عوني القلمجي
خبايا زيارة الكاظمي لامريكا
كل ما اشيع حول زيارة مصطفى الكاظمي، رئيس الحكومة العراقية، الى واشنطن عار عن الصحة تماما. فالرجل لم يذهب الى هناك لوضع خطة لانقاذ العراق من محنته،التي عمادها انهاء النفوذ الايراني وحل المليشيات الموالية لايران وحصر السلاح بيد الدولة، او محاربة الفساد والفاسدين، او توفير الخدمات او اعادة البنى التحتية الى اخر هذه الادعاءات الفارغة، وانما ذهب لترتيب اتفاقية جديدة، لحمتها المعاهدة الامنية، او ما سميت بالاطار الاستراتيجي التي وقعها نوري المالكي، رئيس الوزراء الاسبق عام 2008، والتي جعلت من العراق ولاية امريكية بامتياز وقاعدة عسكرية متقدمة، وسداها الاتفاقية التي تم التوقيع عليها في وزارة الخارجية العراقية قبل شهرين، وتحديدا في الحادي عشر من شهر حزيران الماضي، بين ممثلي الطرفين امريكا والعراق. وخير دليل على ذلك، ان جميع لقاءات الكاظمي والمؤتمرات الصحفية التي عقدها، سواء مع الرئيس الامريكي دونالد ترامب او وزير خارجيته جورج بومبيو او رئيس الاغلبية في الكونغرس الامريكي نانسي بيلوسي، لم تات على ذكر واحدة من هذه الاكاذيب، سواء تلك التي تخص ايران او المليشيات المسلحة او الفساد والفاسدين. ودعكم عن ما اشيع في السابق واللاحق عن ان الاتفاقية التي وقعها نوري المالكي او مصطفى الكاظمي مع الولايات المتحدة الامريكية، حققت مكاسب للعراق ولو بحجم جناح بعوضة. فكلا الاتفاقيتين لم يشارك فيها الطرف العراقي، لا في صياغتها ولا مناقشتها، وانما اطلع عليها وهي جاهزة ليضع توقيعه دون ضغط او اكراه. ولا يغير من هذه الحقيقة توقيع الكاظمي لعدة اتفاقيات بخصوص توفير الكهرباء والغاز واصلاح البنى التحتية وتحقيق الامن والاستقرار. فلقد فعلها قبله جميع رؤساء الوزارة العراقية، ولم ينتج عنها طيلة سنين الاحتلال العجاف سوى سواد الوجه. وسوف تثبت الوقائع كما اثبتت في السابق حقيقة هذه الاتفاقية التي لم يتسرب منها شئ سوى عدم انسحاب القوات الامريكية على المدى المنظور او تحديدا ليس قبل ثلاث سنوات.
الاتفاقية الجديد التي وافق عليها الكاظمي خلال زيارته لواشنطن يوم الثلاثاء الماضي، ليست مذلة ومهينة فحسب، وانما عار وشنار سيلحق بهؤلاء الاشرار الى ان تقوم الساعة حيث تضمنت:
اولا تقوم الولايات المتحدة الأمريكية باستخدام أربع قواعد عسكرية كبيرة ورئيسية تتوزع ما بين محافظة سليمانية وأربيل، والأخرى في محافظة الأنبار، وواحدة بين محافظتي ميسان وواسط، والأخيرة جنوب مدينة ذي قار، وتحتوي
هذه القواعد على مهابط للطيران الحربي والمدني وتكون هذه القواعد غير خاضعة على الإطلاق لسيادة العراق بل ترتبط بالأمن القومي الأمريكي.
ثانيا يحق للولايات المتحدة الأمريكية إدخال قواتها العسكرية بأي طريقه ومن أي منفذ وبالأعداد التي تراها مناسبة من دون التنسيق مع الحكومة العراقية أو أشعارها لدواعي أمنيه.
ثالثا لا تحدد الاتفاقية بعمر زمني معين بل تخضع للظروف الدولية والمتغيرات العسكرية العالمية ويكون الطرف الأمريكي هو من يوقف العمل بها من جانب واحد وحسب مقتضيات الأمن القومي الأمريكي.
رابعا يتعهد الجانب العراقي بشكل دائم بتدفق البترول إلى الولايات المتحدة الأمريكية بأسعار خاصة تتراوح بين 8 – 18 دولارا وبشكل دائم من دون الخضوع لأسعار النفط الدولية، ليساهم في دعم المجهود الحربي للقوات الامريكية المتواجدة بالعراق.
خامسا تعتبر المستودعات الخرسانية الكبيرة التي شيدتها القوات اليابانية في صحراء محافظة المثنى تحت الأرض، والخاصة بالنفايات الكيمياوية والنووية، جزءا لا يتجزأ من أرض القواعد الثابتة، وترتبط معها فنيا وعسكريا من دون تدخل السلطات العراقية بنشاطها.
سادسا يحق للقوات الأمريكية العاملة اعتقال أي شخص أو مجموعه من المواطنين العراقيين، أو من المواطنين المتواجدين على أرض العراق الذين يتسببون في أي تهديد للقوات الأمريكية في أي وقت، ومن دون التنسيق مع الجانب العراقي.
سابعا يحق للقوات الأمريكية استخدام تلك القواعد في مهاجمة الدول الإقليمية أو الدول الأخرى انطلاقا من العراق، والتي قد تشكل خطرا محتملا يهدد المصالح الأمريكية بالمنطقة.
اما البند الثامن، فهو الثمن الذي قدمته امريكا للعراق مقابل بيع العراق، والذي ينص على، تتعهد القوات الامريكية المتواجدة بتلك القواعد بتقديم الدعم العسكري واللوجستي للنظام الديمقراطي القائم في العراق وحمايته من حدوث اي انقلاب او ثورة شعبية تؤدي الى تغيير نظام الحكم او تهديده.
هذه حقيقة يجب مواجهتها وعدم الاستهانة بها، فالمعاهدة لا تحسب على انها مجرد معاهدة مجحفة بحق طرف لصالح طرف اخر، وانما هي معاهدة اشرف على تصميمها كبار العقول القانونية والسياسية والعسكرية في الادارة الامريكية بدقة وعناية فائقتين، بهدف تحويل الاحتلال القائم الى استعمار ابدي، او كما يقال الى يوم الدين. وهذا ما يفسر تمسك امريكا بهذه المعاهدات وحمايتها وديمومتها
والحيلولة دون اسقاطها من قبل الشعب العراقي، الذي تمرس على اسقاط المعاهدات الاستعمارية المذلة. ومن اجل ذلك حرصت امريكا على دعم الحكم في العراق وتقويته للوقوف بوجه الشعب العراقي. من خلال بذل جهود مكثفة لزج حلفاء امريكا من عرب الردة والجامعة العربية لتفعيل ادوارهم في العراق، ومنها فتح السفارات ودعم حكومة الاحتلال والمساهمة في شرعنتها وشرعنة المعاهدة وممارسة نفوذهم على بعض القوى الوطنية الهشة لجرها الى مستنقع العملية السياسية.
اطرق هذا الباب، ليس من اجل تبيان خطورة هذه الاتفاقية، فهي تشرح نفسها بنفسها، وانما من اجل مخاطبة الذين راهنوا او تاملوا خيرا من مصطفى الكاظمي. وصدعوا رؤوسنا بادعاءاته الوطنية وحرصه على العراق وعلى استقلاله وسيادته الوطنية، وتمكنوا للاسف من خداع اوساط عراقية بقدرته على تلبية مطالب ثوار تشرين وانقاذ العراق من محنته. فهؤلاء بفعلتهم المشينة هذه اعترفوا علنا بقبول الكاظمي حاكما وطنيا وشرعنوا حكومته الفاسدة من جهة، ومن جهة اخرى، اعترفوا بالعملية السياسية التي صممها المحتل بدقة، بهدف تمزيق العراق ووحدته الوطنية. حيث اعتمدت على قانون المحاصصة الطائفية البغيض، الذي يؤدي الى نزع الهوية الوطنية للعراق، بوصفها هوية تزخر بالتعددية والتنوع والتعايش بين مكونات الشعب العراقي القومية والدينية والمذهبية، لتحل محلها الانعزالية الطائفية التي تغذي نزعات الاختلاف والاحتراب، والتي تنسف احترام السيادة الوطنية وتقدم عليها الانتماء المذهبي الطائفي، لتؤدي في نهاية المطاف الى تقسيم البلاد والعباد. وبالتالي فانه لم يعد هناك فرق على الاطلاق بين المطبلين للكاظمي او المراهنين عليه، وبين اشرار العملية السياسية بصرف النظر عن النوايا الحسنة. خاصة وان هؤلاء الاشرار الجدد يعلمون علم اليقين، بان مصطفى الكاظمي وحكومته هما نتاج تلك العملية السياسية البغيضة، بل ويعلمون ايضا بان الكاظمي نفسه قد جاء الى السلطة باتفاق امريكي ايراني، وبقبول المليشيات المسلحة التي اعترف قادتها بانهم لم يتمكنوا من الوقوف بوجه هذا الاتفاق.
ان الاعتراف بالعملية السياسية تحت اية ذريعة كانت، لا تعد وجهة نظر سياسية قاصرة او اجتهادا خاطئا، وانما يدخل ذلك في باب الخيانة الوطنية، او على الاقل خيانة دماء شهداء ثورة تشرين، التي رفضت اية حكومة تنبثق من مستنقع العملية السياسية. بل الاكثر من ذلك فان مثل هذا الاعتراف يعد بمثابة منح صك البراءة لهؤلاء الاشرار من الجرائم الكبرى التي ارتكبوها، ومنها بيع العراق للاجنبي وسرقة المال العام وتدمير العراق دولة ومجتمعا. وبالتالي فان من حق ثوار تشرين ممارسة عملية فضحهم وتعرية نواياهم الخبيثة امام الناس، ومنعهم بكل السبل المتاحة من تسويق انفسهم كوطنيين على حساب دماء العراقيين ودماء شهداء ثورة تشرين. اذ لا ينفع مع هؤلاء توجيه النقد او لفت الانتباه او تقديم النصح والارشاد. خاصة وان سلوكا ثوريا كهذا يدخل ضمن مقومات ادارة الصراع مع هؤلاء الاشرار واسيادهم واعوانهم واتباعهم ومريديهم. ناهيك عن ان ابطال ثورة تشرين يعدون العدة لانطلاق الموجة الثالثة من الثورة في الذكرى السنوية الاولى لها. اي في الاول من شهر تشرين/اكتوبر القادم.
ان الثورة التي تسعى الى استعادة الوطن المنهوب وطرد المحتلين ليست نزهة او تظاهرة سياسية، من اجل تحقيق مطالب انسانية او خدمية، وانما هي معركة وطنية كبرى لا تحتمل المجاملات او التغاضي عن الجرائم وفق مقولة عفا الله عما سلف . فاعداء الثورة جاهزون على الدوام للقتال من اجل الاحتفاظ بمكاسبهم غير المشروعة.بل هم يعدون للثورة مخططات خطيرة ومؤامرات غادرة قد تكون اكثر شدة وقساوة مما جرى لحد الان. هذه المخططات والمؤامرات ستكون لها سياسيات مختلفة واليات جديدة وربما رجال من طراز اخر يختارهم المحتل بما يتناسب مع المرحلة الجديدة من الصراع. بمعنى اخر نحن نواجه اليوم عدوا شرسا ما زال مستعدا للقتال، ويتضح ذلك بالاغتيالات الممنهجة في عدد كبير من المدن العراقية تجاه نشطاء ثورة تشرين العظيمة، استعدادا لمواجهة موجتها الثالثة. ومن يدعي مناهضة الاحتلال وحرصه على استعادة استقلال العراق وسيادته الوطنية ووحدته وعروبته، عليه الانضواء تحت خيمة الثورة واعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب العراقي، خاصة وان الصراع بعد توقيع الاتفاقية اصبح الان اكثر وضوحا وتحديدا، بين معسكرالمحتل وأتباعه ومعسكرشعب العراق وثورته الباسلة، الامر الذي لا يسمح بوجود جهات او معسكرات بينهما، وانما يضع كل القوى الوطنية دون استثناء امام خيارين لا ثالث لهما، فاما الالتحاق بمعسكر الثورة او الالتحاق بمعكسر المحتل. انها معركة ليست كبقية المعارك، معركة فاصلة لا منطقة رمادية فيها ولا مساومة، معركة لا مكان فيها للانتهازين وتجار السياسة.
ختاما لا مناجاة لمن تعاهد على الباطل وسرق بلدا باكمله مادامت الثورة العراقية قد تعاهدت على الحق وعلى استعادة الوطن المنهوب. وهل هناك من شك في قوله تعالى قل جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا.؟
عوني القلمجي
23/8/2020
3176 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع