العراق ولبنان محاصصة خارج تغطية الدستور

                                                   

                              علي الكاش

العراق ولبنان محاصصة خارج تغطية الدستور

كان للبنان بصمة مميزة في كل انواع الثقافة والمعرفة قبل ان يختم الخامنئي بصمته على مؤخرة حسن نصر الله، فمُحيت بقية البصمات. ونجزم بأنه ما لم ينفك الرباط بين مافيات الفساد والميليشيات المسلحة لا يمكن ان ينهض العراق ولبنان أبدا، المشكلة واحدة والحل واحد.

وضع اليهودي الألماني (نوح فيلدمان) مشرع الدستور العراق والزعماء الشيعة والأكراد فقرة المحاصصة الطائفية كلغم مؤقت في الدستور، وحاول بعض السنة تعديل والغاء بعض الفقرات، لكن كان مصير مقترحاتهم سلة المهملات، فلا يحق لهم التصويت على أي نص وفقرة لغرض التعديل، بحكم التحالف الشيعي الكردي كأكثرية في لجنة الصياغة، بمعنى ان مدخلات الدستور العراقي ثلاثة أطراف هم اليهود والشيعة والأكراد، وهذه حقيقة اعترف بها من ساهم في صياغة الدستور، معتبرين ان النموذج اللبناني يصلح العراق، كما أطلق عليه حينها لبننة العراق ، فجعلوا الدستور يحمل بذور فنائه بين طياته، ولم يخفِ الزعماء الشيعة ولائهم المذهبي، فرئيس الوزراء المالكي السابق سبق ان ذكر انه شيعي اولا وعراقي ثانية، وما مشاركة الميليشيات العراقية في القتال لحماية جزار دمشق الا تعبيرا عن الولاء المذهبي الذي جعلوه يسمو على الولاء الوطني، كما ان الحشد الشيعي يعتبر نموذجا لهذا التوجه المذهبي، فولاء الحشد سواء الميليشيات الولائية التابعة الى الخامنئي وهي الأكثيرية الساحقة، او الميليشيات التابعة للسيستاني، كلاهما يعبر عن الإنتماء المذهبي وليس الوطني، والدليل تدمير المدن السنية عن بكرة أبيها بحجة داعش وهي التي فقست الحشد. لقد حرروا الموصل كما يزعمون، ودمروا الموصل في الوقت نفسه وفق مؤامرة خبيثة أعدتها المخابرات الايرانية، وهذا ما اعترف به رئيس البرلمان العراقي السابق (اسامة النجيفي) عندما حذره السفير الايراني ان لم يكف عن مناكفة المالكي ومعارضته سيتم إستهداف الموصل، وهذا ما جرى، تصوروا سفير ايراني يهدد رئيس مجلس النواب العراقي، يا للكارثة! كما ان الدستور أسس لقاعدة إلغاء المواطنة عندما استبدل فقرة المواطنين بالمكونات، فكانت الضربة القاضية للمواطنة.
كان تقاسم المناصب اعتبارا من رئيس الجمهورية الى المدراء العامين يتم ومازال وفق المحاصصة الطائفية، فرئيس الجمهورية من الأكراد، ورئيس البرلمان من السنة، ورئيس الحكومة من الشيعة، علما ان رئيس البرلمان السني لا ينصب الا بعد موافقة الجانب الإيراني، وهذا ما يقال عن رئيس الجمهورية والوزراء السنة. وينطبق ايضا عن التمثيل الدبلوماسي في الخارج، فالسفير الشيعي مثلا يكون الشخص الثاني في السفارة من الكرد (او السنة) والشخص الثالث من الشيعة (أو الكرد)، وهكذا الحال بالنسبة للسفراء الكرد او السنة. ولو نظرنا الى نظام المحاصصة في لبنان سنجد نظيره في العراق عبارة عن نسخة طبق الأصل، وان الميليشيات الولائية في النهاية متمثلة بحزب الله والحشد الشعبي في العراق هما القوتان المتحكمتان في إدارة الدولة وكل المفاصل بما فيها السلطات الثلاث والإعلام. ولا يجري اي تغيير في المناصب في العراق ولبنان ألا بصدور اوامر من الولي الفقيه في طهران.
في لبنان تجد تنظيم الدولة يجري بطريقة شاذة لا يوجد لها مثيل في اية دولة في العالم، قبل ان يكرر العراق نفس التجربة، ففي البلدين لا يشير الدستور الى توزيع المناصب حسب الأديان والمذاهب والقوميات، بل هي أعراف أبتدعتها الأحزاب الحاكمة، فصارت بحكم القانون. في لبنان توجد (18) طائفة تمثل في مناصب الدولة، مثلا يكون رئيس الدولة مسيحي ماروني، ورئيس مجلس النواب من المسلمين الشيعة، ونائبه من الروم الأرثوذوكس ورئيس الحكومة من المسلمين السنة، وهناك تحالف شيعي ـ مسيحي، لذلك فأن رئيس الحكومة مقيد الصلاحية. فقائد الجيش اللبناني مسيحي ماروني، ووزير الداخلية ومدير الأمن الداخلي من السنة، ورئيس المخابرات من الشيعة، وهكذا، في العراق ايضا وزير الدفاع من السنة ورئيس اركان الجيش من الكرد او الشيعة، ووزير الداخلية من الشيعة (فيلق بدر)، ووزير الأمن الوطني من الشيعة وهكذا. وحصص المقاعد في البرلمان اللبناني البالغة (128) مقعد توزع مناصفة (64) مقعد بين المسلمين والمسيحيين، فللمارونيين (34) مقعدا وهكذا. بالطبع عدد المقاعد لا يمثل التمثيل الحقيقي في ضوء التحالفات القائمة، فحزب الله له (13) مقعدا فقط، اي أقل من غيره من الأحزاب، لكنه متحالف من نظيره حزب أمل، والكتلة المسيحية الكبرى برئاسة الرئيس (ميشال عون)، وهو صاحبة السطوة على الدولة اللبنانية بكل مرافقها، لأنه يمتلك السلاح، وسلاحه يفوق سلاح الجيش اللبناني قوة ونوعية وكمية. وطالما ان هذا الوضع ثابت فلا يمكن اجراء اي تغييرات أوتعديلات حقيقية في بنية الدولة، بغض النظر عن الحكومات القادمة وتوجهاتها المختلفة، لأن السياق واحد ، على الرغم من الإتفاق بين الأحزاب اللبنانية في مؤتمر الطائف الذي نص على إصلاحات تدريجية للإنتقال الى الدولة المدنية، ونبذ المحاصصة التي لا وجود لها في الدستور اللبناني اصلا، لكن الأمر بقي كما هو بسبب إصرار حزب الله، فهو يرفض الدولة المدنية، ويصر على وجود الدولة العميفة، وهذا ما يقال عن الحشد الشعي في العراق، فهو يمثل الدولة العميقة أيضا وكلاهما تدار من قبل الخامنئي.
الطائفية في البلدين وصلت مستويات تجاوزت المناصب العليا، في الكليات العسكرية والأمنية العراقية تبلغ نسبة الشيعة حوالي 90%، وفي وزارة الداخلية جميع المدراء والقادة من الشيعة في مغلقة على الشيعة فقط، وفي وزارة الدفاع التي يستوزرها وزير سني تجد جميع قادة الفيالق والفرق والالوية والافواج وقادة العمليات والتدخل السريع وقوات سوات ومكافحة الأرهاب ومكافحة الشغب من الشيعة، بل ان جميع عناصر هذه القطعات من الشيعة حصرا. وهذه المحاصصة تجدها في لبنان ربما بصور أوضح، فالوزير (جبران باسيل) صهر الرئيس اللبناني رفض تعيين مجموعة من عمال الخدمة في بلدية بيروت لأن عدد العمال المسلمين أكثر من العمال المسيحيين، وهذا يخالف المحاصصة. بالطبع هذا الأمر سيؤدي حتما الى كراهية الطوائف لغيرها، يعني ساسة العراق ولبنان يتبعون نفس القاعدة الإستعمارية (فرق تسد).
الحقيقة ان المحاصصة الطائفية تصب في مصلحة الأحزاب التي تمثلها وليس طبقة الطوائف نفسها، في العراق تلاحظ ان المحافظات ذات الغالبية الشيعية هي الأكثر معاناة وحرمانا وفقرا وبطالة في البلد على الرغم من ان الحكومة ذات طابع شيعي. فالإمتيازات تحصل عليها الأحزاب الشيعية فقط، وتحرم منها الطبقات الشيعية الفقيرة. ويلاحظ ايضا ن الأحزاب الحاكمة في العراق ولبنان غالبا ما تمارس عملية تخويف الطائفة التي تمثلها من الآخر، لتستقطب القطعان من الجهلة والمتطرفين لصفها، فالأحزاب الشيعية في العراق تحذر طائفتها من عودة أهل السنة الى حكم العراق، وانها ستتعرض الى إبادة جماعية وانتقام هائل، وان عودتهم أي أهل السنة للحكم، تعني الحرب الأهلية، وهذا يتطلب عدم التخلي عن سلاح الميليشيات، بإعتبارها الحصن الحصين للمذهب، بل على العكس يجب تعزيزها، وهذا ليس رأي الطبقة السياسية فحسب بل المرجعية الشيعية في النجف تحت تسمية الخشية من (عودة الآخر). ونفس الممارسة تجري في لبنان، فغالبا ما يتحدث (حسن نصر الله) عن الحرب الأهلية، على الرغم من انه يبطن احتفاظه بسلاحة بغطاء المقاومة، ولا نفهم مقاوم من؟ طالما ان لبنان مرتبط بإتفاقية مع الجانب الاسرائيلي، حيث توجد قوات أممية تفصل بين الجانبين.
ان مقاومة حزب الله محصورة في مقاومة الشعب العراقي والسوري واليمني، انه يقتل السوريين الأبرياء فيما الجولان المحتلة أمامه ولم يجرأ على أطلاق طلقة واحدة تجاهها. والطائرات الإيرانية تدمر مقرات حلفائه الحرس الثوري الايراني والميليشيات العراقية والافغانية والباكستانية في دمشق من سماء بيروت، ولم يطلق صاروخا واحدا عليها. كل الذي فعله انه دمر بيروت، وأطلق عليها طلقة الرحمة في تفجير المرفأ. لو سألت أي لبناني عن انجازات حزب الله في لبنان والمنطقة، سوف لا تجد جواب غير القتل والإرهاب والقمع والمخدرات.بصراحة ان أي عنصر من عناصر حزب الله يتحمل جزءا مما آل اليه الوضع في بيروت، ولو كان لأي عنصر من عناصر حزب الله ذرة من الشرف والكرامة والوعي والوطنية لتخلى عن سلاحه المخزي ووضعه تحت حذائه وانضم الى المتظاهرين. ان السلاح الذي لا يحمي الشعب، بل يحمي نظام خارجي لا خير فيه، والزعيم الذي يعلن ولائه لدولة أخرى يكون متهما بالخيانة العظمى، الرجال العظماء يتفاخرون بما يقدمونه لأوطانهم من إنجازات، وليس بما يقدمونه من ولاء الى دولة أجنبية، وزعيم أجنبي معمم فاشل، دمر بلاده والمنطقة بدعوى تصدير الثورة، ان تصدير ثورته المعلبة لا تقل فسادا عن الأدوية والأغذية المعلبة الني يصدرها للعراق.
ربما هيروشيما لبنان أقل قوة وضررا من هيرشيما الموصل التي هي أكبر من لبنان مساحة، وسكانها حوالي ضعف سكان بيروت، بيروت تضرر نصف المدينة، والموصل دُمرت كلها، وهيروشيما بيروت هجرت (300000) الف مواطن، وهيروشيما الموصل هجرت (2) مليون من ابنائها، هيروشيما لبنان قتلت (170) مواطن، وهيروشيما الموصل قتلت (150000) الف مواطن تقريبا، بيروت تحتاج الى (10) مليار دولار لإعادة تعميرها، والموصل تحتاج الى (80) مليار دولار لإعادة تعميرها، أدت هيروشيما بيروت الى وجود (30) مفقود، وفي الموصل هناك (4000) مفقود. لكن هيروشيما بيروت كانت بفعل عامل واحد هو حزب الله، وهيروشيما الموصل تعاون في تدميرها كل قوى الشر في العالم علاوة على ابالسة ايران والحشد الشيعي. ربما تدخل سماحة المطران الماروني وهو لبناني الجنسية في الشأن السياسي اللبناني معدوما، وفي الشأن الإنساني كبيرا، لكن تدخل المرجع الشيعي (علي السيستاني وهو أجنبي) في الشأن السياسي كبيرا، وفي الشأن الإنساني معدوما.
القاسم المشترك بين النظامين السياسيين في العراق ولبنان، علاوة على فقدان الحكومتين الهيبة، والزعم بإجراء إنتخابات مبكرة، وتشكيل حكومة توافق وطني، وعلاوة على الفساد الحكومي سيما في مجال الكهرباء والصفقات الوهمية. عندما يجري عمل ارهابي او تفجير ما، تفتح المستشفيات سجلات بالموتى والجرحى، وفي نفس الوقت يفتح النواب حواسبيهم الشخصية لمعرفة الأرباح التي يمكن ان يجنوها جراء ذلك التفجير. انهم طفيليات حقيرة يعيشون على دماء مواطنيهم، وخراب بلدانهم أما دماء الشعبين العراقي واللبناني فلا قيمة لها عندهم. لاحظ بعد تدمير الموصل ولبنان بدأت مساومة الأهالي المنكوبين من قبل أطراف داخلية بتوجيهات خارجية على شراء البيوت بأسعار أقل من قيمتها بدعوى التضرر، لغرض ترغيب الأهالي المتضررين بالهجرة، وتوطين غرباء بدلا عنهم. نفس السيناريوهات تجري في البلدين مع إختلاف حجم الضرر البشري والمادي والمعنوي. هولاء المستفيدون من نكبات مواطنيهم هم أنفسهم مقاولو هندسة الديمغرافية الجديدة في البلدين.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1054 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع