عمران سلمان
وظيفة رجل الدين تنتمي إلى الماضي!
بعد كل هذه القرون التي قطعها الإنسان في مسار التطور العلمي والاقتصادي والسياسي والروحي، وفي مجال التشريع والقانون وفي مختلف مناحي الحياة، ربما من المنطقي أن ينشأ السؤال التالي: هل يحتاج الانسان المعاصر إلى رجل دين؟ وإذا كان يحتاج إلى رجل دين ففي أي مجال بالضبط؟
علاقة خاصة
يمكن صياغة هذا السؤال على النحو التالي: ما الذي يستطيع رجل الدين ـ وهنا أتحدث عن وظيفة رجل الدين وليس عن رجل الدين نفسه كإنسان ـ أن يقدمه لغيره من البشر، إذا تعلق الأمر بنواحي الحياة المادية المختلفة؟
ويمكن أن نطور السؤال إلى مستوى آخر، فنقول: لماذا يحتاج الدين إلى شخص يقوم بشرحه وتقديمه إلى الآخرين، أو شخص يقدم نفسه على أنه وحده من يملك مفاتيح الدين ووحده القادر على أن يدخل فيه من يشاء ويخرج منه من يشاء؟
أعلم بأن هناك من سوف يقفز لكي يقارن هذه الوظيفة بالطبيب والمهندس والمحامي...إلخ، أي مثل كل صاحب اختصاص، ولكن هذه المقارنة الباطلة، يفوتها أمر بسيط وهو أن الدين ليس معارف أو معلومات يقدمها من يعرف لمن لا يعرف، الدين في المبتدأ والمنتهى هو اعتقاد وعلاقة خاصة بين الإنسان وما يعتقده. ولهذا لا أحد يستطيع أن يشق قلب الإنسان لكي يعرف كيف يكون هذا الاعتقاد أو يقيس درجته أو شدته وما إلى ذلك. وبالطبع لا أحد يستطيع أن يبرهن عليه أو على عدمه من خلال المظاهر الخارجية وحدها.
من ينقذ من؟
من الأمور الملفتة أن الإنسان يتصور أن اتباعه لرجل الدين يمكن أن ينقذه (من ماذا؟ ليس مؤكدا) أو يجنبه المزالق والمهالك! لماذا لا يثق الإنسان بأنه إذا كان ثمة إنقاذ فهو الأقدر على أن يقوم به، بدلا من تسليم نفسه وعقله إلى شخص آخر مثله؟ هل من المعقول أنه لا يدرك بأن الله قد خلق جميع البشر مختلفين في كل شيء، إلا في أمر واحد وهو العلاقة معه، وهي علاقة لا تحتاج إلى وسطاء.
إن الحاجة إلى الوسيط، وهو رجل الدين في هذه الحالة، فيها انتقاص من قدر الإنسان، ومن قدرته على أن يكون.
إذا كان الإنسان يعبد الله فالله موجود في كل مكان، وليس هناك بين الإنسان والله من حجاب سوى نفسه، وهذا الحجاب يستطيع الإنسان أن يزيله عبر تهذيب النفس والسمو بالأخلاق والارتقاء بالمسؤولية الفردية وتقديم الخدمة للآخرين والعناية بالشخصية، وهي أمور كلها متعلقة بالضمير وبالأخلاق. ولا علاقة لرجل الدين بها.
بعبارة أخرى، فإن إصلاح الإنسان لنفسه كفيل بأن يوصله إلى أسمى الغايات وأن يقربه من الإله الذي يعبده، بوصفه النموذج أو المثل الأعلى.
دور رجل الدين
طوال التاريخ، لم تكن وظيفة رجل الدين تخرج عن أمرين، إما السيطرة على عقول الناس لمصلحة السياسي/الحاكم، أو السيطرة على عقولهم باسم فكرة أو عقيدة بهدف وضعهم تحت الوصاية الجمعية أو الحزبية أو ما شابه.
وصلب هذا العمل الذي يقوم به رجل الدين في الحالتين، هو الاستحواذ على عقل الإنسان وقلبه وتجييرهما لمصلحة دنيوية ما. وحين يفعل ذلك فإنه لا يفعله من منطلق المحبة للإنسان الذي يسعى للسيطرة عليه. إنه لا ينظر إلى هذا الإنسان سوى على أنه أداة أو وسيلة. وهو حين يسيطر على عقل هذا الأخير، فهو يوجهه وجهة لا تخدم مصلحة الإنسان نفسه. لماذا؟ لأن هذه السيطرة أو فكرة السيطرة تتعارض مع مصلحة كل إنسان.
احترام الإنسان
إن أولى الإشارات الدالة على احترام الإنسان، هي عدم الحكم عليه، أو "قصفه" بالإملاءات أو معاملته معاملة القاصر أو محاولة زرع عقدة الذنب لديه، وإنما قبوله كما هو ومن دون مسبقات أو اشتراطات.
لكن معظم رجال الدين لا يستطيعون أن يفعلوا ذلك. لماذا؟ لأن طبيعة وظيفة رجل الدين تقوم على جلب الأتباع، وذلك يقتضي التمييز بين الناس، بما يتضمنه من خفض أناس وإعلاء آخرين. إنه لا يخاطب هنا قلب الإنسان أو روحه وإنما يخاطب "الأنا" فيه. فهو يغرس في أتباعه فكرة أنهم الأفضل وهم السائرون على الطريق المستقيم وهم "الناجون من النار"، بينما غيرهم ليسوا كذلك.
إنه ببساطة، مثل السياسي، يريد أن يظل هؤلاء الأتباع في حالة ولاء وانقياد تامين له. وهو بهذا لا يرفعهم أو يقربهم من المثال الأعلى. وبعض رجال الدين يفعل العكس تماما حين يفترش سجاده بعبارات الكراهية والضغينة والشتائم واللعنات!
فلماذا، والحالة هذه، يسمح الإنسان للسموم الناتجة عن الأنا المتضخمة بأن تتسلل إلى عقله وجسده فتفسدهما وتمرضهما؟ هذا سؤال ينبغي التفكير فيه مليا.
قد يبدو في حديثي أعلاه بعض التعميم، ولكن الحقيقة هي أنني أتحدث هنا عن الوظيفة التي يقوم بها رجال الدين وليس عنهم كأشخاص، أما أولئك الذين كفوا عن هذه الوظيفة فهم وإن بدا عليهم مظهر رجل الدين من الخارج، إلا أنهم في الواقع لم يعودوا كذلك.
1088 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع