ولاء سعيد السامرائي
القاتل معروف والقصاص غائب في العراق
استهدفت حادثة اغتيال جديدة شهدها العراق قبل أيام المحلل الأمني، هشام الهاشمي، الذي لا يكاد تقرير عن العراق وأوضاعه يخلو من تحليلاته، بل إنه ربما المرجعية الأولى منذ سنوات في الشأن الأمني، وتتلقف الفضائيات مداخلاته لفهم ما يحدث في المشهد العراقي المعقد. تم اغتيال الهاشمي، عقب خروجه من مكتب لفضائية، لاحقته مجموعة من المليشيات الولائية التي يبدو أنها هددته منذ أشهر، بحسب أصدقائه المقربين والمتواصلين معه بهذا الشأن من الصحافيين والإعلاميين الذين يتصدون للفساد، ويقفون مع مطالب الشعب العراقي وانتفاضة أبنائه. بدأت هذه التهديدات بعد إعداد الهاشمي تقريرا عن المليشيات لرئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، يتضمن تفاصيل حساسة، منها ما يتعلق بمدى تأثير قادة الحرس الثوري الإيراني على المليشيات.
أظهرت كاميرات المراقبة الشخص الذي اغتال الهاشمي، وهو برفقة آخر على دراجة، تنتظرهما عربة لمرافقتهما. وتبين، بحسب الأخبار الحكومية، أن كاميرات المراقبة للمنطقة التي يقيم فيها الهاشمي، وهي خاصة سابقا بضباط الجيش العراقي، تراقبها المليشيات الولائية التي سبق لمسؤول معروف بالاغتيالات فيها أن كلم المغدور، وحذره من تجاوز الخطوط التي تضعها هذه الأدوات التابعة للحرس الإيراني، بل جاءت آخر مكالمة تحذير له من صحافي مقرب من رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، يبدو أنه كان على علم بموعد الاغتيال!
كل هذه الدلائل والأفلام والشهادات والمكالمات كفيلة بسهولة، لبلدٍ يمتلك مؤسسات أمنية واستخباراتية عديدة، تراقب عاصمته ومناطقها الحساسة بآلاف الكاميرات، بإحضار القتلة المجرمين أمام العدالة، إذا أرادت حكومته فعلا تنفيذ القانون؟ صرّح رئيس الوزراء الكاظمي بأن العراق لن ينام قبل أن يخضع قتلة المحلل الأمني، والمستشار السابق في الحكومة، هشام الهاشمي، إلى القضاء، بما ارتكبوا من جرائم. لكنه، بدل القبض مباشرة على القتلة باستعمال الأدلة المذكورة، أمر بتشكيل لجنة تحقيقية، عيّن المجلس الأعلى للقضاء أعضاءها، وضمت قاضيا معروفا بارتباطه بالفصائل الولائية. وهي لن تذهب بعيدا في مهمتها، مثل كل لجان التحقيق التي سبقتها، وانتهت بإغلاق الملفات وتسجيل الجرائم ضد مجهولين، لأن من يسيطر على الحكومة هي هذه المليشيات وأحزاب العملية السياسية نفسها التي لم تستنكر أي اغتيال أو اختطاف، ولم تدن أعمال الإرهاب الكثيرة التي يبدو أن لا نهاية لها بوجودهم. ليس ذلك فحسب، بل يسمّي الكاظمي اليوم هذه المليشيات الفاسدة بالأشباح، في زيارته المنافذ الحدودية في محافظة ديالى، بهدف تطهيرها من الفاسدين، فهل من المعقول أن يسمي رئيس الوزراء مليشيات معروفة وموجودة على الأرض بالأشباح؟ كيف سيتمكّن من توجيه التهم وتنفيذ العدالة بمن يعتبرهم أشباحا؟ وكيف سيمسك بهم إذا كانوا كذلك؟ عدم تسمية القاتل والفاسد المعروف الذي خرجت تظاهرات العراقيين ضدهم لا معنى له سوى أنه تهرّب من المسؤولية، كما عدم تسمية الجناة الحقيقيين بأسمائهم الصريحة، كما فعل رئيس الوزراء السابق، عادل عبد المهدي، حين تم قتل أكثر من سبعمائة شاب من المتظاهرين السلميين، وقد آثر تسميتهم الطرف الآخر، بينما قال السياسي، إياد علاوي، إن أوامر القتل كانت تخرج من مكتب عبد المهدي مباشرة! وكما سلفه، يتعكّز مصطفى الكاظمي على مفاهيم الدولة وإعادة هيبتها (السيادة خصوصا)، كما صرح بداية تكليفه، لكن ما حدث، قبل أيام، يسقط هذه الادعاءات التي لا تصمد أمام الوقائع، من قبيل حادثة وكر منطقة الدورة، عندما اقتحمت المليشيات الولائية قبل أيام المنطقة الخضراء، بسبب ما حدث في اعتقال مجموعة من 14 عنصرا من حزب الله، أحدهم خبير الصواريخ الإيراني، واحتلت مكاتب الفرقة الخاصة المسؤولة عن أمن المنطقة الخضراء، واعتقلت ضباطا فيه. وعلى الرغم من إصدار الكاظمي أوامر لقائد هذا الجهاز، بمواجهة هؤلاء، إلا أنه رفض تنفيذ الأوامر وترك المليشيات تفعل ما تشاء، وبقي في منصبه فيما بعد، على الرغم من قرار رئيس الحكومة نقله إلى مكان آخر(!). أما الأمر الآخر، فإن الكاظمي، وهو رئيس الوزراء، احتاج للاتصال بنوري المالكي، لكي يعطي الأمر بإخراج هذه المليشيات من المنطقة الخضراء. وأخيرا، وبعد اعتقال بعضهم، وخضوع الكاظمي لمطالب إطلاق سراحهم، نشروا فيديو يظهرهم يضعون صور رئيس الوزراء الذي هو قائدهم العام تحت أقدامهم!
لم يعد أي عراقي يصدّق وجود دولة في العراق، على الرغم من تغني بعضهم بهذه الكلمة لذرّ الرماد في عيون العراقيين الذين خرجوا للمطالبة بدولة حقيقية، بدلا من هيمنة أحزاب ومليشيات تستبيح البلاد والعباد، ولاؤها لإيران، ولو أن الكاظمي لا يتوقف عن الحديث عن مواجهة من تورّط بالدم العراقي، وعدم السماح بالفوضى وسياسة المافيا، لأنه لا توجد أصلا دولة، وليس هناك هيبة ولا سيادة. تبدو الحكومة الحالية الأكثر تهرّؤأ من أيٍّ من حكومات عملية الاحتلال السياسية، غير قادرة على اتخاذ أي إجراء، حتى لو كان بسيطا. لم تبعث أي رسالة إيجابية إلى الشعب العراقي، الثائر منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، والمطالب بالتغيير الجذري، وإلغاء العملية السياسية، بل رضخ الكاظمي، كما غيره، لتهديد السلاح المليشياوي منذ البداية، وضرب السيادة التي يتشدّق بها عرض الحائط، وصدم العراقيين، وهم في البطالة، بسماحه بتعاقد وزارة النقل مع شركة إيرانية لنقل المسافرين من المطار وإليه نحو مركز العاصمة، وتعيين ثمانمائة سائق إيراني لهذا الغرض، وتجديد عقود شركات الاتصال التي لم تسدد ديونها للدولة، وإجراءات أخرى، هي في الضد مما يطالب به الشعب العراقي.
في ظل مثل هذه العملية السياسية وأحزابها ومليشياتها سيستمر قتل العراقيين، ولن يتم التوقف عن تدمير العراق وتخريبه ونهبه، إلا باستمرار الثورة التي بدأت في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وهدأت بسبب جائحة كورونا. ثوار ساحات التحرير عازمون على الاستمرار في مطالب التغيير، واسترجاع بلدهم، فهم يعرفون القاتل والمخرّب والفاسد، وقد وضعوا الأسماء على كل هذه العناوين، ولم يعد في مقدور أي سياسي أن يخدعهم بأي تزويق لفظي، وأي أيدلوجية طائفية، ظهرت مآربها وأكاذيبها لغالبية الشعب العراقي. الثورة لم تنته، بل هي مستمرة، وعادت إلى تنظيف العراق من الفاسدين وسرّاق المال العام وقتلة الأبرياء من الشباب والصحافيين والإعلاميين الوطنيين.
1070 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع