بسام شكري
تناقض التناقض
السياسة قذره جملة مفيدة كنا نسمعها من أهلنا أيام زمان ولم نتعظ بها , وعندما مضى بنا العمر اول ما لمسنا من تلك الجملة ان هناك أعداء في وضح النهار يتخاصمون وتشن حملات إعلامية فيما بينهم وفي الليل يجتمعون ويتقاسمون الأدوار والمنافع حالهم حال لعبة شرطة وحرامية التي كنا نلعبها ونحن صغار مثل رجل الشرطة الفاسد الذي يعمل صباحا مع الحكومة ويقوم خلال النهار بالتغاضي عن مهربي المخدرات او مساعدتهم في أعمالهم اذا تمكن من ذلك وفي الليل يجتمع معهم لتقاسم الأرباح وهذه الظاهرة موجودة ولا احد ينكرها في عالم الشرطة في كل انحاء العالم واذا ما قال لك خبير شرطة انها غير موجوده فقل له انك لعبت تلك اللعبة القذرة في يوم من الأيام والان تريد ان تنفي وجودها , فنحن جميعا بشر ولسنا ملائكة وامريكا بلد الديمقراطية والحريات والتي فيها اشهر تمثال للحرية في العالم هي من اكثر الدول التي استعملت أسلوب الشرطي القذر منذ ان عرفنا كارلوس وأبو نضال والقذافي وغيره من الزعماء الذين كانوا يناصبون أمريكا العداء في العلن ويشنون الحروب الكلامية ضدها وهم كانوا في الواقع يعملون لصالحها وتحت امرتها وهنا لا اريد ان افتح جروح اندملت وذكريات حروب وغزوات وحصارات واجتياحات مرت على المنطقة العربية .
موضوع تناقض التناقض الان هو موضوع الساعة في الشرق الأوسط عموما والعراق بشكل خاص وهو واضح جدا فالذي لا يعي تلك الحقيقة سيضيع في متاهات السياسة وألاعيبها القذرة , وأريد ان انير بمقالتي هذه الطريق للشباب العراقيين المعتصمين في ساحات الاحتجاجات لكي يتعلمون ويتعظون من تجربة السياسة في العراق الحافلة بظاهرة تناقض التناقض منذ سقوط الملكية سنة 1958 لغاية الان واللعبة نفس اللعبة كانت تتكرر عبر السنوات لكن الممثلين مختلفين واضرب مثالا بسيطا واحدا , فمنذ الغزو الأمريكي للعراق سنة 2003 شارك مرتزقة من جيش لبنان الجنوبي وحزب الله اللبناني في فرق الموت في العراق والتي كان لديها قوائم معدة من قبل ايران وعملائها وإسرائيل وعملائها لتصفيتهم وهم من الطيارين العراقيين والعلماء وأساتذة الجامعات المهمين وكما هو معروف فان جيش لبنان الجنوبي هو من المرتزقة اللبنانيين اغلبهم مسيحيين قد سحبتهم إسرائيل معها عند انسحابها من جنوب لبنان وحزب الله اللبناني هو من قاتل إسرائيل لتحرير جنوب لبنان فكيف اتفق الاثنان على العمل سوية في الساحة العراقية ؟ نقل لي صديقي جورج اللبناني الذي كان يعمل في احدى الشركات الأمنية في بغداد انه كان يسهر بشكل شبه يومي في ملهى ليلي في منطقة المسبح في بغداد وكان يلاحظ عدد كبير من اللبنانيين من الفريقين يتجمعون في ذلك الملهى المشهور كلما ذهب الى هناك ويتبادلون النكات والقصص والذكريات وقبيل الفجر يذهب كل فريق الى مقر عمله ليبدأ بتنفيذ واجباته بمساعدة حزب الدعوة العراقي وجماعة الحكيم.
من جانب اخر حزب الله اللبناني هو عدو أمريكا الأول في لبنان والاثنين يمارسون العهر السياسي في تبادل الشتائم والتهديدات والاتهامات على مر السنوات الماضية وقد أصدرت أمريكا قرارا باعتبار حزب الله اللبناني حزب إرهابي فكيف سمحت أمريكا لحزب الله اللبناني بدخول العراق والاشتراك في فرق الموت والحرب الاهلية في العراق؟ وصل الامر في الآونة الأخيرة ان حزب الله اللبناني يسيطر على مطار بغداد الدولي وإذا كانت إيران تعادي إسرائيل فكيف سمحت إيران التي تتقاسم احتلال العراق مع أمريكا بدخول جيش لبنان الجنوبي للعراق والمشاركة في عمليات الاغتيال في العراق وهو جزء من الجيش الإسرائيلي وهي التي تدعي انها تريد إزالة إسرائيل من الوجود؟ فليس هناك محور ممانعة او مقاومة وكل ذلك كذب الهدف منه استغلال مشاعر الناس واصبح تحرير فلسطين الشعار الذي يعطيك بريق الوطنية فلو قامت الميليشيات التي جمعتها ايران لمحاربة الشعب السوري في ثورته من الباكستان وأفغانستان والعراق ولبنان واليمن والاف المتطوعين اللبنانيين من أمريكا الجنوبية بالهجوم على إسرائيل فان إسرائيل لن تصمد اسبوع واحد وهي نفس الميليشيات التي قاتلت الشعب السوري منذ 2011 لغاية الان وقامت بتهجير 11 مليون سوري وقتل وجرح اكثر من مليون ونصف فهل كانت إسرائيل ستصمد تسع سنوات امام محور المقاومة مثلما قامت به الميليشيات الإيرانية في حرب إبادة الشعب السوري؟ وكم عدد سكان إسرائيل مقارنة فقط باللاجئين السوريين الذين هربوا من بطش الأسد وايران وروسيا البوتينية ؟ لو كانت هناك مقاومة فعلا كما يدعون كان الاجدر بتلك المقاومة ان تحارب إسرائيل بدلا من قتل الشعب السوري بهذا الكم الهائل من الميليشيات والإمكانات العسكرية.
هذا مثال بسيط اخر اسوقه لتوضيح موضوع المقال، أمريكا وإيران ومنذ سنة 1979 في حالة عداء مستمر وامريكا احتلت أفغانستان والعراق بمساعدة إيران وامريكا رفضت الاتفاق النووي الإيراني والغت موافقتها السابقة عليه وعملت حصارا دوليا على إيران منعت بموجبه (ولو بشكل شكلي) إيران من تصدير البترول وتعلن يوميا ان نظام الملالي هو نظام إرهابي فكيف سمحت له ان يحتل سوريا ولبنان واليمن والعراق؟ لنقل ان ظروف كل بلد مختلفة عن الاخر والوجود الإيراني فيها كان بمساعدة أطراف مختلفة، لكن العراق الذي قامت أمريكا بغزوه رسميا كيف لأمريكا ان تشارك إيران في احتلال العراق؟ كيف لعدوين لدودين ان يعيشان في بيت واحد؟
ايران تملك مراكز مخابرات في كل محافظات العراق وتمتلك ميليشيات يصل عددها الى 100 الف مقاتل ولديها مخازن أسلحة داخل العراق ومعسكرات تدريب وتقوم بعمليات يومية ضد داعش وغيرها من القوى التي تعاديها في العراق وتقوم بعليات تطهير عرقي اسبوعيا وتتحكم في كل الحكومات العراقية وأجهزة الدولة بحيث لا يتم تعيين موظف واحد في العراق الا بموافقة من ايران , من جانب اخر أمريكا تمتلك قواعد عسكرية في مختلف مناطق العراق وتقوم بعمليات عسكرية يومية ضد داعش وغيره من القوى المعادية لها فكيف لا تتصادم القوتان العسكريتان على الأرض او في الأجواء اذا لم تكن هناك قيادة مشتركة ؟ في المفهوم العسكري والأمني أنك لو اردت ان تقوم بنشر قوتين على الأرض يجب ان تكون تحت قيادة واحدة حتى لا تتصادم فيما بينها ولو نشرت نوعين من القوات والاثنين تابعتين لك مثل الجيش والشرطة يجب ان تضع أحدهما تحت امرة الثانية او ان تعمل غرفة عمليات مشتركة أوان تعين ضباط ارتباط للتنسيق فيما بينهما وعدم الاحتكاك فما بالك ودولتان كبيرتان في حالة حرب هما أمريكا وإيران موجودتان على ارض واحدة والدولتين لديهما عمليات عسكرية يوميا على الأرض؟ هل نحن في فلم الكارتون الأمريكي توم اند جيدري ونحن لا نعلم؟ كيف يتم التنسيق بينهما وأين تعقد اجتماعات التنسيق ومن هم ضباط الارتباط ومن هو القائد الأعلى؟
اليس من حق الشعب العراقي ان يعرف ذلك وهو صاحب الأرض المحتلة من قبل الدولتين؟
لقد حصل سوء تفاهم بين شريكي احتلال العراق امريكا وايران في الآونة الأخيرة وبدا كل طرف يريد تسقيط الاخر امام العالم من جانب واستمرار السيطرة على الشعب العراقي من جانب اخر وحاولت الدولتين تعيين رئيس وزراء يعمل لصالحهما لكن العراقيين قد رفضوا كل من تم ترشيحه لرئاسة الوزراء وحدثت ظاهرة فريدة في عالم السياسة حيث تم ترشيح اكثر من خمسة وعشرين رئيس وزراء خلال ثلاثة اشهر وتم رفض الجميع وباستغلال الفرصة الذهبية لفايروس كورونا فقد تم فرض مواطن امريكي ذو ميول إيرانية لرئاسة الوزراء هو مصطفى الكاظمي الذي يتبع تعليمات الشريكين حرفيا ,ولا يريد ان يخرج عن سياق سياستهما وقد لاحظنا عمليات قمع المتظاهرين يوم الاحد الماضي وكيفية ادارتها باحترافية عالية من قبل أجهزة حكومية رسمية بعد ان كانت عمليات القمع تدار من قبل ميليشيات إيرانية وقناصين مجهولين.
ان الكاظمي وهو المواطن الأمريكي والذي اقسم الولاء لأميركا عند حصوله على الجنسية الامريكية يقف قبل أسبوع امام المرشد الإيراني الأعلى وينحني له ويقول له امام عدسات التلفزيون سيدي انا بخدمتكم وغيره من الكلام والمديح والتوسل وبلده امريكا في حالة حرب مع إيران فكيف تم ذلك؟ وهل ان في كل القارة الامريكية لا يوجد هناك محامي واحد يتمكن من رفع دعوى قضائية ضد الكاظمي بتهمة خيانة القسم؟
ان أمريكا وإيران حلفاء احتلال العراق ينسقون فيما بينهم وإذا ما اختلفوا فانهم لا يريدون ان يعطون جندي واحد خسارة للتصادم فيما بينهما ولا يريدون ان يخسرون طلقة واحدة بل يريدون ان يكون العراقيين وقودا لاي صراع سواء كان شكلي على طريقة توم اند جيري الامريكية وحتى الرصاص الذي سيقتل العراقيين سيؤخذ من ثروتهم المنهوبة فالطرفين يلعبون على تناقضات الشعب العراقي ويفترض ان يقوم الشعب العراقي باللعب على تناقضاتهما وكشف اللعبة القذرة وخلق التناقضات فيما بينهما لإخراجهما من العراق.
ان الأشخاص الذين يديرون العراق حاليا من المنطقة الخضراء ويقومون ببيع وشراء المناصب الحكومية فيما بينهم من خلال برلمان تم تشكيله وفق مصالح إيران وامريكا في العراق لا يمكن اعتبارهم سياسيين في أي حال من الأحوال بل هي مجموعة مافيات ولصوص تم استخدامهم من قبل المحتلين لتلميع صورة الاحتلالين الإيراني والامريكي للعراق امام العالم الخارجي والدفاع عن النظام الذي خلقه بول بريمر سيء الصيت.
ان الشعوب الحية لا تموت فهذا ليس اول ولا اخر غزو واحتلال للعراق فالبلد الذي له تاريخ سبعة الاف عام من الحضارة والذي حكم ربع الكرة الأرضية لأكثر من مرتين في تاريخه القديم لا تنطلي عليه أكاذيب الاغبياء وقد يلعب المحتلين على تناقضات العراقيين بعض الوقت لكن ليس كل الوقت والعراقيين لو هبوا فلن يقف شيء في طريقهم , فقد صارت الطبقة السياسية – الدينية في العراق في حكم منتهية الصلاحية واصبح اللعب على المكشوف فلا أمريكا تعادي ايران ولا ايران تعادي أمريكا في العراق وسياسيي المنطقة الخضراء الاغبياء يشيعون بان تقوم أمريكا بإخراج ايران من العراق وفي بعض الأحيان يشيعون فكرة الانقلاب العسكري وهذا كله بهدف التشويش على العراقيين واطالة امد الاحتلالين وهي لعبة انكشفت فأمريكا راضية على سياسة ايران في العراق وايران راضية على سياسة أمريكا في العراق وفي أسوأ الأحوال يمكن للشريكين فض الشراكة فيما بينهما وتقسيم العراق بينهما لكن ذلك سوف يشعل حرب عالمية لذلك فان الشريكين سيحاولون البقاء في العراق لآخر برميل بترول يسرقونه من العراق ولآخر عراقي يتمكنون من قتله ولو تمكن العراقيين من طرد واحد من الاحتلالين فان ذلك سيكون اسهل للعراق للتعامل مع عدو واضح واحد وليس مع عدوين يقومون بقتله ونهب ثرواته ويرمى احدهما التهمة على الأخر , ان قتل العراقيين لا يعني انك تضرب العراقي بطلقة فيموت وانما ان تمنع عنه الخدمات وتحرمه من العمل والدواء والغذاء والماء والكهرباء وتضعه ضمن نظام فاسد يفقده الامل والثقة بنفسه وبعائلته وحتى بخالقه . ان مجرد العيش داخل العراق يعني الموت البطيء.
لقد أصبح اللعب على المكشوف والشعب العراقي يعرف من يقتل أبنائه في الشوارع ومن يمنع الخدمات الضرورية والاساسية عنه ولماذا ويعرف ان إيران تمنع الربط الخليجي للكهرباء مع العراق خوفا من عودة الصناعة والزراعة العراقية وحماية لبضائعها التي تبيعها للعراق وللكهرباء الذي تبيعه بأضعاف سعره الحقيقي، ان الامل في الشباب فهم المستقبل ومن أراد مساعدة الشباب من اتباع هذا وذاك او من السياسيين العراقيين المخضرمين في داخل وخارج العراق فالباب مفتوح والعراق بلد الجميع. فمرحلة ما بعد كورونا ستخرج للساحة تنظيمات شبابية سياسية عقيدتها تحرير العراق وسلاحها الوحدة الوطنية.
الباحث
بسام شكري
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
803 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع