د. فاضل البدراني *
قراءة في زيارة الكاظمي لواشنطن
"شراكتنا الإستراتيجية هدفها تحقيق الأمن والازدهار" بهذه الجملة التي مثلت شعارا للقاء الثنائي الذي جمع بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي،فهل من تكتيكات وخطوات جدية لتحقيق مضمون هذا الشعار الملفت للانتباه ؟
خطوة الحلول في جانب مهم منها بدون أدنى شك هي بيد الرئيس ترامب،إذ أن السياسة الأميركية تعتبر أبرز مفاعيل الحل الجذري للإشكالية العراقية التي تغوص يوميا في الأعماق بشعب تحمل وطأة حصارات وحروب وتشرذم على مدى 30 عاما جراء السياسات الأميركية التي أضحت للمتابع هي التي خططت للعراق أن يكون بهذا الواقع الذي يبدو عليه بالوقت الحاضر.فالبعض غالا بالمراهنة على زيارة الكاظمي لواشنطن بتحقيق الانجازات الهائلة التي تجعل العراق كاليابان أو كوريا الجنوبية او المانيا،في ضوء ما حظي به من حفاوة الاستقبال الذي لم يحظى به من سبقه،والبعض الآخر قلل من أهميتها الى الحد الذي شكك حتى في بروتوكول الاستقبال وضعف حفاوة الاستقبال.
بروتوكولات الاستقبال الغربية مختلفة عن مثيلاتها في بلدان الشرق في بعض سلوكيات التعامل النابعة من ثقافة غربية تختلف ببعض الشيء عن الثقافة الشرقية التي نمارسها بحياتنا اليومية، وبالرغم مما قيل بالاتجاهين المتفائل والمتشائم ،فالزيارة تعد بداية ناجحة وموفقة،والاستقبال كان مميزا، وجدول أعمال اللقاءات الرسمية كان حافلا بمناقشة موضوعات اقتصادية وصحية وبيئية وتكنولوجية وعلمية وسياسية وأمنية، حظي بها الكاظمي مع كبار المسؤولين الأميركيين وفي مقدمتهم ترامب ،واتضح أن الأميركيين يرغبون بجدية دعم الكاظمي وإنجاح برنامجه الحكومي وتفاعلهم مع سياساته التي يمارسها في إدارة الحكم بالعراق الذي تولاه في 7 مايس 2020،وعلى الرغم من كل هذه المؤشرات الايجابية فمسألة نجاح هذه الخطوات مرهون بمدى قدرة وجدية حكومة بغداد بتنفيذ برامجها التنفيذية وتحريك المياه الراكدة والتفاعل مع الأميركيين والمجتمع الدولي بخطوات إجرائية مطمئنة، فأن تحقق ذلك فإنها ستلفت انتباه المجتمع الدولي للتعاون مع العراق، وكل ما مطلوب توفير البيئة الآمنة للاستثمار وكبح جماح العنف وأصحابه وتعزيز الاستقرار الذي يحقق فرصة جذب الشركات العالمية للعمل بهذا البلد وإنعاش الاقتصاد الذي يعاني انتكاسة خطيرة برغم تعدد الموارد التي تملأ الأرض.وأعلن الجانبين عن اتفاق للاستثمار بقيمة 10 مليار دولار بقطاع النفط والغاز بالعراق،ويبدو انه سيبقى مجرد كلام ويصعب ترجمته الى فعل لأن الأميركيين يخشون تواجد شركاتهم في العراق الذي تحول لساحة صراع بين واشنطن وطهران،وأصدقاء الأخيرة يملئون الأرض العراقية تحركا ونفوذهم وتأثيره كبير على القرار الحكومي، وخارج رؤيتهم لا يمكن للحكومة أن تتصرف.
وإذا كانت الانطباعات عن بداية الزيارة تؤشر جانبا مشرقا للتفاعل بين الوفدين العراقي والأميركيين،ينبغي أن نضع الأمور في نصابها من خلال البحث في إطار مستقبل هذه الموضوعات التي تناولتها اللقاءات الرفيعة المستوى، ويقينا أن الأميركيين يدركون كما يدرك الكاظمي أن الظروف الداخلية بالعراق غير مشجعة لترجمة هذه الموضوعات بالاتجاه الصحيح، فالقوى السياسية بالعراق باتت جزء من المشكلة والأزمة وابتعدت عن الحلول،وغير مستعدة لمنح الكاظمي فرصة تحقيق الاستقرار بالبلد لأن مصالحها ستتضرر،وقد يواجه الكاظمي حال عودته من واشنطن، تحديات منها التلويح بالإقالة في مجلس النواب لعدم الطلب رسميا من واشنطن سحب قواتها من البلاد،واتهامه بالتواطؤ مع واشنطن في امور اخرى،ولا نقول أكثر من ذلك.وهناك نقطة جوهرية سوف تتحكم بمستقبل الخطوات التي رسمتها زيارة الكاظمي لواشنطن، وتتمثل بظروف الأجواء الانتخابية في كلا البلدين،التي ستجعل الأمور على ما هي عليه لأكثر من سنة تقريبا، بمعنى أن حسابات البيدر مختلفة عن حسابات الحقل.
وما طرح في اللقاء الثنائي بين ترامب والكاظمي، من شعار فرض نفسه لأن يكون مانشيت يلفت انتباه القراء في الصحف الواسعة الانتشار" شراكتنا الإستراتيجية هدفها تحقيق الأمن والازدهار" لن يتعدى زمانه بالنشر قبل أن يختفي من التداول، لوجود عوامل خارجية وداخلية مفقودة الحلول بالوقت الحاضر،وخارجيا الجانب الأميركي لم يعد يضع العراق ضمن أولويات سياسته الخارجية وترامب غير آبه بالأمور،وكل ما يركز عليه كيفية زيادة رصيده أمام منافسه الديمقراطي بالانتخابات الرئاسية جو بايدن، وأما داخليا فان الدولة العراقية باتت تتحكم فيها مفاعيل عدة يتفوق فيها الطرف الذي يمتلك السلاح والمال والنفوذ على السلطة التنفيذية.
* أستاذ الإعلام الدولي بالجامعة العراقية
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
646 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع