردك فالوقت قد تأخر. ساتي معك لاوصلك الى البيت.
ليلى : اموت انا بالشهامة العراقية.
نزلا الى الاسفل واستقلا سيارة اجرة لتأخذهما الى العجوزة حيث ودعت ليلى حبيبها ثم عاد بذات السيارة الى الفندق. باليوم التالي نزل قيس الى مكتب الاستعلامات وسألهم عن حلاق رجالي فاخبروه بوجود حلاق بداخل الفندق. ذهب اليه وحلق رأسه ثم عاد الى غرفته واخذ ما يحتاجه من اغراض وتوجه الى وسط المدينة كي يتناول وجبة الغداء هناك ثم عاد بعدها الى الفندق. بعد الظهر خرج قيس متجهاً الى العجوزة حيث منزل حبيبته وزوجته المستقبلية ليلى. وقتما وصل وفتح باب سيارة الاجرة سمع اصوات الزغاريد تملاً المكان فابتسم وقال لنفسه، "اليوم هو اليوم الذي كنت انتظره طويلاً"
دخل قيس الشقة فوجد حشد كبير من المدعوين. الكل كان فرحاً والزغاريد والمشروبات كانت بكل مكان. كان صوت المسجل يلعب احدى اغاني شعبان عبد الرحيم (شعبولة). اقبل عليه والد ليلى من بعيد فاتحاً ذراعيه، احتظنه وادخله الى حيث جلست ليلى فرأاها مرتدية فستان عرسٍ ابيضاً جميلاً. كانت تبدوا كالملاك. نظر اليها وقال،
قيس : تبدين جميلة جداً يا روحي وكانك ملاك من السماء.
ليلى : وانت كذلك تبدوا وسيماً جداً.
قيس : ماذا بعد؟
ليلى : نحن بانتظار المأذون. لقد اتفق والدي معه كي يأتي على الساعة الخامسة. اي بعد ربع ساعة من الآن. سيكتب كتابنا واصبح زوجتك حبيبي.
قيس : اكاد لا اصدق. فانا لا احتمل تلك الدقائق الطويلة. واين ابن عمك المقدم سامح؟
ليلى : لم يأتي بعد. قال انه ربما سيتأخر قليلاً.
وبتلك الاثناء سمعوا صوت جرس الباب فقالت والدة ليلى "ها قد حضر المأذون، اذهبي يا نعمات وافتحي له الباب"
فتحت نعمات الباب ورجعت وهي شاحبة اللون قالت،
نعمات : هناك رجال في الخارج يريدونك يا ابي.
طارق : من هم هؤلاء الرجال، وماذا يريدون؟
نعمات : لا اعلم، تعال وتحدث معهم بنفسك.
ذهب طارق الى الباب فوجد اربعة رجال بلباس مدني واقفين بجانب السلم. فور خروجه من الباب امسكوا به ووضعوا الاصفاد على معصميه وقالوا له بانهم من امن الدولة وهم يلقون القبض عليه بتهمة الارهاب.
خرجت والدة ليلى الى الخارج وصرخت بهم،
تفيدة : هل جننتم؟ انه مواطن صالح وليس لديه اي ارتباط بالارهابيين. كيف تتهمونه بمثل هذه التهمة الحقيرة.
الضابط : انا آسف يا مدام. نحن جئنا ننفذ الاوامر فقط. يجب ان يأتي معنا للتحقيق.
وعندما خرج قيس وخطيبته الى الخارج وجدوا سيارة البوكس تغادر المكان وتختفي بعيداً. صار الجميع يبكي ويولول. بقي معهم قيس محتاراً مرتاباً وقليل الحيلة. كيف يمكنه ان يتدخل بامور قد تودي به الى مضاعفات وخيمة، فهو في بلد غريب يزوره لاول مرة وليس له معارف او اصدقاء هنا. دخل الجميع الى الدار وجلسوا في الصالة ما بين باكي ومضطرب وحزين. حتى دق جرس الباب فذهبت نعمات اخت ليلى لتفتح الباب فرجعت وقالت،
نعمات : انه المأذون، ماذا اقول له؟
قيس : قولي له ان العرس قد تأجل.
تفيدة : قولي له ان بيتنا قد خرب والمصيبة العظمى قد حلت عليه.
جلس الجميع بعدها بهدوء لا يعلمون ماذا سيكون مصير رب الاسرة وماذا سيحل بالعريسين قيس وليلى. فجأة اقترحت ليلى،
ليلى : لماذا لا نتحدث مع الاستاذ محمد سرور كي يحاول انقاذ والدي؟
قيس : ومن هو الاستاذ محمد سرور؟
ليلى : انه محامي ويسكن بحينا.
تفيدة : انه محامي فاشل ولم ينجح بقضية واحدة.
ليلى : لكنه محامي على الاقل يا امي.
قيس : لحظة واحدة. لقد خطرت لي فكرة.
ليلى : ماهي يا حبيبي؟
قيس : لدي صديق او بالاحرى مريض تعرفت عليه قبل فترة قصيرة وهو محامي ناجح جداً.
ليلى : اين تعرفت عليه؟
قيس : لقد التقيته في مطار روما عندما كنت في طريقي الى لندن. اصيب بنوبة قلبية بالمطار وقمت باسعافه فاعطاني بطاقته الشخصية.
اخرج قيس محفظته وصار يفتش فيها بين البطاقات الشخصية الكثيرة حتى صرخ وقال،
قيس : لقيتها، لقيتها ها هي، اعطني هاتفك يا ليلى.
مسك هاتف ليلى وصار يدون الرقم عليه من البطاقة وبعد قليل سمع صوت يجيب،
المحامي عبد الفتاح : الو، عبد الفتاح الوكيل.
قيس : السلام عليكم استاذ عبد الفتاح. انا الدكتور قيس لا اعلم إن كنت تتذكرني!
المحامي عبد الفتاح : وكيف انساك يا دكتور؟ انت الذي اسعفتني بمطار روما. اخذوني فيما بعد الى المشفى وبقيت هناك 4 ايام ثم سمحوا لي بالمغادرة. ولكن من اين تتحدث معي؟ هل انت في روما؟
قيس : كلا انا هنا في القاهرة منذ بضعة ايام.
المحامي عبد الفتاح : ايعقل ذلك؟ انت هنا منذ بضعة ايام ولم تخبرني بقدومك يا رجل؟ الم استدعيك كي تزورني؟
قيس : اود ان ازورك ونتحدث بشكل مطول لكنني احتاج لمساعدتك الآن كمحامي. فقد وقعت لنا مشكلة كبيرة. لقد القوا القبض على والد خطيبتي قبل ان نكتب الكتاب.
المحامي عبد الفتاح : إذاً تعال الآن فوراً وحدثني عن التفاصيل. تفحص البطاقة عندك لان فيها عنوان البيت والمكتب. انا الآن بالبيت. تعال يا دكتور ومرحباً بك.
قيس : انا قادم الآن.
اغلق الخط مع المحامي فقال لليلى،
قيس : اعتقد ان من الافضل ان تأتي معي يا ليلى.
ليلى : امهلني بضع دقائق حتى اغير ملابسي وساتي معك.
اخذ الخطيبان سيارة اجرة وذهبا بها الى منطقة المهندسين حيث يسكن المحامي عبد الفتاح وعندما فتح الباب قال،
المحامي عبد الفتاح : اهلاً وسهلاً بمنقذي وصديقي العزيز الدكتور قيس العراقي.
قيس : أهلاً بك سيدي. اقدم لك خطيبتي ليلى.
المحامي عبد الفتاح : قيس وليلى، لقد قرأت اسطورتكما وانا طفل صغير. هاهاها، تفضلا تفضلا
قادهما الى صالة الاستقبال وسألهما،
المحامي عبد الفتاح : كيف هي قهوتكما؟
قيس : لم افهم قصدك سيدي؟
هنا وضحت ليلى وقالت،
ليلى : مزبوط لكلانا شكراً.
المحامي عبد الفتاح : يجب على خطيبتك ان تعلمك اللغة المصرية يا عراقي. هاهاها.
طلب من خادمته ان تحضر 3 فناجين قهوة مزبوط على حد قوله.
قيس : اجل سيدي انه الحب الذي جمعنا بلندن وانتهى بنا هنا بالقاهرة حتى حلت علينا تلك المصيبة التي منعتنا من عقد قراننا.
المحامي عبد الفتاح : طيب يا قيس ابن الملوح حدثني كل شيء بالتفصيل الممل. انا اقصد منذ ان تعرفت على ليلى بلندن وحتى حلت عليكم لعنة الفراعنة.
بدأ قيس يسرد احداث لقائه بليلى بمكتب المحامي مگريگر وطلاقهما ثم مجيئه الى القاهرة ودخول رجال امن الدولة الى المنزل واعتقال طارق برتو والد ليلى. وعندما فرغ من حديثه تسائل المحامي،
المحامي عبد الفتاح : سامحيني يا ابنتي ولكن هل سبق لوالدكِ ان احتك بالارهابيين من قبل؟ في الجامع في الحي او في العمل مثلاً؟
ليلى : ابداً والله يا استاذ. والدي مهندس زراعي وكان يعمل بوزارة الزراعة منذ اكثر من 25 عاماً ولم يقع له اي مشكلة او اصطدام مع احد لا بداخل العمل ولا بخارجه ولا حتى بالحي الذي نسكنه. كان همه ينصب في كسب العيش للعائلة وهو انسان عظيم محب للجميع والجميع يحبه بدون استثناء.
المحامي عبد الفتاح : هل لدى عائلتكم اعداء؟
ليلى : ابداً.
المحامي عبد الفتاح : هل لاحظت عداء من اهل طليقك؟
ليلى : كلا.
المحامي عبد الفتاح : انه امر محير حقاً. إذا كان والدك ملاك كما وصفت، فيبدو لي انه بلاغ كيدي.
ليلى : بالتأكيد بلاغ كيدي فوالدي بريء ولم يقترف اي ذنب في السابق فكيف يكون له نشاط ارهابي؟
المحامي عبد الفتاح : انتم تعرفون ان القضايا التي تتعلق بالارهاب بمديرية امن الدولة تكون سرية ولا يستطيع احد الوصول اليها. لكني اعرف اللواء محمود علام الذي يعمل بمديرية امن الدولة. هو من اعز اصدقائي، ساحاول ان اتقصى الاخبار منه بحكم علاقة الصداقة التي تربطني به وساصل للحقيقة بإذن الله. ساذهب غداً صباحاً لزيارة اللواء وساخبركم بكل ما يحصل معي.
قيس : نحن عاجزون عن الشكر استاذ عبد الفتاح واود ان اعلمك باني مستعد لاي شيء تطلبه.
المحامي عبد الفتاح : وهل طلبتَ شيئاً مني عندما اسعفتني بروما؟ يا دكتور هذا عيب. انت الآن ببلدنا وانا اتمنى ان استطيع خدمتك.
ليلى : والآن اسمح لنا يا استاذ، يجب علينا ان نغادر كي اذهب الى السيدة الوالدة واطمئنها على الاجرائات.
المحامي عبد الفتاح : ملاحظة اخيرة، عندما تتحدثون معي بالهاتف، ارجو ان لا تتكلموا باي تفاصيل بل دعوها تقتصر على المواعيد فقط.
قيس : مفهوم يا استاذ. اكرر شكري سيدي وتصبح على خير.
خرج الحبيبان وهما بحالة نفسية افضل بكثير مما جائوا عليها لان الآن اصبح لديهم امل بعد ان حدثهم المحامي عن صديقه اللواء محمود علام الذي يعمل بمديرية امن الدولة. رجع الخطيبان الى العجوزة وجلسا مع العائلة فاخبراهم بما قاله المحامي عبد الفتاح وما سيعمل في الغد. بعد ذلك استأذن قيس من الجميع ورجع الى الفندق. بتلك الليلة لم يتمكن قيس من النوم بشكل اعتيادي لان فكره كان منشغلاً بامور عدة. من ناحية هو حزين بسبب تأجيل مراسيم الزواج مع ليلى ومن ناحية اخرى مشكلة والد ليلى وما ستؤول اليه الامور. بقي يفكر بضع ساعات حتى سلّم نفسه الى نوم متقطع متعب. صبيحة اليوم التالي استيقظ على رنين الهاتف فرفع السماعة ليسمع صوت ليلى تقول،
ليلى : صباح الخير حبيبي قيوسي. كيف كانت ليلتك وكيف اصبحت اليوم؟
قيس : لم اتمكن من النوم بشكل مريح من كثرة التفكير. وانت؟
ليلى : انا لم اخلد للنوم نهائياً. بقيت مستيقظة طوال الليل اتحدث مع والدتي واختي بخصوص ابي المسكين. طلبت مني ماما ان ابلغك اعتذارها عما جرى بخصوص والدي وعدم وقوع كتب الكتاب.
قيس : هذا غير مهم الآن ووالدك ليس مسؤولاً عما جرى. المهم اننا نستطيع ان نخرجه من تلك المصيبة ثم نقوم بكتب الكتاب فيما بعد.
ليلى : ما العمل الآن ومتى ستلتقي بالمحامي؟
قيس : ساقابله اليوم بعد الظهر وساخبرك عن آخر المستجات بعد ان يذهب لمقابلة صديقه اللواء في مديرية امن الدولة.
ليلى : سانتظر مكالمتك يا روحي.
قيس : اسمعي ليلى، اعطني هاتف ابن عمك سميح.
ليلى : اتقصد سامح؟ اجل اكتب عندك 043422231
قيس : شكراً.
بعد ان تناول قيس وجبة الافطار في مطعم الفندق خرج الى خان الخليلي لشراء بعض الهدايا لزملائه بالعمل. ثم رجع الى الفندق ووضع مشترياته في حقيبة السفر ثم اتصل بالمقدم سامح فرفع السماعة قائلاً،
قيس : السلام عليكم مقدم سامح؟
سامح : وعليكم السلام، من معي؟
قيس : معك الدكتور قيس خطيب ليلى ابنة عمك.
سامح : اتقصد السائح الذي دخل مصر بدون تأشيرة؟ اهلاً وسهلاً بك عزيزي.
قيس : شكراً اخي العزيز. هل سمعت بما حصل لعمك؟
سامح : اجل انه امر خطير جداً. هل هناك شيء استطيع ان اقدمه؟
قيس : اجل انا احتاجك كثيراً. اريد ان التقيك اليوم؟
سامح : بالتأكيد فانا مجاز لمدة اسبوع كامل. بامكاني ان ازورك الساعة السادسة مساءاً بالهلتون، ما رأيك؟
قيس : ممتاز جداً. ساكون بانتظارك في باحة الفندق.
اغلق الهاتف مع سامح وقرر ان يخلد للنوم لانه لم يأخذ كفايته منه في الليلة السابقة. وما ان غط بنوم عميق حتى رن الهاتف فرفع السماعة وسمع الطالب يقول،
المحامي عبد الفتاح الوكيل : مساء الخير يا دكتور قيس. هل لنا ان نتقابل؟
قيس : بالتأكيد أتريدني ان آتي اليك.
المحامي : لا، انا سالتقيك بالفندق الساعة السادسة مساءاً. ما رأيك؟
قيس : اهلاً وسهلاً بك يا استاذ عبد الفتاح. وبهذه المناسبة ساعرفك على سامح ابن عم خطيبتي.
في تمام الخامسة والنصف ترك قيس غرفته ونزل الى باحة الفندق كي ينتظر المقدم سامح والمحامي عبد الفتاح. وبعد ان طلب شاياً بالليمون رأى سامح يدخل من الباب الرئيسي فوقف ورحب به واخبره عن زيارة المحامي. وما هي الا دقائق والتحق المحامي بهما وسلم على قيس وسامح فعرفهما على بعضهما وقال دعونا نذهب الى مقهى الفندق كي نجلس هناك ونتحدث. توجه الرجال الثلاثة الى المقهى. كان المقهى خالياً من الزبائن فجلسوا على الطاولة وبدأ قيس الحديث إذ قال،
قيس : طمنّي يا استاذ، هل تحدثت مع صديقك اللواء محمود علام بمديرية امن الدولة؟
المحامي : اجل لكن الامور لا تبشر بخير ابداً. فالتهمة قوية جداً وهي من مصدر موثوق جداً.
قيس : كيف ذلك يا استاذ؟ وهل هناك ادلة او شهود؟
المحامي : البلاغ آتي من عندكم يا قيس اقصد من بريطانيا. لقد حضرت الى مصر ضابطة كبيرة من لندن وقد اخبرتهم عن اسم عمك طارق برتو وقالت ان اسمه مدون لديهم في الـ MI6 على قائمة الارهابيين الخطرين لانه يتواصل مع خلية في بريطانيا.
سامح : لكن عمي لم يذهب الى بريطانيا بحياته. بالحقيقة هو لم يغادر حتى القاهرة.
المحامي : هذا لا يهم فقد يكون من الخلايا النائمة على حد قولها.
قيس : وهل اعطاك اسم هذه الضابطة؟
المحامي : سألت اللواء عنها لكنه رفض الافصاح عن اسمها وقال ان ذلك من الاسرار ولا يمكنه الادلاء به. لكني عندما خرجت من مديرية امن الدولة لانتظر سيارة اجرة كي ارجع بها الى مكتبي، وقفت سيارة اجرة امامي ونزلت منها امرأة اجنبية فائقة الجمال شقراء البشرة وبوجهها شامة على خدها الايسر. ركبت انا نفس سيارة الاجرة التي نزلت منها الضابطة وسألت سائق السيارة عنها فقال ان الزبونة انكليزية وركبت معه من فندق كليوباترا. قد تكون تلك المرأة هي الضابطة البريطانية التي جائت من لندن.
هنا بدأ الشك يدب في قلب قيس خصوصاً وانه ذكر انها اشيمة لان ذلك قد يعني ان طليقته سهاد هي التي انتحلت شخصية الضابطة الانكليزية لكنه اراد ان يتأكد قبل ان يحدث الآخرين بذلك فقال،
قيس : انا ساذهب اليوم الى ذلك الفندق وساستقصي الامر.
سامح : وانا ساذهب معك.
المحامي : إذاً حاولوا ان تفهموا منها اي شيء يفيدنا في قضية طارق برتو إن استطعتم. دعوني اكرر السرية التامة بكل شيء. ولا تخبروا اي احد بما تتحصلون عليه من معلومات مهما كان حجمها. والآن يجب علي العودة الى مكتبي. لدي بعض الامور العالقة. وداعاً.
صافح المحامي قيس وسامح وخرج من المقهى ليعود الى مكتبه. قال قيس،
قيس : هيا يا سامح دعنا نذهب الى فندق كليوباترا الآن.
سامح : ليس الآن يا قيس. دعنا نذهب غداً صباحاً ونبقى هناك طوال اليوم لنراقب من داخل الفندق.
باليوم التالي جاء سامح ليأخذ قيس ويذهبا سوية الى فندق كليوباترا وهناك دخلا من الباب الرئيسية. تفحص قيس المدخل فشاهد كافتيريا بداخل الفندق قريبة من باحة الاستعلامات فقال لسامح،
قيس : دعنا نجلس هناك ونراقب الامور عن كثب.
سامح : فكرة سديدة، سندقق بكل الداخلين والخارجين.
جلس الاثنان وطلبا قهوة وصارا يدردشان بامور كثيرة حتى توقف سامح فجأة وقال.
سامح : انظر هناك يا دكتور، دخلت سيدة اجنبية الى الاستعلامات بنفس المواصفات التي اعطاها المحامي.
التفت قيس ورائه ونظر اليها وقال،
قيس : يا الهي، لا اصدق ذلك، انها هي، انها هي، لعنك الله يا سهاد المجنونة.
سامح : اتعرفها يا دكتور؟
قيس : اجل انها طليقتي سهاد. انتظر هنا ساذهب اليها وسامسح بها الارض.
امسك سامح بيده وسحبه اليه قائلاً،
سامح : ماذا تفعل يا دكتور؟ توقف ستفسد علينا كل شيء.
قيس : ما الامر يا سامح؟ اريد ان أأنبها على ما فعلت. انا متأكد انها هي التي رتبت كل هذه المؤامرة.
سامح : أنت لو تحدثت معها وعَرِفَتْ باننا اكتشفنا خطتها فسوف تغادر القاهرة فوراً وتعود الى بريطانيا. وقتها سوف يتعَفّن العم طارق في السجن. يجب ان نتصرف بحكمة.
قيس : وماذا تقترح ان نفعل إذاً؟
سامح : دعني اقترب منها واخذ لها صور بهاتفي النقال ثم نرجع الى المحامي ونخبره بما اكتشفنا. على الاقل نتأكد انها نفس المرأة التي شاهدها المحامي خارج امن الدولة.
قيس : حسناً اذهب انت وصورها. انا جالس ها هنا.
اقترب سامح من سهاد ودون ان تشعر به، صار يلتقط لها الكثير من الصور اثناء حديثها مع موظف الاستعلامات ثم عاد الى قيس واعطاه الهاتف. صار قيس يقلب الصور وابدى رضاه عن الصور لانها كانت واضحة جداً تبين تقاطيع وجه سهاد. بعدها ذهبا ثانية الى مكتب المحامي كي يعرضا عليه الصور لكن سكرتير المحامي اخبرهما بانه ذهب الى المحكمة فتركوا له رسالة يخبراه بانهما سيزوراه في بيته بالمساء. بعد ذلك غادر سامح الى بيته بينما ذهب قيس الى العجوزة حيث منزل عائلة ليلى فاستقبلته ليلى بالباب وسألته،
ليلى : هل التقيت بالمحامي؟ وماذا قال عن قضية ابي؟
قيس : اجل ذهبت مع ابن عمك سامح وتحدثنا مع المحامي فاخبرنا بانه مازال يحاول ان يساعد والدك.
ليلى : ماذا تقصد؟ هل هناك اي مستجدات؟ هل هناك امل؟
قيس : كلا ليس هناك اي اخبار جديدة الا ان المحامي يعمل كل ما بوسعه.
ليلى : ارجو ان يكون قادراً على مساعدة ابي. والآن اخبرني، هل انت جائع؟
قيس : اكاد اموت من الجوع. هل لديكم طعام؟
ليلى : بالتأكيد. امي عملت فراخ بالفرن مع الرز.
قيس : يا سلام انا احب الفراخ.
ذهبت ليلى الى المطبخ كي تعد لخطيبها الطعام بينما جلس هو في الصالة فجائت والدة ليلى وصارت تسأله نفس الاسئلة عن المحامي ومستجدات القضية لكنه لم يتمكن من ان يخبرها باي تفاصيل بناءاً على ارشادات المحامي بالالتزام بالسرية التامة. وبينما كان قيس يتناول طعامه جائته مكالمة من المحامي وقال بانه كان في المحكمة وعلم انه جاء الى مكتبه مع سامح. فاجابه قيس بانه يريد ان يزوره بالمساء فطلب المحامي منه ان يأتي الى بيته فوافق. بالمساء ارادت ليلى ان تذهب معه الى بيت المحامي لكن قيس اخبرها بان الافضل ان يذهب وحده. ركب سيارة اجرة وتوجه الى بيت المحامي. وبينما هو بالطريق اتصل بالمقدم سامح وطلب منه ان يلتقيه ببيت المحامي كي يخبروه بالمستجدات. وصل قيس بيت المحامي فادخلته الخادمة وما هي الا دقائق والتحق بهم سامح. رحب بهما المحامي وعرض عليهما القهوة الا انهما رفضا وقال قيس،
قيس : لدينا اخبار مهمة جداً يا استاذ عبد الفتاح. هل تذكر الشرطية الانكليزية التي جائت الى مصر لتُبَلّغ عن العم طارق برتو؟
المحامي : اجل الشقراء الجميلة.
قيس : انها ليست شرطية بل هي طبيبة وهي طليقتي واسمها سهاد بريطانية الجنسية وعراقية الاصل.
المحامي : هذا مستحيل. لقد كانت تتحدث بلغة انكليزية طليقة كما اخبرني اللواء وقد أبرزت هوية الـ MI6.
سامح : يا استاذ عبد الفتاح ان اي انسان بامكانه ان يزوّر اي هوية مهما كانت معقدة. لقد التقطنا صور لهذه العاهر.
ثم تذكر سامح ان سهاد كانت يوماً ما زوجةً لقيس فاعتذر على كلمة (عاهر) لكن قيس اشار بيده بما معنى "لا عليك"
تفحص المحامي الصور بهاتف سامح وصار يهز برأسه ثم قال،
المحامي : اجل هي نفس المرأة التي شاهدتها تخرج من سيارة الاجرة امام مديرية امن الدولة. وما غرضها من كل ذلك؟ لماذا سافرت من بلد لآخر وتحملت كل تكاليف الرحلة؟
قيس : انا متأكد انها جائت هنا لغرض افساد عرسي مع ليلى. اما التكاليف فهي طبيبة وقادرة على دفع تلك التكاليف بكل سهولة.
سامح : لكنك قلت قد تم الطلاق بينكما، فلماذا تفعل ذلك؟
قيس : انها امرأة مختلة عقلياً وقد طلبت منها مراراً وتكراراً ان تذهب الى اطباء نفسيين كي يعالجوها لكنها كانت ترفض بشكل قاطع.
المحامي : يبدو ان اكتشافكم للسيدة سهاد قد غير المعادلة لصالحنا. الآن اسمع مني يا دكتور، عليك ان تحضر لي الادلة الاصلية التالية: عقد زواجك وعقد طلاقك مع د. سهاد، حاول ان تأتي باكبر عدد ممكن من الصور التي كانت تجمع بينكما عندما كنتما متزوجان.
قيس : لدي كذلك هوية مشفى قديمة منتهية الصلاحية لسهاد، هل تنفعنا؟
المحامي : اجل، اجل بلا شك.
قيس : وهل سيفرجون عن العم طارق من الحبس؟
المحامي : بعد ان يشاهدوا الادلة سيفرجون عنه فوراً وسيلقون القبض على طليقتك. هل انت موافق على ذلك؟
قيس : بالتأكيد، فهي لا تعني لي بشيء. انها انسانة مختلة عقلياً.
خرج قيس وسامح من منزل المحامي وهما بغاية السعادة. ولما جلسا بسيارة الاجرة اتصل قيس بصديقه د. ليث بلندن فرفع السماعة وقال،
ليث : مساء الخير قيوسي كيف تجري الامور؟ هل تم عقد القران؟
قيس : اسمع مني يا ليث. اريد منك خدمة كبيرة وسريعة.
ليث : اعتبرها مقضية من الآن قبل ان تتحدث.
قيس : شكراً. اريدك ان تذهب الى مكتبي بالمشفى الآن ليس غداً بل الآن. وتجلس على منضدتي فتجد الى يسارك تحت سطح المكتب مفتاح مخفي للجرارات. تفتح به الجرارات التي على يمينك وتخرج الاشياء التالية: في الجرار العلوي الاول اريد عقد زواجي وعقد طلاقي من سهاد وستجد هناك اصبع فلاش يو اس بي USB لونه احمر يحتوي على صور لي ولسهاد واخيراً اريدك ان تبحث عن هوية I.D. card قديمة لسهاد موجودة بالجرار الثاني او الثالث. وعندما تجد كل هذه الاشياء، ضعها بظرف واحد وابعثها لي ليلاً الى عنوان فندقي الذي سابعثه لك الآن.
د. ليث : سافعل ما طلبته فوراً.
قيس : شكراً لك عزيزي ليوثي.
د. ليث : هل جرى شيء سيء لا سامح الله؟
قيس : ساخبرك بكل التفاصيل لاحقاً. اما الآن فارجوك اسرع بما طلبته منك.
بعد يومين وفي تمام الساعة السابعة مساءاً اتصل مكتب الاستعلامات للفندق بقيس واخبروه بان لديه ظرف مستعجل وصلهم ويجب عليه النزول لاستلامه فنزل قيس مسرعاً فاستلمه وفتحه ليجد فيه كل ما طلب من صديقه ليث. رجع الى غرفته واتصل بالمحامي وقال له، لقد وصلت الادلة التي اردتها فطلب منه المحامي احضارها الى بيته كي يقدمها الى مديرية امن الدولة باليوم الموالي. اخذها اليه بالمساء وعاد الى الفندق.
باليوم التالي رن هاتف قيس الساعة الحادية عشر صباحاً فرفعه وسمع صوت المحامي يقول،
المحامي : صباح الخير يا دكتور.
قيس : صباح الخير يا استاذ عبد الفتاح ، هل لديك اخبار سارة؟
المحامي : كلا، انها اخبار سيئة جداً و(متنيلة بنيلة). تعال وانقذني يا دكتور فعمك جالس معي بمكتبي يأكل الآن. تعال وخذه من عندي فقد خسرنا عليه وجبتي مكدونالد لحد الآن. هاهاها.
قيس : احبك يا صديقي. انا آتي كالبرق.
ذهب قيس الى مكتب المحامي عبد الفتاح وحالما دخل المكتب وقف طارق برتو والد ليلى وقبل قيس وصار يبكي. طبطب قيس على ظهره واجلسه ثانية وصار يسمع منه الآمه معاناته اثناء التحقيق وفترة السجن الانفرادي. بعدها سأل المحامي،
قيس : هناك شيء واحد فقط لم اتمكن من معرفته. كيف عرفت طليقتي كل المعلومات عنا وعن العم طارق وعنوانهم بالعجوزة؟
امحامي : بعد التحقيق مع طليقتك سهاد، وبعد طُرُق الاقناع اللطيفة الحنونة التي مارسوها معها في مديرية امن الدولة اخبرتهم الدكتورة سهاد ان لديها جاسوسة في المشفى تدعى الممرضة جنفر. هي التي زودت طليقتك ليلى بكل المعلومات لانها على ما يبدو كانت تحبك وتتامل ان تفوز بك بعد ان تتطلق من سهاد لكنها اصيبت بالاحباط لما علمت انك ستتزوج من ليلى. وفي غيابك في القاهرة، دخلت جنفر مكتب زميلك الدكتور ليث وفتشته فوجدت العنوان مكتوب على سطح مكتبه.
قيس : يا الهي ممرضتي جنفر! انه حقاً امر لا يصدق.
امحامي : ليس هناك شيء عجيب مع النساء، فهن يفكرن بطريقة مختلفة عما نفكر بها نحن. إحمد ربك انها وقفت على هذا المقدار.
اخرج قيس هاتفه واتصل بليلى ليقول لها،
قيس : ابشري يا ليلى. ابوك افرج عنه.
ليلى : انا لا اصدق، كيف؟ قل لي كيف؟
قيس : ساشرح لك كل التفاصيل فيما بعد. سنأتي انا وابوك الى منزلكم بالعجوزة بعد قليل.
ليلى : هذا شيء رائع، شكراً حبيبي، شكراً روحي، انا بانتظاركما.
قيس : لا تنسي ان تتصلي بالمأذون كي يأتي فوراً. اما انا فقد استدعيت المحامي عبد الفتاح الوكيل وابن عمك سامح كي يكونا شاهدين على زواجنا. سنتزوج اليوم وبدون اي تأخير.

بعد ثمانية اسابيع من عقد قران ليلى على قيس وقضائهما شهرين للعسل في فندق الفصول الاربعة بالاسكندرية، رجع الزوجان الى القاهرة ليودعا عائلة ليلى ويسافرا بخطوط مصر للطيران راجعين الى مقرهما الدائم بلندن. كانت الطائرة مزدحمة بالركاب وبالصدفة ركبت بنفس الطائرة السجينة د. سهاد السربادي يتأبطاها شرطيان مصريان ويجلسان بالدرجة الاولى كان الوهن والندبات بادياً على وجهها. اما ليلى فكانت تشعر بالغثيان وتفكر كثيراً لكنها كانت فرحة بنفس الوقت لان العادة الشهرية لم تهل عليها هذا الشهر.

وهكذا تمت قصة قيس وليلى في القرن الـواحد والعشرين.

   

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1566 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع