قصتان وعبرتان

                                                

                          اسماعيل مصطفى

   

قصتان وعبرتان

كان الحكماء قديماً يلقون الحكمة للناس عن طريق قصص خيالية تبيّن حقيقة المجتمع ليعتبروا ولا يضيعوا في المتاهات ويكونوا على بصيرةٍ من أمرهم وفي هذه العجالة نكتفي بقصتين تكشف عما يجري حولنا.

القصة الاولى

يحكىٰ أن عصفوراً رأى فخّاً في التراب فقال له :من أنت؟.

فقال الفخ: أنا عبد من عبيد الله.

قال العصفور: فلم جلست على التراب؟!.

فقال الفخ: تواضعاً لله.

قال العصفور : فلم انحنى ظهرك؟!.

قال الفخ : من خشية الله.

قال العصفور: فلم شددت وسطك؟!.

قال الفخ: للخدمة.

قال العصفور: وما هذه القصبة؟!.

قال الفخ: هذه عصا أرتكز عليها.

قال العصفور: فما هذه الحبوب؟!.

قال الفخ: أتصدق بها علىٰ العصافير.

قال العصفور: أيجوز أن التقطها ؟.

قال الفخ: إن احتجت فافعل..

فدنا العصفور من الحبوب ليتناول منها، فانطبق عليه الفخ. فصاح ألماً وخوفاً!.

فأجابه الفخ : صح ما شئت فما لخلاصك من سبيل.

هنالك دعا العصفور ربّه: اللهم إني أعوذ بك من شخص ذاك قوله ، وهذا عمله!.

العبره

الفخ هو الدنيا الفانية التي تغرّ من عميت أبصارهم . أمّا العصفور فهو أنا وأنت أيها الإنسان؛ فإيّاك والوقوع في مثل هذا الفخ.
هي الدنيا تقول بملإ فيها

حذارِ حذارِ من بطشي وفتكي

فلا يغرركُم حلوُ ابتسامي

فقوْلي مضحكٌ والفعلُ مبكي

أنا الدنيا كشهدٍ فيه سمٌّ

وإلاّ جيفةٌ طُليتْ بمسكِ


القصة الثانية
كان لأحد الأشخاص خروفٌ أراد بيعه .. فأخذه إلى السوق، ورآه أربعةُ لصوص فأتفقوا أن يسرقوا منه الخروفَ بأسلوب ماكر ، فتقاسموا الجلوس على قارعةِ الطريق المؤدّي للسوق ، والتي سيمرُّ منها صاحبُ الخروف.

فجلس الأول في بداية الطريق المؤدي للسوق، وجلس الثاني في ربع الطريق، والثالث في منتصفه ، والرابع قبل نهايته .

مرَّ صاحبُ الخروف من جانب اللص الأول وألقى عليه السلام فردّ اللص السلام وبادره سائلاً: لماذا تربط هذا الكلب وتقوده خلفك ؟!.

فالتفت صاحب الخروف إلى اللص وقال له :هذا ليس كلباً.. إنه خروف سأذهب لبيعه في السوق ثم تركه ،وانصرف .

وبعد مسافة التقى باللص الثاني وإذا به يسأله : لماذا تربط هذا الكلب وتقوده خلفك؟!

فنظر إلى اللص وقال له : هذا خروف .. وأنا ذاهب لأبيعه في السوق.. وتركه وانصرف. بدأ الشك يتسرب إلى قلبه وأخذ يتحسس الخروف ،ليتأكد هل هو كلب فعلاً كما سمع من الرجلين أم أنه خروف كما يعتقد هو ؟!.

وبعد مسافة إلتقى باللص الثالث ، وإذا باللص يسأله نفس الأسئلة السابقه : لماذا تربط الكلب خلفك ؟!.

فدهش صاحبُ الخروف وزادت حيرتُه ؛ ونظر إلى اللص متعجباً ثم انصرف ولم يجبه على سؤاله لأنه بدأ يعتقد بأنه يقود كلباً وليس خروفا.

وبعد مسافة ألتقى باللص الرابع فسلّم عليه وباشره اللص قائلاً :ما بك يا رجل تربط الكلب وتقوده خلفك ؟!.

هنا تيقن صاحب الخروف بأنه يقود كلباً وليس خروفاً فليس من المعقول أن يكون الشهود الأربعة كاذبين!.

ثم التفت إلى اللص وقال له :

لقد كنتُ في عجلة من أمري فأعتقدتُ أن هذا الكلب خروفٌ فربطته لأذهب به إلى السوق لأبيعه، ولم يتبين لي أنه كلب إلّا الآن .. ثم فكّ وثاق الخروف وأطلق سراحه، وعاد مستعجلاً إلى بيته يبحث عن خروفه، وأخذ اللصوص الخروف وأنصرفوا فرحين.

العبرة

هكذا تتم صناعة الرأي العام والتضليل من قبل المحترفين عبر وسائل الأعلام والتواصل الإجتماعي والوسائط على جميع المستويات الشخصية والعربية والعالمية ويفعلون لأجل ذلك كل ما يمكن لتزييف وقلب للحقائق وصناعة المشهد التمثيلي للخداع والتلاعب بالعقول.

حقيقة واحدة ينبغي إدراكها وهي أن الخروف ذهب مع اللصوص وأن الكلب عشعش ونام في عقل صاحب الخروف، لدرجة أنه صدّق بأن خروفه كلبٌ وليس بخروف.

يجب أن لا ندع قناعاتنا ومعارفنا تقع تحت تصرف ومكائد اللصوص ، لاسيّما لصوص العقول، والحذر منهم فهم أخطر بكثير من لصوص النقود.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1038 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع